رأس الأمير على كتف القيصر
نبيه البرجي
ربما كان هناك من نصح الأمير محمد بن سلمان بأن يضع رأسه على كتف فلاديمير بوتين لا على كتف دونالد ترامب...
الأميركيون هم من دعوا ولي العهد الى ارجاء الانتقال من موقع صاحب السمو الى موقع صاحب الجلالة. الوضع داخل الأسرة، او داخل المملكة، بوجه عام يحتاج الى اعادة هيكلة بحيث لا يكون العرش بمثابة الكرسي الكهربائي .
كل شيء يحتاج الى اعداد سيكولوجي . بالصدمات المخملية لا بالصدمات النووية التي كان من ابرزها وأخطرها تفجير الأزمة مع قطر، وعلى أساس ان البلاط السعودي لكي يبقى وسط تلك الأمواج الهوجاء، لا بد ان يضع يده على سياسات وثروات مجلس التعاون وبصورة مطلقة .
هذه مسألة محظورة، اقليمياً ودولياً. ارسال أنقرة، وفي وضح النهار، مئات الضباط والجنود الى الدوحة ينطوي على الكثير من الدلالات. باستطاعة اي كان القول ان المعمارية الاستراتيجية في الشرق الأوسط والتي نشأت مع دوايت ايزنهاور، وربما مع فرنكلين روزفلت، قد شاخت. غير أن المملكة التي، بدورها، شاخت لا تستطيع أن تكون شريكاً في لعبة الامم، وهي التي تقود لعبة القبائل.
عكس ذلك، ناشطون سعوديون، ولطالما حذروا من ان الفقاعات المالية (في ظل اقتصاد احادي البعد) لا يمكن أن تنتج سوى الفقاعات الاستراتيجية، يسألون الآن ما اذا كانت واشنطن تريد، حقاً، انتشال ولي العهد الشاب، ومعه المملكة، من الأزمات التي تجعل الاحتمالات أكثر تعقيداً، وتجعل من تداعياتها أكثر حساسية، بل وأكثر خطورة.
الأميركيون الذين أصرّوا على تغيير صارم في المسار الايديولوجي للمناهج المدرسية، وحتى الجامعية (لا سيما في جامعة محمد بن سعود للشريعة) هم من طلبوا منح المرأة حق قيادة السيارة .
المرسوم الملكي صدر ليلاً، على أن ينفذ في حزيران من السنة المقبلة (لماذ؟!) . بعض الصحف تحدثت عن «الليلة التاريخية». أي معنى للتاريخ هنا اذا كانت امرأة سوفياتية (فالنتينا تيريشكوفا) صعدت في مركبة الى الفضاء منذ أكثر من نصف قرن (1963). الأميركيون ارسلوا سالي رايد الى الفضاء الخارجي عام 1983.
لكننا في زمن البروباغندا حتى ولو كانت بائسة، أو مخجلة، الى ذلك الحد. هذه تبقى مجرد تفاصيل اذا ما أخذنا بالاعتبار «الساعات التاريخية» بين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس فلاديمير بوتين بعد أيام. لدى الاثنين الكثير مما يقولانه. الأهم أن يكون لديهما الكثير (وليس القليل) مما يمكن أن يفعلاه.
مرات قال الكرملين ان البيت الأبيض يزج المنطقة (ولمصلحته) في صراعات أبدية. وهو ما زال عند موقفه، ومن ست سنوات وحتى الآن، بأن الرياض وطهران ينبغي أن يعيدا النظر في علاقاتهما، وباتجاه التفاهم.
الديبلوماسيون الروس في أكثر من بلد عربي تساءلوا «كيف يمكن للأمير محمد بن سلمان أن ينفذ رؤيته لعام 2030، بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية، في حين ان امكانات المملكة مشتتة على تلك الجبهات».
هؤلاء الديبلوماسيون يؤكدون ان بوتين مستعد للقيام شخصياً بمساعي الوساطة، وان كان هناك من يرى أن تمديد الصراع جزء من «عدة الشغل» لدى الطرفين، خصوصاً لدى المملكة التي تواجه الآن تفاعلات عاصفة، مع تقهقر الدور الاستراتيجي على نحو دراماتيكي.
جهة رفيعة المستوى في منطقة الخليج الفارسي قالت لنا ان لقاء الكرملين لن يكون عابراً. هناك تشديد روسي على أن الوقت قد حان لاحداث تغيير في السياسة السعودية حيال دمشق التي ادت أزمتها الى تخلخل الأوضاع في الشرق الأوسط برمته، أو حيال الدوحة التي أدت الأزمة معها الى تخلخل الأوضاع في الخليج الفارسي برمته.
الباحث الفرنسي ستيفان لاكروا، وقد أعدّ اطروحة حول التيارات الاسلامية في السعودية، لاحظ أن ولي العهد يعتزم نقل بلاده من زمن ما قبل الحداثة الى الحداثة، مع المركزية المطلقة للسلطة ,على غرار ما هو قائم في عدد من الجمهوريات العربية.