أسئلة عن معارك حزب الله والجيش السوري
إيهاب زكي
هناك نوعٌ من الأسئلة لحوحة بقدر ما هي ساذجة، لا تمل ذات الإجابة ولا تخجل من طرح نفسها مجددًا، كالسؤال عن عدم رغبة إعلام النفط بتورية تبعيته وأنظمته للمصالح الأمريكية والمشروع الصهيوني، أو السؤال عن إبراز ذلك الإعلام التنافس المحموم بين أنظمته على الأكثر اندفاعًا لخدمة تلك المصالح والمشاريع...
فالجزيرة تسلط الضوء على تسريبات العتيبة، التي تؤكد تلقيه-السفير الإماراتي في واشنطن- توبيخًا شديد اللهجة من عبدالله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي، وذلك بسبب فوز قطر بتلبية الرغبة الأمريكية بفتح مكتب لطالبان في الدوحة، في حين كانت الإمارات قد تقدمت بطلب حار لتلبية هذه الرغبة، كما تغنت من قبل بما اعتبرته الفتح المبين، حين نقلت للعالم أخبار استضافة الدوحة لحماس بطلبٍ أمريكيٍ أيضًا، ورغم أنّ رأس السياسة القطرية حمد بن جاسم تفاخر بذلك، ثم أكده الكثير من المسؤولين الأمريكيين، إلّا أنّ أمير قطر لا زال تميم المقاومة في نظر حماس، والسؤال عن مواقف حماس هو جزء من تلك الأسئلة اللحوحة الساذجة.
كما هي الأسئلة عن محاولة أفرقاء لبنانيين، تقزيم انتصارات حزب الله في تحرير جرود عرسال، أو السؤال فيما لو كانت النصرة هي من أفشلت معركة الحزب لتحرير الجرود، كيف سيتم تعظيم انتصارها وتقزيم الحزب ككيان، لا كمهزوم في معركة جزئية في حربٍ شاملة، وسيصبح فشل الحزب في تحرير الجرود رافعةً لتحريض "إسرائيل" على حرب استئصاليةٍ للحزب، فالنفط وأتباعه لا ينفكّون عن ممارسة ذلك التحريض، ورغم أنهم يرفضون منطق التخوين ويعتبرونه دليلًا على سياسة الحزب الإلغائية الإقصائية، ولكن مع الابتعاد عن منطق التخوين وافتراض أنّ الالتقاء مع العدو في نقطةٍ معينة هو نتيجة لموقف وليس تعمدًا للالتقاء، فلو اعتبرنا أنّ "إسرائيل" تريد نزع السلاح لأنه يشكل خطرًا وجوديًا عليها، فيما يصوّب الأفرقاء على السلاح لأنه يشكل خطرًا على الدولة أو على السلطة، فأين منع السلاح الدولة من ممارسة سيادتها، وأين منع السياسيين من ممارسة السلطة، وأين كان هذا السلاح خطرًا على الدستور أو الميثاق، فكلنا يذكر في ذروة العدوان "الإسرائيلي" في حرب تموز، لم يمنع الحزب الذي كان يجابه حربًا استئصالية أحمد فتفت من ممارسة سلطاته على ثكنة مرجعيون، وحقيقة الأمر أنّ الهدف هو لبنان القوي على حدود فلسطين المحتلة، بغض النظر إن كان قويًا بجيشه أو بمقاومته.
وبالمقابل فإنّ هناك نوعًا من الأسئلة المتعففة بقدر ما هي معقدة، وكأنّها تمل من قصور الإجابات لا تكرارها، فهي إجاباتٌ متجددة لا تمتلك عناصر الملل، ولكنها قاصرة عن سبر أغوار الحقيقة المطلقة، فالجيش السوري بكل ما تعرض له من ضغوطٍ هائلة على المستوى العسكري والنفسي، ظل متراصًا متماسكًا كبنيانٍ من فولاذ، فكيف استطاع صناعة الصمود واجتراح المستحيل، والسؤال الأكثر تعقيدًا عن تعاظم قوته وقدراته، في حين كان الهدف تفكيكه وتشريده، وتحويله إلى قواتٍ شرطية، تحرص على تقديم الخدمات الأفضل والحماية الأمثل لزبائن مكدسين بالنفط والشهوات، فعلى المستوى الفردي حين كنت أرى مسرحيات الانشقاق تحت عنوان "وهذه بطاقتي" كنت أضحك حتى تبدو النواجذ، وكنت أتساءل عن مستوى الامبراطوريات التي تقف خلف هذه المسرحيات، إن كانت إمبراطوريات كدول أو إمبراطوريات كوسائل إعلام، كيف سولت لها عقولها هذه الوساوس الصبيانية، ولا أزعم بل لا يستطيع أحدٌ أن يزعم أنه يمتلك إجابة وافية شافية عن اسطورية الصمود، حتى القائد الأعلى لهذا الجيش الرئيس الأسد قال أحيانًا لا أملك إجابة سوى المعجزة، وكثيرٌ من الأحيان لا أجد تفسيرًا إلّا أنّ ما يحدث هو تصديقٌ لمأثورة "الشام الله حاميها"، لكن ما أستطيع عنه الإجابة بثقةٍ ويقين، أنّ الجيش العربي السوري هو الحصن الأخير، وأنه المضحي الأول والمنتصر الأخير، ولن يكون سواه صاحب الطلقة الأخيرة.
وهناك أسئلة كأنها تسير في فضاءٍ بلا نهاية، وتبدو متكاسلة لشدة البحث عن إجاباتٍ بلا طائل، وهي أسئلة من نوع متى تنتهي الحرب، ومتى يستقر الإقليم، وهل نذهب لتسويةٍ شاملة أم حربٍ شاملة، وهذا النوع من الأسئلة في رحى العدوان على سوريا، جعل الكثير من المحللين والمراقبين المخضرمين يبدون كمراهقي سياسة، فالحرب على سوريا لا تشبه أيٍ من الحروب، وبدت القواعد الراسخة للعلوم السياسية والعسكرية كالهشيم، وبدا أنّ السياسة السورية خارج كل التوقعات، والعسكرية السورية تفوق كل التوقعات، فكل ثغرةٍ توقعوها تحولت إلى مركز قوة، وكل فخٍ نصبوه تحول إلى طوق نجاة، وكل تهديدٍ تحول إلى فرصة، فكما كانت الدبلوماسية السورية تقتل بجليدها فيما كانت العسكرية تحرق بنارها، فلم تتخبط ولم ترتبك إلّا في حدودٍ دنيا، وهو ارتباكٌ واردٌ في دولٍ تعيش أكثر لحظاتها سلمًا، لا في دولةٍ تخضع لأعتى حروب القرن، لذلك ففي عصر النضج الناتج عن أعتى حرب، لا شيء قابل للجزم سوى النصر أكان سلمًا شاملًا أو حربًا شاملة.