امريكا تقبل ببقاء الأسد في الحكم مقابل مغانم كثيرة..(قراءة في مستقبل الواقع السياسي لسوريا والمنطقة )
محمد صادق الهاشمي
الخلاف الخليجي القى ظلاله على التشكيلات الارهابية السورية فجعلها ممزقة وضعيفة وجعل المحور الامريكي يسير برويته منفردا في الساحة السياسية السورية دون التنسيق او الرجوع الى الدول الحليفة العربية الخليجية ,ودون الرجوع الى تركيا الحليف الاقوى,بناء على قاعدة حال غرق الزورق كل يمضي الى سبيله ويفكر بشانه الخاص ,فقد أعلنت الإدارة الأمريكيّة رسميًا تخلّيها عن المُعارضة السوريّة بشقيها السياسي والمُسلّح، عندما قرّرت إغلاق البرنامج السرّي لوكالة المخابرات المركزية (سي أي ايه) لتسليح هذه المعارضة ودعمها,ممّا يعني
1- ان امريكا وبعد ان خبرت عميقا الساحة السياسية ونتائج متغيرات القوة العسكرية بين التشكيلات الارهابية والجيش السوري ورديفه الخط المقاوم والممانع الاقليمي والدولي انتهت- امريكا - الى ان لامناص من التسليم نهائيًا ببقاء الرئيس بشار الأسد وحُكومته، ولو إلى حين. بعد ان كانت المخابرات الامريكية لست سنوات تدرب وتمول وتسلح الفصائل السورية في قواعد في الاردن وقطر وغيرها , دون ان تتمكن من المساس او الوصول الى الهدف الجوهري لها وهو اسقاط بشار الاسد بل بفعل تدخلها فقد مكنته من القوة اكثر من اي وقت مضى بان جعلت الحلفاء الروس وايران يشاطرونه حراسة الارض السورية ونظامها السياسي لالف سبب ستراتيجي وعاد الاسد لاعبا ثانويا وان الذي يريد ان يتفاوض عن مستقبل المنطقة يذهب الى موسكو وطهران قبل دمشق
2- تعكس- هذه المواقف الامريكية الاوربية - انفضاض الدّول العربية الداعمة عنها، مثل المملكة العربية السعودية وقطر لانشغالهما بخلافاتها المُتفاقمة،والتي تنذر بانهيارفي منظومة العلاقات الخليجية مما يجعلها غير قادرة على ان تودي اي دور خارج محيطها وتمارس سياسية الانكفاء لانها تشعر انها مهددة من الداخل فان المضي بسياسية التازيم الخارجي اوصلها الى ما وصل اليه صدام حسين فاشعال الحروب لها ثمن وابرز ثمن يدفعه اللاعبون ان تاتي النار على بيوتهم
3- ويكعس الموقف الامريكي ايضا انهيار المشروع التركي في سورية , وتركيا اليوم لم تعد تركيا الامس مهما قيل في قوتها فتركيا اليوم هي الاخرى تبحث عن وجودها في الداخل التركي .
لكن الولايات المتحدة الامريكية لايعني انها غادرت المنطقة بدون منطق وتخلت عن سوريا من مكسب ولا ثمن هذا لايقول به عاقل فإدارة الرئيس ترامب تخلّت عن المُعارضة السورية وتركتها تُواجه مصيرها، مثلما فعلت مع المُجاهدين الأفغان، والفيتناميين الجنوبيين، وقوّات الصحوات في العراق بعد ان رتبت البدائل وهي :
ا- بعد ان علمت امريكا ان الفصائل المرتبطة بقطر والسعودية لايمكن ان تنجز اي مهمة بسبب الانشطارات والخلافات وتاثرهم بالخلاف الخليجي وعدم تمكنهم من انجاز اي مشروع سياسي او عسكري على الارض عادت امريكا لتنسق مع حلفاء جدد وهم (وحدات حماية الشعب) و(جيش سوريا الديمقراطية) وهولاء تنسجم معهم في الايدولوجيا
ب- اخذت امريكا مارس سياسة الاعتماد على النفس بتاسيس قواعد بالعشرات في مناطق مهمة وستراتيجية من سوريا فيها مطارات وطائرات وتحتوي على ترسانة من الاسلحة تكفي القوات الامريكية ان تنفذ وتفعل ستراتيجيتها ومخططاتها التي توسس لها فيما بعد الحرب الساخنة في سوريا وهي مرحلة تقاسم النفوذ وتقسيم المنطقة سياسيا وهذا هو نفسه المسار الذي تسير فيه اوربا والذي اعلن عنه الرئيس الفرنسي ماكرون (لابديل للاسد)
من هنا تتضح معالم الخارطة السياسية والجيوسياسية في المنطقة وبانت تداعيات النجاح الكبير لخط المقاومة الا ان الحرب لما تنتهي ,وما زال الكثير في جعبة اللاعبين الكبار, فعلى الخط المقاوم الكثير ((فان الحرب لم تنته فقط تغيرت ادواتها))
نعم قواعد الحرب والادوات والحلفاء المحليين واللاعبين الاساسيين والجغرافيا السياسية والعسكرية والاهداف تغيرت كثيرا, الا ان الحرب مازالت وربما توسعت وتحولت الى حرب علنية وقواعد ومطارات وطائرات وسلاح ثقيل والله الساتر
طبعا الحكومة العراقية وبعض الاحزاب الشيعية مدركة لهذه الحقيقة – حقيقة تغير قواعد اللعبة – فاستعدت وتكيف البعض منها وفق تلك المعطيات ,وسارت منفتحه على الواقع العالمي بايديولوجيا الحكم المدني فضلا عن الانفتاح على الخليج بهدف تخفيف حدة التوتر مهما امكن ليكون العراق على الحياد في المرحلة الثانية من الحرب القادمة في المنطقة – مرحلة حرب تقاسم النفوذ- كما في المانيا نهاية الحرب العالمية الثانية,
خلاصة القول ان المنطقة تعسكرت استعدادا الى مرحلة لاحقة ,وهذا ما اشار اليه كيسنجر من (( على الولايات المتحدة ان لاتنسحب من سوريا لانها انسحبت من العراق وتركت فراغا احتلته وعملت على املائه ايران فان تركت المنطقة بعد الان فان ايران تتحول الى امبراطورية كبرى وليس امام امريكا الا ان تستعد لفرض وجودها العسكري وتبحث عن حلفاء ,فان المنطقة تعسكرت ولاوجود لغير القوة فيها والاسد ما عاد يشكل لاعبا مهما بل وجوده اصبح امرا ثانويا ديكوريا بعد ظهور لاعبين لهم الوزن المهم في المنطقة فعلى امريكا ان لاتنشغل بالاسد كثيرا- الواشنطن بوست 23-11-2016 )), من هنا نكرر القول ان المعركة لم تنتهي بل تغيرت قواعدها وعلى اللاعبين العراقيين السياسيين التفكير بعمق و يمكنني القوى-أنه في ظل تغير قواعد اللعبة العسكرية - بان اتفاقا سريا تلوح ملامحه في الافق بين روسيا والولايات المتحدة يقوم على اساس تقاسم النفوذ في المنطقة، كما يمكن القول ان اميركا ماضية بمشروع (الشرق الاوسط الجديد) وهي تناور بالتوقيتات فحسب، انها انهت مهمة عربات الخليج الذي خلقوا لها مسوغات التواجد العسكري الميداني وانتهت مهمتهم بعد ذلك لان اميركا معنية تماما بضمان امن اسرائيل وتنفيذ مخطط تفتيت المنطقة الى كانتونات صغيرة تضمن تفوق الكيان الغاصب على كافة دول المنطقة.
وان هذا الامر ستباشر اميركا الاشراف عليه وتنفذه مع روسيا كما باشرت فرنسا وبريطانيا على تنفيذ اتفاقية سايكسبيكو.
اما لماذا انخرطت او ستنخرط روسيا بهذا المشروع فاغلب الظن ان روسيا ادركت بانها لن تتمكن من بسط نفوذها والحفاظ على حلفائها في المنطقة اكثر من ذلك على امل ان ينتهي المشروع الاميركي عند هذا الحد وقد ضمنت مصالحها في سوريا دود ان يطال اتحادها الروسي التقسيم .
تبقى ايران وهي اللاعب الذي يمتلك اوراقا فعلية اكثر من غيره في المنطقة فالانتشارالشيعي في المنطقة وتنامي الوعي الثوري لدى ابناء المنطقة وثقلها المتزايد في الساحة الفلسطينية وتواجدها الفعلي في الميدان السوري سيحرج الروس ويجبرهم على إدخال إيران والمقاومة في قلب الحدث .
لكن يبقى السؤال المهم أين العراق من الاعراب؟