واشنطن وورقة الاتفاق النووي: لأن الخيارات الأميركية محدودة!
محمد علي جعفر
منذ أن تولى دونالد ترامب رئاسة الجمهورية الأميركية، وهو يخرج بتصريحاتٍ تتحدث عن ضرورة الحد من النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط. لكن يبدو أن الرئيس الأميركي بات مظهراً يُعبِّر عن حالة العجر الذي وصلت إليه الإدارة الأميركية في توجهاتها الإستراتيجية، لا سيما في التعاطي مع العديد من الملفات الخارجية، والتي منها ما يتعلق بإدارة العلاقة مع إيران. خصوصاً أن توجهات واشنطن، لم تعد تتناغم مع واقع المنطقة والعالم لجهة حسابات النفوذ والقوة. في حين تجد أميركا أنها أمام عدوٍ إيرانيٍ يمتلك الكثير من أوراق المواجهة، في وقت تنعدم فيه أوراق واشنطن وتقتصر على الاتفاق النووي. فهل باتت خيارات أميركا محدودة أمام إيران؟ ولماذا تمتلك طهران القدرة على المواجهة؟ وما هو المتوقع؟
يبدو أن الرئيس الأميركي بات مظهراً يُعبِّر عن حالة العجر الذي وصلت إليه الإدارة الأميركية
أميركا ترامب والخيارات المحدودة!
إن توصيف الواقع الأميركي الحالي، وبعد أشهرٍ من وصول دونالد ترامب الى سدة الرئاسة، لا ينفصل عن التحديات التي ظهرت سريعاً مع رحيل إدارة باراك أوباما. فالحديث عن أزمة الخيارات الأميركية ليس بجديد. ومنذ أن وصل الرئيس ترامب، خرجت التحليلات الغربية لتتحدث عن صعوبة التحديات التي تنتظر إدارته، لا سيما فيما يتعلق بمواجهة إيران. فقد أشار "نكولاس هيراس" عضو برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن القومي الأميركي، في مقالٍ نشرته "واشنطن بوست" خلال شهر شباط من العام الحالي، أن مواجهة إيران بهدف تحجيم نفوذها، هو من التحديات التي تحمل الكثير من المخاطر على الإدارة الأميركية والرأي العام الأميركي بالإضافة الى حلفاء واشنطن، مُبرراً ذلك بالنتائج التي قد تنعكس على الاقتصاد العالمي، وعدم قدرة واشنطن والغرب على تحمُّل ذلك. بعد فترةٍ قصيرة، ارتفع صوت العقول السياسية والإستراتيجية في واشنطن، وباتت إدارة العلاقة مع طهران أزمة السياسة الخارجية. فخرج "مارتن أنديك" مدير السياسة الخارجية في "معهد بروكينغز"، وعضو جماعة الضغط اليهودية "إيباك"، ليكشف أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي عن ضحالة الخيارات الأميركية فيما يخص استراتيجية واشنطن تجاه إيران، معتبراً أن مواجهة طهران أمرٌ يحتاج الى الحذر والتعاطي الدقيق، من خلال التروي في رفع السقوف السياسية والتهديدات، في ظل انعدام القدرة على تحقيق ذلك، أمام احتمالات وجود مخاطر تمثلها العواقب الوخيمة لمواجهة إيران!
لم يستطع الاتفاق النووي الحد من تعاظم القوة الإيرانية
لم يختلف الخطاب الأميركي منذ ذلك الحين حتى اليوم، فيما تطفو على السطح مسألة الملف النووي من جديد، لتكون المادة الأساسية لخطاب المواجهة الأميركي. مسائل عدة يمكن الإشارة لها، تدل على أسباب المأزق الأميركي أمام قدرة إيران على مواجهة التحديات كافة.
أولاً: لم يستطع الاتفاق النووي الحد من تعاظم القوة الإيرانية. وهو الأمر الذي تعاطت معه طهران بشكلٍ منفصل، يدخل ضمن حقها الطبيعي بتطوير قدراتها الدفاعية، ما جعل واشنطن أمام مأزق نتائج ما بعد الاتفاق.
ثانياً: تُشير التطورات العسكرية والسياسية كافة في المنطقة، الى تحكُّم محور المقاومة بخيوط اللعبة كافة وقدرته على فرض المعادلات في ظل التبدُّل الحاصل في الميدان، لا سيما السوري والعراقي.
ثالثاً: تعيش أميركا حالة من الضياع الإستراتيجي، فيما يخص خياراتها تجاه المنطقة، وهو ما بدأ بعد الانسحاب من العراق، وترسَّخ اليوم مع الفشل في سوريا واليمن.
التوجهات الأميركية ضد إيران، والتصريحات حول الاتفاق النووي، ليست إلا دليلاً إضافياً على الإفلاس
بين خيارات أميركا وقدرة إيران: ما هو المُتوقع؟
لا يمكن الجزم بما ستؤول إليه الأمور، لكن يمكن تحديد المسارات والتي يجدها الكثير من المراقبين واضحة. وهنا نُشير للتالي:
أولاً: كعادتها، تعتمد أميركا البراغماتية في تحديد الخيارات وتنفيذها، وهو ما انعكس عليها سلباً في إدارتها للسياسة الخارجية وملفات المنطقة. وشكَّل بالنتيجة نقطة قوة لصالح إيران وحلفائها تحديداً روسيا. وبالتالي أفقد واشنطن ثقة الحلفاء وفضحها أمام شعوب المنطقة.
ثانياً: لم تنجح رهانات أميركا وحلفائها في حشد الرأي العام العربي والإسلامي ضد سياسات إيران، على الرغم من أن المساعي لذلك ما تزال قائمة، عبر مخططات التقسيم وتأجيج الصراعات المذهبية والقومية. وهو ما أفقد واشنطن إحدى أدوات القوة التي كانت تعتمد عليها.
ثالثاً: فشلت واشنطن والغرب في اعتماد مفهوم "الإرهاب" وتحويله لمحرك سياسي وعسكري لتبرير سياساتها. بل بات يُشكِّل هذا التوجه خطراً على مصالح الأمن القومي الغربي عموماً و الأميركي خصوصاً، مما أسقطه تدريجياً كسلاح يمكن التحكم به الى خطر استراتيجي على الدول كافة.
إذاً، لا شك أن العقل الأميركي يُدرك خطورة المواجهة مع إيران. بل إن غياب الإستراتيجية الأميركية الواضحة، ورهان الغرور الأميركي على القدرة على إدارة نتائج الأزمات، أدخل واشنطن في فخ الحسابات الخاطئة. وهو ما ورثته الإدارة الحالية عن الإدارات الأميركية السابقة، والتي كانت تفتقد أيضاً لإرادة المواجهة. ولا فرق سوى أن الواقع الحالي بات أصعب، والحسابات معقدة والمعادلات ليست كما يشتهي العقل الأميركي. بالنتيجة، إن التوجهات الأميركية ضد إيران، والتصريحات حول الاتفاق النووي، ليست إلا دليلاً إضافياً على الإفلاس، لا أكثر. ولن تنجح خطابات دونالد ترامب الخيالية، وأحلام بعض الديكتاتوريات العربية في تحقيق أي هدف. ولن يكون دونالد ترامب، إلا على غرار أسلافه، رئيساً في زمن الحرب، تحكمه قواعد وحسابات ومعادلات الميدان، والتي باتت معروفة!