السعودية اعتبرت طلب قطر تدويل الحرمين الشريفين عدواناً و"إعلان حرب".. هل هذا تهديد بعمل عسكري.. ومتى؟
عبد الباري عطوان
لم يعلن وزراء خارجية الدول الأربع التي تفرض حصار برياً وبحرياً وجوياً على دولة قطر عن اتخاذهم أي إجراءات، أو خطط "عقابية" جديدة، في المؤتمر الصحافي الذي عقدوه في ختام اجتماعهم الثاني في المنامة أمس (الأحد)، ولكن أجواء هذا المؤتمر كانت ذات طابع تصعيدي، ولا نستبعد أن تكون هناك "تفاهمات" جرى التوصل إليها، وبقيت سرية، ربما نرى تطبيقاً عملياً لها في الأيام، أو الأسابيع المقبلة.
كثيرون توقفوا عند ورود كلمة "الحوار" في البيان الختامي الرسمي، وتوقعوا أن يشكل ورود هذا التعبير، وللمرة الأولى، منذ بداية الأزمة قبل شهرين تقريباً، يعكس تراجعاً في مواقف هذه الدول، ولكن تسابق الوزراء الأربعة على التأكيد بأن الحوار سيأتي بعد قبول دولة قطر بالمطالب الـ13، والمبادئ الستة التي جرى تحديدها في اجتماع القاهرة (5 تموز)، ومن أجل الاتفاق على آليات التنفيذ، ولن تكون هناك أي مفاوضات حول هذه المطالب، وحرص السيد سامح شكري، وزير الخارجية المصري، على التأكيد على هذه النقطة، والقول على "أن التفاوض حول آليات التنفيذ الكامل والشفاف بما يخدم دول المنطقة والعالم أجمع″، والسؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كان المطلوب من القطريين تنفيذ جميع الشروط دون نقاش، فما معنى الحوار في هذه الحالة؟
النقطة الأهم والأخطر التي تعكس التوجه نحو التصعيد من قبل الدول الأربع، هي تلك التي تحدث عنها السيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، في المؤتمر الصحافي، وعاد وأكدها في مقابلة مع قناة "العربية" السعودية، وربما بتوجيهات من حكومته، وأشار فيها "أن طلب دولة قطر "تدويل" الحرمين الشريفين والتدخل في سيادة المملكة عليهما هو إعلان حرب ونحتفظ بحق الرد على أي طرف يطالب بهذا التدويل"، في إشارة واضحة إلى لجنة قطر الوطنية لحقوق الإنسان بخطاب شكوى إلى المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعنى بحرية الدين والعقيدة، "مبديةً قلقها الشديد إزاء تسييس الشعائر الدينية في السعودية، واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية مما يشكل انتهاكاً صارخاً لجميع المواثيق والأعراف الدولية"، ومطالبتها "بفصل المشاعر المقدسة عن السياسة".
متحدثون باسم الدولة القطرية، قالوا أن بلادهم لجأت إلى هذه الخطوة، أي الذهاب إلى الأمم المتحدة واليونسكو للشكوى، لأن الوساطات فشلت، والجامعة العربية مغيبة، ومجلس التعاون الخليجي في حال شلل، وبسبب تعاظم المضايقات للحجاج القطريين من قبل السلطات السعودية، ورفض الجهات المسؤولة عن الحج في السعودية تسجيل الحجاج القطريين إلكترونيا، وتأمين سلامتهم، وحصر ذهابهم وعودتهم لأداء مناسك الحج عبر طريقين محدودين وغير مباشرين، واستخدام شركات طيران أخرى غير الخطوط الجوية القطرية، وهذا يعني "تصعيب" سفر الحجاج القطريين والمقيمين.
السعودية تعتبر أي حديث، مجرد الحديث، عن تدويل الأماكن المقدسة مسألةً حساسة جدا، تشكل انتهاكاً صارخاً لسيادتها، وتشكيك في إدارتها لها، ولا نعتقد أن هذه المسألة تغيب عن المسؤولين القطريين.
ويجادل بعض المراقبين بأنه كان من الممكن أن تتجنب السلطات السعودية أي مآخذ قد تؤخذ عليها، أو اتهامات توجه إليها بمضايقة الحجاج القطريين، من خلال السماح لهؤلاء بالسفر بالطريق المعتادة كل عام، بقرار استثنائي، ولفترة الحج فقط، خاصة انها تتحدث أن الهدف من المقاطعة ليس إلحاق الضرر بـ"الأشقاء" القطريين، وإنما بحكومتهم، ويعتقد هؤلاء أن الوقت لم يفت بعد لاتخاذ هذه الخطوة الاستثنائية، ورفع كل القيود على سفر الحجاج القطريين، أو المقيمين في قطر، لأداء فريضتهم.
نعود إلى النقطة المتعلقة بـ"تدويل" الحج، واعتبار السيد الجبير أي خطوة في هذا الصدد تعتبر "عملاً عدوانيا"، و"إعلان حرب"، وتأكيده أن بلاده تحتفظ بحق الرد على أي طرف يعمل في هذا المجال، في إشارة مباشرة إلى دولة قطر، فهل هذا يؤشر إلى أن المملكة العربية السعودية تعتبر شكوى دولة قطر للأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو، عملاً عدوانيا، وإعلان حرب، وكيف سيتم الرد عليه ومتى؟
هذا تلويح بالعمل العسكري، أو هكذا يمكن فهمه، وربما هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول سعودي بهذه اللهجة التهديدية منذ بداية الأزمة، وبكل هذا الوضوح، ومما يبعث على "القلق" في هذا الإطار أن الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وزير خارجية مملكة البحرين لم ينف مطلقاً، وبشكل صريح وحاسم ما تردد من تقارير في صحف مصرية وخليجية عن خطط لإقامة قاعدة عسكرية تضم قواتا مصرية في جزر حوار المواجهة لليابسة القطرية، واكتفى بالقول بأنها مجرد "تقارير إعلامية"، في إجابة على سؤال في هذا الصدد، وأعطى نظيره المصري، السيد سامح شكري إجابة "مغمغمة" في هذا الخصوص، بحديثه عن تعاون عسكري مصري بحريني مستمر منذ عقود.
في ظل فشل الوساطات جميعاً لإيجاد حل لهذه الأزمة الخليجية، وتمسك طرفيها بمواقفهما المتشددة، ورفض تقديم أي تنازلات أو تراجعات، نعتقد أنها، أي الأزمة، عادت إلى "المربع الأول"، أو "نقطة الصفر"، والمزيد من التصعيد بالتالي، والأيام أو الأسابيع المقبلة قد تشهد إجراءات "صادمة" خاصةً من الدول الأربع المحاصرة لدولة قطر.. والأيام بيننا.