يوم القدس العالمي.. اليمن قوميًا.. اليمن مقاومًا
طالب الحسني - اليمن
على اعتبار ان اليمن يخرج كل عام في يوم القدس العالمي على الاقل منذ السنوات العشر الماضية، فلم يكن الامر مختلفًا هذا العام بالنسبة للداخل، بيد أن المشهد كان كبيرا واستقبلت ساحة المناسبة غرب العاصمة صنعاء مئات الالاف الذين قدموا إليها للمشاركة في المسيرة والمهرجان الحاشد.
المشاركة تخطت الموقف من فلسطين والقضية الفلسطينية إلى إشعار القوى الاقليمية والدولية، حيث هناك تحولا سياسيا وثقافيا كبيرا في اليمن، وحضور رئيس المجلس السياسي الأعلى يؤكد موقف الدولة اليمنية رسميا من القضية الفلسطينية وكل القضايا المتفرعة منها.
ثمة دلائل ورسائل كثيرة من هذا الاحتشاد الكبير في بلد يتعرض لعدوان وحصار وتجويع وافقار منذ أكثر من عامين ونصف، تخطاها جميعها وأصر على الحضور والمشاركة، الحديث ايضا يتعدى الحضور الشعبي إلى الحضور السياسي، الذي تمثل بمشاركة القوى والاحزاب السياسية اليمنية.
من يعرف الخارطة السياسية ما قبل 2011 في اليمن سيعرف مدى التغير الذي طرأ في الوضع السياسي اليمني بالنسبة للموقف من السعودية ومشغلتها الولايات المتحدة الامريكية وهذا المحور، وبالتالي الانتقال إلى الضفة المقابلة تجاوبا مع البيئة والحاضنة الشعبية التي انتفضت على جهود نحو نصف قرن من مسخ الهوية الثقافية والفكرية والدينية في اليمن ولن نبالغ اذا ما قلنا القومية أيضا.
اليمن قوميا، فلسطين قضيته.. من هذه الزاوية وخروجه في كل عام في يوم القدس العالمي هو تعبير أن القضية الفلسطينية تعني له الكثير كشعب عربي مؤمن بأن احتلال فلسطين واقتطاع جزء من الخارطة العربية امتهان للكرامة العربية، هذا التوجه القومي واجهته السعودية اكثر من عشرين عاما، ابتداء من إعلان عدائها للاحزاب القومية مطلع سبعينات القرن الماضي مرورا بتورطها باغتيال الرئيس اليمني الشهيد ابراهيم الحمدي عام 1977 وصولا إلى تكفير التيارات القومية في ثمانينات القرن الماضي، ولم تتوقف الكتب والمؤلفات السعودية التي تكفر هذا التوجه حتى اطمأنت إلى تلاشي صوته وتحكمها بالمسار السياسي على مدى عشرين عاما.
ظلت فلسطين والقضية الفلسطينية في هذه المرحلة مقتصرة على جمعيات خيرية وصناديق لجمع التبرعات لفلسطين لا أقل ولا أكثر، أما كمسيرات وتظاهرات تضامنية فلم تكن سوى على هامش بسيط بسبب توجه الدولة وموقفها من القضية الفلسطينية المشابه لموقف معظم الانظمة.. الفارق اليوم كبير جدا، فحضور الاحزاب السياسية القومية والليبرالية والاسلامية ومشاركتها الفاعلة في هذا الاحتشاد سواء بكلمة تكتل احزاب اللقاء المشترك الامين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي محمد الزبيري او من خلال كلمة تكتل آخر من الاحزاب السياسية التي نشأت مؤخرا الاستاذ محمد مفتاح وايضا كلمة المرأة اليمنية، يؤكد التحول الكبير على المستوى السياسي، عدا عن خطاب وحضور رئيس المجلس السياسي الاعلى الاستاذ صالح الصماد والذي يحمل رسمية هذا الاحتشاد وتوجه الدولة وموقفها من القضية الفلسطينية، وبالتالي كل القضايا المرتبطة والمتفرعة منها.
اليمن مقاوما
من الصعب أن يجد الشعب اليمني نفسه ضمن محور يسعى للتطبيع مع كيان العدو الاسرائيلي أو حتى السكوت عن هذا المحور، فضلا عن الدفاع عنه أو التماهي والقتال تحت رايته، ما يجعل السعودية اكثر عدوانية وانتقاما من هذا الشعب.. فهي قد أنفقت مليارات الدولارات في مراكز تعليم ومساجد وتيارات دينية ومجاميع سلفية، وصولا إلى بناء مشيخات على غرار مشائخ بيت الاحمر (معقلهم السابق محافظة عمران شمال اليمن)، وساهمت في إيصالهم إلى اهم مراكز الدولة.
ليس ذلك فحسب، ايضا دعمت تيارًا عسكريًا ضمن الجيش والقوى الامنية اليمنية من بينهم الجنرال علي محسن الاحمر، الذي عينه هادي نائبا له (حاليا هو في السعودية) عدا عن التيار السياسي الاصلاح (اخوان اليمن) لمسخ الهوية اليمنية الدينية، وقمع أي تحرك ديني يخالف التوجه السعودي الوهابي.. هذا الدور الذي قامت به السعودية على مدى نصف قرن، سقط في غضون سنوات قليلة، واحياء يوم القدس العالمي بهذا الزخم والحضور الكبير رسالة ايضا أن جهود الوهبنة التي استمرت نصف قرن بنفقات مهولة سقطت، وأن اليمن لا يمكن أن يكون في محور آخر غير محور المقاومة، هذا الخيار حتى بعيدا عن كون اليمن يتعرض لعداون تقوده السعودية وترعاه الولايات المتحدة الامريكية وتشارك فيه اسرائيل بغارات جوية، وما كشفه السيد حسن نصر الله خلال خطابه الاخير بهذه المناسبة يعزز هذه القناعة التي كانت موجودة وتحدثت عنها الجهات الرسمية في اليمن أكثر من مرة.