النازحون السوريون.. بين استثمار الفشل وحماية الارهاب
رفعت البدوي*
شهد لبنان حالة من الانقسام المتجدد بين التيارات السياسية والاجتماعية حول معالجة ملف النازحين السوريين ومكافحة بؤر الارهاب الذي وجد ملاذاً امناً داخل مخيمات اللاجئين في لبنان .
مفاعيل هذا الخلاف انسحبت الى داخل اجتماعات الحكومة اللبنانية خصوصاً بعد قيام الجيش اللبناني بالعملية الاستباقية بهدف استئصال البؤر الارهابية التي شكلت ولم تزل تشكل تهديداً فعلياً على الامن الوطني والقومي اللبناني ليتبين لنا مدى الهوة التي تحكم العلاقة بين الاطراف اللبنانيين حول الملفات الداخلية والاقليمية المعقدة.
لم يعد خافياً على احد ان البعض في لبنان تخلى عن الانتماء الوطني كما تخلى عن القضايا الوطنية فقط لخدمة اجندة مسؤول محلي او مسؤول خارجي ملتزم بتنفيذ مشاريع لا تخدم الا اعداء الوطن اللبناني والامة جمعاء.
لقد اوغل بعض المسؤولين من التيارات السياسية في اقحام لبنان بالمشروع التفتيتي الذي رسم للمنطقة وجعله في خدمة المشروع الهدام المعادي للبنان والمنطقة بشكل يسيء للامن القومي اللبناني كما يسيء الى صيغة التعايش اللبناني اضافة الى العلاقة بين لبنان وسوريا.
شعار النأي بالنفس الذي تبنته الحكومة اللبنانية وقتئذٍ لم يكن شعاراً هدفه النأي بلبنان عما يدور في سوريا بل على العكس فان شعار النأي بالنفس كان المقصود منه السماح للدول المشاركة بالمؤامرة على سوريا ان تستعمل لبنان كساحة متقدمة وبحرية تامة للضغط على سوريا وعلى النظام فيها اسوة بما حصل في الدول المجاورة لسوريا مثل تركيا والاردن. وبناء عليه قدمت الحكومة اللبنانية انذاك التسهيلات المطلوبة منها بفتح الحدود اللبنانية امام مئات الالاف من النازحين السوريين من دون وجود اية ضوابط لحركة النازحين وكل ذلك تم بموافقة الحكومة اللبنانية مع بعض التيارات السياسية في لبنان بهدف اكتمال احد اهم عناصر المؤامرة المدبرة ضد سوريا ونظامها من خلال استقبال الاعداد الهائلة من النازحين السوريين ليس لان البعض في لبنان اصبح ضنيناً على الشعب السوري وأمنه من خلال تأمين احتياجاته من حليب وبطانيات الخ.. بل لتكوين صورة مزيفة امام الرأي العام العالمي واظهار النظام في سوريا نظاماً عدائياً يمارس قتل شعبه ويجب التخلص منه تنفيذا لاكبر مؤامرة يشهدها بلد عربي.
فالكل يذكر الشعار الذي اطلقه رئيس تيار سياسي لبناني بارز بقي خارج لبنان لأكثر من ثلاثة اعوام حين قال لن اعود الى لبنان الا عبر مطار دمشق الدولي في اشارة واضحة لاشتراكه في تنفيذ مؤامرة اميركية اسرائيلية غربية مدعومة من دول خليجية في محاولة لاسقاط النظام في سوريا.
لقد ثبت للجميع في الداخل اللبناني كما ثبت للعالم فشل كل الرهانات على اسقاط النظام السوري كما ثبت ايضاً فشل الشعارات الطنانة الرنانة التي استندت الى وعود زائفة من قبل الدول المشاركة في المؤامرة التي حيكت بهدف اسقاط النظام السوري فها هي الدول التي تكالبت على سوريا دفعت ولم تزل تدفع ثمن مؤامرتها الدنيئة، وأطيح بالعديد من الرؤساء والحكومات التي راهنت على اسقاط النظام السوري جراء الادلاء باعترافات واضحة من قبل اهم الرموز الاميركية والعربية والغربية بفشل المهمة التي وضعت ضد سوريا من خلال استعمال كل الوسائل الدنيئة والخسيسة وانتهاك الحقوق الانسانية واستعمال النازحين السوريين كورقة ضغط وعرضة للاستثمار بعد الفشل الذريع الذي اصاب مشروع اسقاط النظام في سوريا.
في لبنان يصر البعض من قادة التيارات السياسية خصوصاً تلك التي عادت الى لبنان عن طريق مطار بيروت الدولي وليس عن طريق مطار دمشق الدولي بعد صفقة سياسية داخلية افضت الى عودتهم للساحة السياسية وهم يجرجرون اذيال الخيبة جراء فشل مشروعهم في سوريا ونظراً لفشل رهاناتهم وخياراتهم انتهجوا سياسة دفن الرؤوس في الرمال.
الانقسام الحاصل في لبنان بين مؤيد وممانع للتنسيق والاتصال مع الحكومة السورية بشأن تأمين عودة النازحين السورين الى وطنهم مردّه الى فشل كل الخيارات وخسارة كل الاوراق الضاغطة التي كانت بحوزة الجهة الممانعة لاجراء اي تنسيق او اتصال رسمي مع الحكومة السورية ولم يبق بحوزة الجهة الممانعة الا ورقة النازحين ومحاولة استثمار الفشل على حساب الاستثمار في الامن القومي والوطني في لبنان.
الهجوم الذي قاده بعض الموتورين من التيارات السياسية ضد مهمة الجيش الوطني اللبناني لاستئصال بؤر الارهاب الموجودة داخل مخيمات النازحين السوريين هو هجوم مرفوض وغير مبرر وهو تعبير واضح عن افلاس في الانتماء الوطني يسهم في تعريض الامن اللبناني الى شتى انواع التخريب واستمراراً في المراهنة على سياسات دول اقليمية ودولية لم تزل تراهن على قلب الطاولة في المنطقة وفي لبنان.
ان الامم المتحدة ورغم ملاحظاتنا على ادائها لم تنفك يوماً عن التنسيق مع الدولة السورية ممثلة بالمندوب السوري فيها وبين لبنان وسورية سفارتان رسميتان يشغلهما سفيران معتمدان من قبل الدولتين سورية ولبنان.
نحن في لبنان امام خيارين لا ثالث لهما فإما الاستثمار بالامن الوطني اللبناني وضرورة تدعيمه بكل السبل المتاحة التي تخدم الوطن وتعزيز الامن والاستقرار فيه وإما الاستثمار بالارهاب الذي يهدد امن واستقرار لبنان والمنطقة.
ان رفض بعض التيارات السياسية في لبنان اعتماد التنسيق مع الدولة السورية لتأمين عودة النازحين السوريين بات واضح الهدف وهو استثمار ورقة مخيمات اللاجئين لحماية بؤر الارهاب الموجودة داخلها وجعلها منصة انطلاق تهدد الامن اللبناني والسوري لصالح الاجندات الخارجية.