عن الصراع الاستراتيجي على الحدود السورية – العراقية
شارل أبي نادر
ليس صدفة ان يستشرس الاميركيون ويكشرون عن أنيابهم لدرجة الانغماس بشكل مكشوف في المواجهة العسكرية في سوريا مباشرة، بعد ان كانوا، وخلال كامل فترة الحرب على تلك الدولة، يقاتلون لرسم معادلاتهم ولفرض اجنداتهم بالواسطة، من خلال العديد من الدول الاقليمية والمجموعات المسلحة الارهابية او غير الارهابية، التابعة والمرتهنة لهذه الدول، هذه المجموعات التي سلحوها هم طبعا او التي سُلَّحت برعايتهم وبموافقتهم، وليس صدفة ايضا ان يقدم الجيش العربي السوري، مدعوما من محور المقاومة، جهودا و قدرات و تضحيات ضخمة للوقوف بوجه تلك الاجندات الاميركية والغربية والاقليمية ... فاين تكمن اهمية ما يجري في سوريا اليوم وخاصة لناحية السيطرة على الحدود العراقية – السورية، ولماذا يأخذ هذا الحراك العسكري والميداني والاستراتيجي هذه الابعاد الحساسة والدقيقة والمصيرية
عسكريا
يخوض الجيش العربي السوري حالياً معركة واسعة في اغلب محاور الشرق، هدفه طبعا محاربة داعش وطرده من الاراضي السورية ونشر وحداته وقواه في كافة المواقع والثكنات والقواعد العسكرية، وبسط سيادة الدولة وتحرير المدن والبلدات السورية حيث يسيطر التنظيم الارهابي ويقوض اسس السلطة الرسمية ومؤسساتها، ويفرض على الشعب السوري المظلوم نظاما ارهابيا متسلطا، والهدف ايضا فك الحصار عن مدينة ومطار دير الزور وتخليص وحدات الجيش والدفاع الوطني هناك والمواطنين من الحصار والضغط العسكري العنيف، وغيرها من الاهداف العسكرية التي تثبّت وتُدَعّم معركة الدولة والجيش بوجه الارهاب وبوجه من يرعاه.
ميدانيا
بمجرد النظر الى خارطة الشرق السوري، ما بين العاصمة دمشق وامتدادا الى البادية شرقا، ومن الاخيرة جنوبا او شمالا، نستطيع ان نفهم ما هي القيمة الجغرافية والميدانية للوصول الى الحدود السورية - العراقية، وحيث يكتمل التواصل مع العراق جغرافيا، يمكن حينها القول ان داعش قد ضُرب في وسط انتشاره الحيوي الممتد على ضفاف نهر الفرات من غرب الانبار حتى الرقة، مرورا بالقائم والبوكمال والميادين ودير الزور، وحينها يفقد التنظيم عمقه الاستراتيجي الذي شكل اساسا لدولته المزعومة، وسيخسر بالطبع مقومات صموده الجغرافية والميدانية، والتي هي حتى الان مؤمنة الى حد ما بالرغم من خسائره المتدحرجة في العراق وفي سوريا.
استراتيجيا
هنا بيت القصيد في الحرب التي شنت على سوريا بالاساس، وحيث يختلط الامر على كثيرين ممن يرون ان الولايات المتحدة تحارب الارهاب وتعمل لتدمير وهزيمة تنظيم داعش، وتقود تحالفا دوليا تحت هذا العنوان، تجمع من خلاله العديد من الدول الغربية والاقليمية، يغفل جميع هؤلاء عن مناورة خلق داعش وزرعه في تلك البقعة الاستراتيجية من الشرق ما بين سوريا والعراق، ويتعامى هؤلاء عن التواطؤ وغض النظر حين كان داعش ينمو ويتمدد ويتسلح ويتمول امام اعين اغلب دول هذا التحالف، وامام اعين اجهزته الامنية والمخابراتية "الذكية"، وتحت نظر اقماره الاصطناعية وقدراته المتطورة في الرصد والتصوير والتنصت والمراقبة الجوية.
طبعا الهدف ليس خلق داعش وزرعه حيث تمدد وانتشر، فالتنظيم كان وسيلة استثمرت واستغلت لتركيب اجندة وخلق معادلة بدأت تتوضح نقاطها كالتالي:
ميدانيا، لخلق حاجز جغرافي يفصل العراق عن سوريا، وبالتالي لقطع الترابط ولعزل كل من الدولتين عن الأخرى، وطبعا لاضعافها في مواجهة الارهابيين ومخططات التفتيت، وتلقائيا لقطع تواصل دول محور المقاومة.
اقتصاديا، اولا في سلخ مكامن الثروة الوطنية من كل دولة على حدى عبر تشتيت حقول النفط والغاز واخراجها من سلطة حكومتي الدولتين، وثانيا في افقاد كل من العراق وسوريا الميزة الاقتصادية في ربط اسواقهما المشتركة، وامتدادا الى اسواق ايران ولبنان، وثالثا في انتزاع قدرة كل من سوريا او العراق على التحكم بالمشاريع المرتقبة لخطوط الغاز والنفط الاستراتيجية في الشرق بشكل عام.
ديبلوماسيا، عند خلق حاجز جغرافي بين البلدين يضعف بطريقة تلقائية الموقف الديبلوماسي الموحد، وحيث تفقد كل من الدولتين ميزة الاستفادة من نقاط التأثير والمواجهة المشتركة، يصبح حينها، اي ضغط اقليمي او غربي دولي على العراق او على سوريا، مؤثرا وفاعلا اكثر من حالة وجود موقف ديبلوماسي مشترك وموحد بين الدولتين .
الصراع مع "اسرائيل"، ربما يكون هذا العنوان من اكثر النقاط اهمية وحساسية في اهداف خلق داعش لضرب دول محور مواجهة العدو الاسرائيلي، وحيث اثبتت الايام والتطورات ان اغلب الدول المنغمسة في تسعير حرب الارهاب على سوريا، تمويلا وتحريضا وتسليحا ومؤازرة دولية وديبلوماسية، هي من اصحاب العلاقات السرية السابقة مع العدو الاسرائيلي، وهم من مؤيدي التطبيع المهين مع العدو، وها هم اليوم يتسابقون على الفوز بنعمة السلام مع "اسرائيل"، ويشكلون رأس حربة في الهجوم على ايران والمقاومة في لبنان وسوريا، اعلاميا وديبلوماسيا، او حتى من خلال التورط المباشر في عمليات ارهابية نفذت وتنفذ في لبنان وايران والعراق .