"اسرائيل" تخاف سوريا
جهاد حيدر
ما زالت "إسرائيل" تتبنى التقدير الذي يستبعد انتهاء الحرب في سوريا ضمن المدى المنظور. ويعود ذلك، الى استبعادها اعادة النظام السوري بسط سلطته على كافة الاراضي السورية، رغم الانتصارات المتلاحقة التي حققها مع حلفائه وصولا الى تحرير مدينة حلب.
في الوقت نفسه تستبعد "إسرائيل" من أن تتمكن الجماعات الارهابية والتكفيرية ايضاً، من إعادة قلب المعادلة الميدانية بما يؤدي الى اسقاط النظام في دمشق. وعلى خط مواز تستبعد تل ابيب امكانية التوصل الى تسوية نهائية بين القوى المتصارعة في سوريا..
في ضوء هذه الوقائع، أتى العدوان الأميركي على القاعدة الجوية السورية، الشعيرات، كمعطى جديد ينطوي على دلالات سياسية تتصل بواقع ومستقبل الصراع في الساحة السورية.
أهمية هذا المستجد أنه يلبي من حيث المبدأ طموحاً إسرائيلياً بتدخل عسكري أميركي مباشر في الساحة السورية، وتحديدا بعد فشل الرهان على الجماعات المسلحة والارهابية في توفير ما كانت تراهن عليه تل ابيب وتأمله.
وفي أعقاب التدخل الروسي الذي عزز قوة الجيش السوري وحلفائه تغيرت مجريات الميدان بشكل جذري، والأهم أنها أدت الى سلب الرهان – لدى القوى الاقليمية والدولية - على الجماعات المسلحة لإعادة تغيير مجريات الميدان كما حصل في أكثر من محطة سابقة..
مع ذلك، تبقى المصلحة الإسرائيلية إزاء ما يجري في سوريا تتراوح بين مسارين:
الأول، أن لا يكتفي الأميركي بهذا المقدار من التدخل ويذهب نحو سيناريو تعميق التدخل العسكري المباشر باتجاه تغيير جذري في موازين القوى على الساحة السورية، ويؤدي الى إعادة انتاج مشهد سياسي وميداني يصب في مصلحة "إسرائيل" على المستوى الاستراتيجي.
في المقابل، ما زالت "إسرائيل" ترى أنه من المستبعد أن يتجه التدخل العسكري الأميركي الى هذا المستوى، لأسباب متعددة. من أبرز هذه الأسباب أن هذا النهج يتعارض مع ما بدا حتى الان من السياسة الخارجية التي تتبناها ادارة ترامب.
المسار الثاني الذي تأمله تل ابيب، أن يدفع التدخل الأميركي المحدود موسكو للتراجع عن خيارها الاستراتيجي في الساحة السورية. والجلوس على طاولة التفاوض مع واشنطن على قاعدة بحث سبل التعاون المشترك حول ترتيب سياسي للساحة السورية. وتراهن تل ابيب على أن يؤدي هذا التعاون الروسي الأميركي، الى مراعاة مصالحها الاستراتيجية في الساحة السورية.
في المقابل، ما زال القلق الإسرائيلي من ارجحية هذا المسار. وهو ما برز جلياً في تحذير وزير الطاقة، والمقرب من نتنياهو، يوفال شطاينتس الذي أكد أن "ضربة واحدة لا تغير المشهد الاستراتيجي".. وتبعه موقف أحد كبار القادة العسكريين الإسرائيليين من أن "الضربة الأميركية لم تشكل تحولاً استراتيجياً، بل تطوراً آخر في الحرب".
في ضوء هذا التقدير، الذي يملك قدراً من الاعتبار والارجحية في وعي صناع القرار وأجهزة الاستخبارات في تل ابيب، يمكن استشراف مخاوف الإسرائيلي من السيناريوات البديلة.
البديل الاول، استمرار المراوحة الميدانية، بالمعنى الاستراتيجي. ولا يقدح بهذا السيناريو حصول بعض التطورات الميدانية التكتيكية بهذا الاتجاه أو ذاك. وينطوي هذا المسار على تهديد استراتيجي ينبع من تعزيز وتعاظم قدرات محور المقاومة على الامن القومي الإسرائيلي.
البديل الثاني، اشتداد التوتر بين موسكو وواشنطن. وهو ما قد يؤدي من منظور إسرائيلي الى مزيد من التقارب الروسي مع محور المقاومة.. وقد يساهم – ولو لاحقاً - في تقييد هامش المبادرة العملانية لدى الإسرائيلي في الساحتين السورية والاقليمية.