kayhan.ir

رمز الخبر: 59483
تأريخ النشر : 2017July05 - 21:35

ترامب في الإعلامين العربي والأمريكي


نبيل لطيف

عندما نطلق هذه الايام عبارة "الاعلام العربي” فنحن نقصد بها بشكل عام الاعلام الخليجي، الذي تمكن ومنذ عقود من فرض هيمنته على الفضاء الاعلامي العربي بسبب الموارد المالية الضخمة التي تموله، في مقابل تراجع التمويل للاعلام العربي غير الخليجي بسبب ضعف الموارد المالية والحروب والفتن والصراعات التي ضربت الدول العربية واثرت سلبا على جميع مناحي الحياة فيها ومنها الاعلام.

الاعلام العربي بالمفهوم الذي ذكرناه لا يرقى الى طموح المواطن العربي في الحرية والعدالة واحترام حرية التعبير وحقوق الانسان، ولا الى الاهداف التي يعتبرها مقدسة مثل تحرير فلسطين والتحرر من الهيمنة الاستكبارية واقامة انظمة سياسية قائمة على ارادة الشعوب، فهذا الاعلام ابتعد كثيرا عن ذلك الطموح وتلك الاهداف، واصبح يروج لمقولات بعيدة كل البعد عن اهتمام المواطن العربي بل غريبة عليه مثل تقبيح مقاومة الاحتلال الصهيوني او التصدي للاطماع الامريكية في ثروات الشعوب العربية، والترويج للانبطاح على انه حكمة وعقلانية، والمقاومة على انها مغامرة ومراهقة، بينما لا مكان لرموز الامة التي قاومت الاطماع الامريكية والاحتلال الصهيوني في هذا الاعلام، في مقابل الترويج لشخصيات باعت نفسها واوطانها للامريكان وانبطحت امام الصهيونية العالمية.

ومن اجل الا نسبح في فضاء التجريد سنحاول الاستشهاد بمثال يبين كيفية اداء الاعلام العربي، لاظهار حقيقة هذا الاعلام دون رتوش، وهذا المثال يدور حول شخصية الرئيس الامريكي دونالد ترامب، الذي اخذ الاعلام العربي يضفي عليه هالة من القدسية لاسيما بعد زيارته الى السعودية وعقد ثلاث قمم فيها وعقد صفقات بيع سلاح واستثمارات مع السعودية قاربت نصف الترليون دولار، حيث اصبحت كل تغريدة او كلام يقوله ترامب كأنه كلام لا يقبل النقاش او الجدل، وينقل الاعلام العربي وكأنه الفيصل بين الحق والباطل، وتقوم فضائيات عربية معروفة بنقل تغريداته وكلامه حول اهم القضايا العربية والاقليمية، كفصل الخطاب، ناسية ان القائل هو رجل عنصري باعترافه هو، ومتهور ونزق ومتعجرف وغير متزن ومجنون باعتراف الاعلام الامريكي.

ترامب الذي تحول في الاعلام العربي الى ما يشبه القديس، ليس له ادنى احترام في بلاده امريكا، فهو مكروه من اغلب هذا الاعلام، الذي يشن ترامب منذ دخوله البيت الابيض حملة شعواء ضده، لانه ببساطة يكشف نقاط ضعفه وتهوره وجنونه، وآخر معارك ترامب مع الاعلام الامريكي، والتي تجاوزت الاعلام الى الاعلاميين انفسهم، ومن بين هؤلاء الاعلاميين وما اكثرهم، الاعلامية ميكا بريجينسكي وخطيبها الاعلامي جو سكرابورو.

ترامب هاجم بريجينسكي و سكرابورو، في تغريدة على تويتر، بسبب تشكيكهما في سلامته العقلية وما إن كان قادرا على إدارة البلاد، فقد وصف ترامب بريجينسكي بانها مجنونة وغبية، وأنها كانت تدمي بشدة أثناء عملية تجميل وشد لعضلات وجهها، بينما وصف سكاربورو بانه "معتوه”.

في المقابل شن بريجينسكي وسكرابورو هجوما لاذعا ضد ترامب، حيث قالت بريجينسكي، التي تقدم برنامجا صباحيا في شبكة (أم. أس. أن. بي. سي) مع خطيبها جو سكرابورو: "يبدو أن لديه ‘أنا’ تتسم بالهشاشة والرعونة والطفولية نراها مرارا خاصة مع النساء” بينما اضاف سكاربورو (في رد على زميلته في تقديم البرنامج) قوله لها: "إنه يهاجم النساء لأنه يخشاهن”.

الصفات التي وصف بها بريجينسكي و سكرابورو، ترامب يبدو انها تنطبق عليه بالتمام، وهو ما اثبته ترامب نفسه بعد أسبوع واحد فقط من تهجمه على بريجينسكي وسكرابورو، عندما شن هجوما جديدا ضد وسائل الإعلام عبر نشره على تويتر شريط فيديو شديد الغرابة، يظهر فيه وهو يطرح أرضاً مصارعاً محترفاً، تم استبدال وجهه بشعار شبكة "سي إن إن” .

ويعود تاريخ الفيديو الى عشر سنوات مضت، وتم إعداده خصيصاً للترحيب بترامب في مناسبة خاصة بهواة المصارعة الحرة، وهو ما استدعى ردوداً لأعضاء في الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

غرابة الفيديو دفعت ايضا شبكة "سي إن إن” الى توجيه رسالة إلى ترامب، رداً على الفيديو قالت فيه:”إنه يوم حزين أن يكون رئيس الولايات المتحدة يشجع على العنف ضد الصحافيين”، وانه "بدلاً من أن يتحضر الرئيس لأول لقاء له مع (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين، ومواجه كوريا الشمالية.. يقوم بتصرفات صبيانية”.

هذه الهجمات المباشرة والقوية ضد ترامب من اعلام بلاده ووصفه باكثر الصفات سلبية كالجنون والعته والصبيانية والتهور، لأنه تعرض فقط للاعلام محاولا الضغط عليه لمنعه من توجيه انتقادات له، في المقابل كثيرا ما ينقل الاعلام العربي كلام هذا العنصري المجنون والمعادي للاسلام والعرب، بكل احترام وتبجيل، دون ان يكلف هذا الاعلام نفسه عناء الوقوف امام كل هذا الكم الهائل من الاهانات التي وجهها ترامب للعرب واصافا اياهم بانهم "لايملكون الا المال”، وان على العرب ان "يقدموا المال لامريكا للحفاظ على وجودهم”، فالعرب "لا وجود لهم بدون امريكا”.

بعد هذا المثال الذي اشرنا اليه بشيء من التبيسط، ترى هل يمكن اعتبار الاعلام العربي الحالي يمثل الشارع العربي او يمثل الانسان العربي وطموحاته واهدافه؟، هل يمكن لهذا الشارع او هذا الانسان ان ينظر نظرة احترام الى ترامب، الذي ينظر بهذه النظرة الدونية الى العرب؟، الا يمثل هذا الاعلام الا نفسه والجهات التي تموله، وان العرب منه براء؟، فاذا كان الاعلام الامريكي يصف ترامب بانه مجنون وانه لا يملك القدرة العقلية الكافية لادارة بلد كبير مثل امريكا، لمجرد انه يحاول فرض قيود على هذا الاعلام، لماذا اذا يسبح الاعلام العربي بحمد ترامب، الذي وصف العرب باقذع الصفات؟.

شفقنا