سوريا من الخطوط الحمر إلى الصدام المباشر
سميح صعب
بعد التحذيرات المتبادلة ورسم خطوط حمر متبادلة بين القوى الأساسية فوق الساحة السورية ولا سيما الولايات المتحدة وروسيا وإيران، بات مشروعاً التساؤل عن إمكان الذهاب إلى حدود الصدام المباشر الذي كانت هذه القوى تعمل على تجنبه في الأعوام الأخيرة من الصراع.
ويجاهر الكرملين هذه الأيام بقلقه من السلوك الأميركي في سوريا بعد إسقاط مقاتلة أميركية قاذفة سورية من طراز "سوخوي-22" فوق محافظة الرقة الأحد الماضي، لأنها بحسب مزاعم وزارة الدفاع الأميركية كانت تستهدف مواقع قريبة من منطقة عمليات ما يسمى"قوات سوريا الديموقرطية" المدعومة من الولايات في قتالها ضد جماعة "داعش" في مدينة الرقة السورية.
لكن الغضب الروسي لا يقوم فقط على قاعدة أن إسقاط الطائرة إنتهاك للسيادة السورية، بل يكمن في أن موسكو فهمت الرسالة على النحو الآتي: إن واشنطن مستاءة من إقتحام الجيش السوري مدعوماً بغطاء جوي روسي الحدود الإدارية لمحافظة الرقة قبل أيام واقتطاعه مساحات تصل إلى أكثر من ألفي كيلومتر مربع من هذه المحافظة والوصول إلى مدينة الرصافة جنوب الرقة بما يقطع طريق الفرار على إرهابيي"داعش" من مدينة الرقة. هذه المدينة التي تحاصرها "قوات سوريا الديمقراطية" بدعم جوي وبري من قوات التحالف الأميركي من الجهات الشرقية والشمالية والغربية وتترك لها منفذاً من الجهة الجنوبية للفرار جنوباً نحو محافظة دير الزور التي يسيطر الإرهابيون على معظمها.
وفرار مسلحي "داعش" إلى دير الزور يقدم خدمة مريحة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" ومن خلفها الولايات المتحدة إذ من شأنه تسريع الإستيلاء على مدينة الرقة نفسها بما
يشكل ذلك من انتصار عسكري للقوات المدعومة اميركياً. ولن يكون إنتصاراً بالمعنى العسكري فقط، بل إنه غني بدلالاته الرمزية كون "داعش" أعلن الرقة "عاصمة الخلافة" التي أعلنها من الموصل العراقية قبل ثلاثة أعوام.
وترمي واشنطن من وراء دفع مسلحي"داعش" إلى الفرار نحو ديرالزور، إلى تمكينهم من السيطرة الكاملة على المحافظة وتوجيه ضربة عسكرية للجيش السوري ومن خلفه روسيا، بما يشكل إنتكاسة لكل الإنجازات التي حققتها الحكومة السورية في الأشهر الستة الأخيرة، من إستعادة مدينتي حلب وتدمرة بالكامل وتوسيع طوق الآمان حول دمشق العاصمة والإندفاع نحو الحدود مع العراق والتمكن من الوصل البري الإستراتيجي بين دمشق وبغداد.
وفي نظر الولايات المتحدة، تعني سيطرة "داعش" على ديرالزور نصراً تكتيكياً للجماعة التكفيرية سيكون بمقدورها تبديده في ما بعد، عن طريق بناء قوة عشائرية موالية لها على غرار الما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية"، وتأمل واشنطن عن طريق مثل هذه القوة العشائرية أن تستعيد ديرالزور بمقاتلين سوريين موالين لها، وتكون بذلك قد قطعت الطريق أمام محاولات الحكومة السورية بدعم واضح من روسيا وإيران، إستعادة السيطرة على المحافظة الغنية بالموارد الطبيعية.
لهذه الأسباب إنزعجت واشنطن جداً من تقدم الجيش السوري وحلفاؤه في جنوب الرقة وصولاً إلى الرصافة ليس لقطع الطريق أمام فلول "داعش" الفارين من مدينة الرقة أمام "قوات سوريا الديمقراطية"، وإنما أيضاً لإستخدام جنوب محافظة الرقة منصة للهجوم على دير الزور من شمالها في حين يستعد الجيش السوري في ريف حمص الشرقي للدخول إلى الحدود الإدارية للمحافظة بعد أن يسيطرعلى مدينة السخنة آخر معقل لـ"داعش" في الريف المذكور.
إذن جزء كبير مما يجري في الرقة يتعلق بمحافظة ديرالزور، وهكذا يمكن فهم الغضب الروسي من إقدام أميركا على إسقاط القاذفة السورية والرد بإلإعلان عن أن كل الطائرات التي تحلق غرب الفرات قد تكون أهدافاً محتملة لوسائل الدفاع الجوي الروسي في سوريا.
وإنطلاقاً من الأهمية الإستراتيجية التي تحظى بها ديرالزور إختارتها إيران هدفاً لستة صواريخ أطلقتها الأحد من محافظتي همدان وكرمانشاه ضد مواقع لـ"داعش"، لتبعث
بذلك رسائل في مختلف الإتجاهات وأولاها للولايات المتحدة. وكان ذلك بمثابة خط أحمر إيراني أيضاً مفاده أن طهران لن تسمح بسقوط ديرالزور في أيدي "داعش". وقبل إيران قصفت بارجتان روسيتان من البحر المتوسط في أواخر أيار قوافل لـ"داعش" في دير الزور كانت منسحبة من الرقة، ويومذاك أعربت موسكو بوضوح للاميركيين عن إستيائها من تسهيل "قوات سوريا الديمقراطية" إنسحاب إرهابيي "داعش" من مدينة الرقة نحو محافظة ديرالزور. وكان القصف البحري الروسي بصواريخ "كاليبر" بمثابة خط أحمر روسي أمام الولايات المتحدة.
بعد هذه التطورات في الأرض والسماء السوريتين، من يضمن عدم حصول تصادم مباشر في سوريا بين روسيا وإيران من جهة والولايات المتحدة من جهة ثانية.
وها هي أستراليا أولى المنسحبين من السماء السورية خوفاً من الصواريخ الروسية!