المقاومة والعدو الإسرائيلي: ردع غير مسبوق في تاريخ الصراع
جهاد حيدر
للوهلة الأولى تبدو محاولة استعادة انتصارات مر عليها أكثر من عقدين، كما لو أنه تغريد من خارج السرب. ويتعزز التساؤل في ضوء حجم التحديات التي يواجهها لبنان في حاضره، داخليا وخارجيا. مع ذلك، الحقيقة التي ينبغي التأكيد عليها أن عوامل القوة التي يتمتع بها لبنان حالياً ما هي إلا امتداد لتلك المحطات.. وما سبقها وأعقبها. وتتويجا لمسار شكلت فيه تلك المحطات منعطفات حاسمة في حركة الصراع مع كيان العدو، ولبنات تأسيسية لعوامل قوة تم ادخالها قهرا في معادلة الصراع وحفرت عميقا في وعي صناع القرار السياسي والأمني في تل ابيب.
المقاومة منذ البدايات نجحت في انشاء معادلة ردع للعدو
أكثر ما ينطبق هذا المفهوم على الانتصارات والمعادلات التي فرضها حزب الله خلال تسعينات القرن الماضي، في مواجهة العدو، وتحديداً منذ اغتيال أمين عام حزب الله الشهيد السيد عباس الموسوي، عام 1992، وما ترتب عليه من ردود وتداعيات... مرورا بعملية "تصفية الحساب"، عام 1993، واعتداءات عامي 1994 – 1995، وصولا الى عدوان "عناقيد الغضب" عام 1996.
جسَّدت هذه المحطات معركة طاحنة متواصلة بين حزب الله وكيان العدو، في ذلك الحين، أدت في نهاية المطاف الى كسر ارادة العدو في محاولاته فرض ردع احادي بهدف منع استمرار المقاومة الجادة والفاعلة وتطورها.. وفرضت عليه التكيف مع معادلة ردع متبادل - يستند الى تفاعل بين مجموعة عناصر: القدرات النسبية والتصميم والمصالح – أدت في حينه الى انتاج مظلة حمت العمق المدني والاستراتيجي للمقاومة، ومكَّنها من الاستمرار في استنزاف العدو بفعل الخسائر المتواصلة والقيود التي فرضها حزب الله على صانع القرار في تل ابيب لدى دراسة خياراته البديلة في مواجهة استمرار المقاومة.
سرايا المقاومة استعداداً للمواجهة في نيسان 1996
تميزت محطات المواجهة مع الاحتلال في تسعينات القرن الماضي، ومن ضمنها "عناقيد الغضب" في نيسان 1996، بأن نتائجها ومفاعيلها لم تقتصر فقط على ثمرة تحرير العام 2000، بل أسست أيضا لمعادلات تطورت بفعل تنامي القدرات وفشل محاولات العدو كسر القيود التي عزَّزتها وكرستها حرب العام 2006، ثم امتدت مفاعيلها الى البيئة الاقليمية.
الفرادة والابداع الذي اتسمت به معادلة الردع التي فرضها حزب الله، تجلت في حقيقة أنها لم تستند الى سابقة في تاريخ الصراع مع "اسرائيل". وتحديدا لجهة انها ليست قائمة بين "دولتين". وانما بين كيان يتسم بطابع دولة (مغتصبة) في مقابل حركة مقاومة، وهو ما ليس له سابقة في تاريخ الصراعات والحروب.
معادلة الردع التي فرضها حزب الله اتسمت بالفرادة والابداع
لا مبالغة في القول، أن التنظير لمعادلة من هذا النوع قبل تحققها على أرض الواقع ما كان يتوقع أن يدركه "وعي" الكثيرين. لكن الكفاءة الاستثنائية للقيادة التي أدارت مقاومة حزب الله – في حينه ولاحقا – وحجم التصميم والاستعداد للتضحية والشجاعة التي تحلت بها هي التي انتجت مفهوما ومعادلة جديدة بات الآن من المسلمات، ولكن بعد معاينة مفاعيله على أرض الواقع.
ومما يعزز خصوصية مقاومة حزب الله ومعادلة الردع التي أرساها، أن أحد طرفيها ايضا، (لبنان)، يعاني نقاط ضعف تكوينية – جغرافية وديمغرافية وعلى مستوى الامكانات – وكل من هذه العناصر لها مفاعيلها ونتائجها على حركة الصراع ومعادلاته. في مقابل تفوق كمي ونوعي للعدو، على كافة المستويات...
تطوير امكانيات المقاومة ظهر في أكثر من مواجهة
نتيجة كل هذه الاعتبارات وغيرها، كان من الطبيعي أن لا تسلم "اسرائيل" بمعادلة الردع المتبادل – ابتداءً. وبالفعل لم يقر بها قادة العدو نتيجة حسابات وتقديرات نظرية... وانما بعدما فشلت كافة محاولاتهم في سحق حزب الله وتدمير قدراته وتطويع ارادته وفرض معادلة ردع أحادي ضده.