لا نهاية لأيّ حرب بوجود «إسرائيل»...
د. عصام نعمان
سيحتفل اللبنانيون والسوريون قريباً بدحر «داعش» وبإنهاء احتلال إرهابيّيه حدود لبنان الشرقية مع سورية. الفرحة لا تقتصر على الخلاص من «داعش» فحسب، بل الخلاص أيضاً من «إسرائيل» وإرهابها في تلك الجبال والهضاب. فـ «داعش» كان وما زال، مداورةً وموضوعياً، حليف الكيان الصهيوني، ومن ورائه الولايات المتحدة، في الحرب على سورية وحلفائها.
فرحةُ اللبنانيين والسوريين لن تكون نهائية. فقد دحرت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله الإحتلال «الإسرائيلي» في العام 2000 ثم في العام 2006، ومع ذلك لم تدُم الفرحة طويلاً لأنّ «إسرائيل» ككيان صهيوني عنصري عدواني لم يُهزَم نهائياً وظلّ قادراً على شنّ الحرب ضدّ أعداء وجوده. باختصار، لا نهاية لأيّ حرب مع بقاء الكيان الصهيوني.
هذه الحقيقة لا تُدركها «إسرائيل» فحسب، بل تجاهر بها أيضاً. هي كيان عنصري عدواني، يموت إذا كفّ عن التوسّع. ثم، لا يكفي أن يتوسّع باطّراد بل يقتضي أن يكون دائماً قادراً على فعل ذلك. ولا يكفي أن يكون قوياً بل يقتضي أن يكون أقوى من أعدائه جميعاً. بل يقتضي أن يحول دون استقواء أيٍّ منهم لئلاّ تملي عليه مصالحه أو رؤيته الاستراتيجية أن يتقوّى ويتوطد أكثر. الكيان الصهيوني، بهذا المعنى، عدو للعالم أجمع، من حيث هو فضاء لامتناهٍ لاستنبات أعداء محتملين لـ «شعب الله المختار».
لا مبالغة حقاً في الجزم بأنّ الصراع مع «إسرائيل» صراع وجود لا صراع حدود. فأين ومتى تكون جولة الصراع المقبلة؟
القادة الصهاينة يقولون جهاراً إنّ عدوّهم المرحلي هو إيران وإنّ جولة الصراع ستكون معها، في سورية تحديداً، وفي كلّ مكان يكون لها فيها نفوذ. في هذا السياق، تنشط «إسرائيل» لإقناع العالم، ولا سيما الولايات المتحدة وروسيا، بأنّ إيران خطر ماثل يهدّد الجميع. قال ذلك رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو للرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته الأخيرة له، ثم ما لبث أن أرسل وفداً برئاسة قائد «الموساد» يوسي كوهين لإقناع أركان مجلس أمنها القومي بصحة رؤيته وبضرورة تفعيل المواجهة الشاملة للخطر الإيراني المحدق.
نتنياهو هذا حاول مراراً إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالأمر نفسه. آخر محاولاته كانت قبل أيام خلال اجتماعه إليه في سوتشي. مصادر «إسرائيلية» نسبت إليه، بعد الإجتماع، قوله إنّ «إسرائيل» لن تتوانى عن العمل منفردة ضدّ إيران إذا اقتضت مصالحها الأمنية ذلك.
لا يبدو أنّ أميركا وروسيا استجابتا إلى ما تريده «إسرائيل». ثمّة استجابة في بعض النواحي التكتيكية، لكن لا التزام في الأهداف الاستراتيجية والإجراءات العملانية. فماذا تُراها تفعل دولة العدوان؟
القادة الصهاينة أدركوا مبكراً هذه الحقيقة، لذلك فكروا وناقشوا سراً وعلانية بضعة احتمالات وتوجّهات ومسارات. لعلّ ما كشفه غيورا أيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي وشعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» في صحيفة «يديعوت احرونوت» 2017/8/23 يستوقف المتابع والباحث أكثر من غيره. يقول أيلاند «إنّ الحرب الدائرة في سورية على وشك الانتهاء، وبدأت تلوح مؤشرات قوية الى أنّ الإئتلاف الذي يضمّ نظام الرئيس بشار الأسد وحزب الله وإيران وروسيا سيكون الطرف المنتصر فيها». يرى أيلاند «أنّ الإيرانيين يريدون أن يقيموا في سورية «حزب الله 2» يكون عبارة عن قوة من الميليشيات الشيعية المنتشرة في هضبة الجولان على طول منطقة الحدود مع «إسرائيل» … وأنّ أيّ مواجهة ستندلع بين «إسرائيل» وحزب الله يمكن أن تؤدّي بسرعة إلى اندلاع حرب شاملة بين «إسرائيل» وسورية أيضاًً».
يعترف أيلاند بأنّ «الرافعات التي بحيازة «إسرائيل» ضدّ هذا التطوّر الخطر محدودة للغاية»، لكنّه لا يُقرّ بأنها تحتلّ قسماً من الجولان، وأنها تدعم لوجستياً وعسكرياً الميليشيات الإرهابية التي تسيطر على قسم من الجولان المحرّر وتحاول مدّ سيطرتها إلى جواره. ومع ذلك يرى أيلاند أنه «يتعيّن على «إسرائيل» القيام بأربعة أمور:
الأول، إقناع الولايات المتحدة بتنفيذ «صفقة رزمة» مع روسيا «تكون واشنطن بموجبها مستعدّة لرفع العقوبات المفروضة على موسكو والاعتراف بوجودها في شرق أوكرانيا في مقابل قيام روسيا بمنع استمرار الوجود الإيراني في سورية».
هذا الكلام يطرح سؤالاً: صحيح أنّ لـ «إسرائيل» نفوذاً قوياً في الولايات المتحدة، لكن هل في مقدورها حمل أميركا على إجراء تعديل استراتيجي بالغ التأثير في أوروبا بمعزل عن حلفائها الأطلسيين؟ ثم هل في مقدور روسيا أن تضحّي بحقوق حليفها السوري ومصالح حليفها الإيراني أو أن تكون لها الإرادة والقوة القادرتان على «منع استمرار الوجود الإيراني في سورية»؟
الأمر الثاني، «أن توضح إسرائيل لروسيا على نحوٍ صارم أنها ستعمل بطرق عسكرية لمنع بناء قوة عسكرية إيرانية بالقرب من منطقة الحدود في الجولان». يمنّي أيلاند النفس بالتوصل مع موسكو إلى تفاهمات، كما في الماضي، تمكّن سلاح الجو «الإسرائيلي»، من «شنّ هجمات في الأراضي السورية وتغضّ روسيا النظر عنها».
سؤال: هل في مقدور موسكو أن تسمح لـ «إسرائيل» بأن تضرب قوات أو قواعد عسكرية إيرانية، إذا كانت سورية، حليفة روسيا، قد أجازت في إطار حقها كدولة سيّدة إقامة قواعد ونشر قوات إيرانية؟ ثم أليس في مقدور إيران التي تمتلك صواريخ دفاع جوي من طراز 300-S، أو أخرى بفعالية مماثلة، التصدّي بنجاح مباشرةً أو من خلال سورية لسلاح الجو «الإسرائيلي» وتعطيل دوره؟
الأمر الثالث، «أن تكرّر إسرائيل الشرح لأصدقائها وبواسطتهم لأعدائها أيضاً، أنه في حال مبادرة حزب الله إلى شنّ حرب عليها فستكون حرباً شاملة بينها وبين دولة لبنان كلها، ومن شأن إيصال رسالة صارمة كهذه أن تكون عامل ردع نظراً لأنّ ما من أحد معني بدمار لبنان عن بكرة أبيه».
سؤال: «ألم تقُم إسرائيل خلال حرب 2006 باستهداف لبنان، شعباً وعمراناً ومرافق حيوية، فهل شكّل عدوانها الوحشي آنذاك رادعاً مؤثراً على حزب الله أو على لبنان بشخص رئيسه العماد إميل لحود وقياداته الوطنية، السياسية والشعبية؟ ثم، هل ستكون «إسرائيل»، سكاناً وعمراناً وقواعد عسكرية ومرافق حيوية، بمأمن من عشرات آلاف صواريخ حزب الله الموجّهة والفتاكة التي ما انفك قادتها وخبراؤها الاستراتيجيون ينوّهون بها ويحذّرون منها؟
الأمر الرابع، «أن تستغلّ إسرائيل الكراهية التي يكنّها سكان هضبة الجولان السوريون لإيران وحزب الله من أجل تعزيز علاقاتها السرية مع هؤلاء السكان، بما يتجاوز تقديم المساعدات الطبية والإنسانية لهم، وبما يُسفر عن إقامة حليف حقيقي لها بالقرب من منطقة الحدود في الجولان».
سؤال: هل يمكن أن تغش قيادات «إسرائيل» نفسها إلى حدِّ إنكار الكراهية الشديدة التي يكنّها لها أهل الجولان المحتلّ، ولا سيما سكان مدينة مجدل شمس والقرى المجاورة؟ ثم، أليس لدى تنظيمات المقاومة السورية واللبنانية من القدرات والوسائل والأساليب والأدوات ما يمكّنها من تعطيل مفعول المساعدات الطبية والإنسانية و«بما يتجاوزها» أيضاً على نحوٍ يؤدي إلى تعبئة أهالي الجولان والمناطق المجاورة وانخراطهم تالياً في مقاومة مدنية وميدانية للاحتلال «الإسرائيلي»؟
لعلّ الجواب الأفعل عن الأسئلة المطروحة آنفاً هو ما اختتم به أيلاند دراسته تلك:
«إجمالاً لا بدّ من القول إنّ ثمة خطراً في الأفق ينذر بحدوث تحوّل استراتيجي نحو الأسوأ في أوضاع «إسرائيل» في الجبهة الشمالية، لأول مرة منذ سنوات طويلة».
… وكان حريّاً به أن يضيف: وإلى سنوات مقبلة أيضاً.