واشنطن تريد الطبقة تنفاً جديداً
أنس وهيب الكردي
تحولت الأنظار إلى مدينة الطبقة بشكل مفاجئ ومن دون سابق إنذار مع الاعتداء من قبل "التحالف الدولي" على الطائرة السورية هناك، معيدةً النقاش ما بين الروس والأميركيين بشأن شرق الفرات وغربه.
وبينما أسفرت المفاوضات بين الروس والأميركيين عن التوصل إلى اتفاق بشأن إطلاق هدنة في درعا، تصاعدت حدة المواجهات في الطبقة بريف الطبقة الغربي على بعد أكثر من 500 كيلو متر، ما بين قوات الجيش العربي السوري وميليشيات "قوات سورية الديمقراطية – قسد" منذرةً بخسارة الأخيرة مواقعها قرب المدينة، ما دفع طائرات التحالف بقيادة واشنطن، للتدخل وإسقاط الطائرة السورية. أرسلت الولايات المتحدة عبر إسقاط الطائرة "سوخوي 22" رسالة لموسكو ودمشق عنوانها ضرورة توقف تقدم الجيش العربي السوري صوب مدينة الطبقة، لما له من تأثيرات قوية على موازين القوى في محافظة الرقة. وتحتل مدينة الطبقة موقعاً استراتيجياً بالقرب من مدينة الرقة، وهي تمثل مخفراً متقدماً على الطريق إلى دير الزور من جهة الشمال.
وتدعم روسيا مساعي حملة الجيش العربي السوري لاستعادة السيطرة على دير الزور والسدود المائية وآبار النفط والغاز وخطوط النقل الكبرى التي تخترق البادية السورية، باتجاه شمال جنوب وشرق غرب. ومدعوماً بعناصر من القوات الخاصة الروسية، وحلفائه من المجموعات العراقية وحزب الله اللبناني والمستشارين الإيرانيين، وتحت التغطية المشتركة لسلاحي الجو السوري والروسي، أطلق الجيش السوري حملة متعددة الرؤوس في شرق سورية نهايتها تتمثل في فك حصار دير الزور، انطلاقاً من محاور البادية الشامية وريف دمشق والسويداء، تدمر، شرق حماة، وشرقي حلب. وتعارض واشنطن مساعي الجيش العربي السوري، وهي تريد استبعاده عن معركة دير الزور.
وعملت القوات الأميركية على عرقلة الحملة السورية في البادية عند التنف، ما دفع الجيش العربي السوري إلى الالتفاف حول هذا الجيب الذي تحرسه قوات بريطانية وأميركية ونرويجية، للوصول إلى الحدود السورية العراقية.
وربما أرادت الولايات المتحدة من تصعيد الوضع في محيط الطبقة رسم خطوط حمراء في وسط الصحراء يمنع اقتراب الجيش العربي السوري إليها، وذلك في تقليد لما كان قد جرى سابقاً بشأن معسكر التنف في دير الزور، والفارق أن الروس التزموا موقفاً أكثر حذراً حيال التنف بخلاف موقفهم الأكثر حدة مما جرى قرب الطبقة.
تفسير ذلك أن معسكر التنف يقع شرقي نهر الفرات في حين تتموضع الطبقة بجانب الضفة الغربية للنهر. ولقد خرجت واشنطن مرتين عن اتفاق غير مكتوب يطلق يدها في شرق نهر الفرات مقابل إطلاق يد روسيا في غرب النهر. الأولى عندما دعمت هجوم "قوات سورية الديمقراطية – قسد" على منبج في عام 2016، والثانية في الطبقة. ولن تقبل روسيا على المدى المتوسط باستمرار السيطرة الأميركية على الطبقة أو قد تجد حلاً للقفز من فوقها.
والجانبان الروسي والأميركي منخرطان في مفاوضات عسكرية ودبلوماسية بالعاصمة الأردنية عمان لا بد أنها تطرقت إلى مستقبل الرقة ودير الزور. وأثمرت المفاوضات عن إعلان تهدئة في درعا. ولم تتمكن واشنطن من تحقيق رؤيتها في مفاوضات عمان، بشأن منطقة آمنة تمتد من القنيطرة إلى درعا فالسويداء إلى دير الزور عبر التنف والبادية الشامية وبذلك، تحقق وصل لمناطق تعتقد وتعيش أضغاث أحلام بأنها مناطق نفوذ لها في الجنوب والشرق والشمال لمنع ما تسميه استكمال الطريق البري ما بين سورية وإيران عبر العراق. كما أن واشنطن لم تنجح في انتزاع موافقة روسية على وقف إطلاق نار شامل في كل الأراضي السورية، يحمي حلفائها المحليين من هجمات الجيش السوري، وقد يكون ذلك هو ما دفعها إلى اللجوء للقوة لإقناع الجيش السوري بوقف النار في الرقة.
وقد يكون التصعيد الأميركي في الطبقة من أهدافه فرض مطلب وقف إطلاق نار شامل بين حلفائها والجيش العربي السوري بضمانة أميركية روسية مشتركة على مفاوضات عمان. وضمن مساعي واشنطن للتعامل مع احتمالات هدنة درعا وخصوصاً إمكان استغلال الجيش السوري للهدنة من أجل إعادة نشر قواته من درعا باتجاه الرقة ودير الزور، نشر الجيش الأميركي منظومة هيمارس داخل الأراضي السورية في محيط معسكر التنف القادرة على استهداف العاصمة دمشق، وبذلك خلق تهديد لتحركات الجيش السوري في مجمل البادية الشامية.
ومن الطبيعي أن يأتي رد الفعل الروسي غاضباً وحاداً، وخصوصاً مع عدم توقف الأميركيين عن استهداف الجيش العربي السوري منذ عملية الشعيرات. وسيكون لتعليق اتفاق عدم التصادم تداعيات واضحة على عملية الرقة. لأنه من شأنه أن يحد من تحركات سلاح الجو الأميركي فوق مدينة الرقة لأن مسرح العمليات ضيق، حيث تحتاج الطائرات التابعة للتحالف إلى المناورة والتحليق فوق مناطق غرب نهر الفرات.
ويوفر الروس حالياً دعم عسكري على الأرض للجيش السوري كي يتمكن من تحقيق أقصى تمدد ممكن، استعداداً للجلوس على طاولة المفاوضات مع الأميركيين لتسوية الأزمة السورية عشية الانتخابات الرئاسية المقبلة في أواسط لعام 2017.
مع ذلك سيضبط الروس والأميركيون أنفسهم كي لا ينجروا إلى مواجهة عسكرية فيما بينهما بشأن سورية. فالدولتان تستعدان للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الأميركي دونالد ترامب على هامش قمة مجموعة دول العشرين في ألمانيا، وسعى الروس إلى ترطيب الأجواء مع الأميركيين خصوصاً فيما يتعلق بسورية.