kayhan.ir

رمز الخبر: 55522
تأريخ النشر : 2017April19 - 18:38

الرئيس ترامب.. عندما يذهب بعيداً خلف أوهام القوة الأميركية

عقيل الشيخ حسين

استراتيجية أم رسالة؟ ذلك هو السؤال الذي طرحه العديد من المراقبين حول المغزى الحقيقي لإلقاء أكبر قنبلة أميركية غير نووية على شبكة أنفاق تابعة لداعش في منطقة نائية من مناطق أفغانستان.

تبعاً للسياسة الواقعية، ينبغي أن يكون الأمر رسالة موجهة إلى قوى تعارض الهيمنة الأميركية على العالم. كإيران وكوريا الشمالية على وجه الخصوص. وبشكل غير مباشر، كروسيا والصين.

والرسالة تتطلب رداً بالضرورة. وعلى هذا الرد يتوقف تحول الحدث (استخدام أم جميع القنابل) إلى رسالة هي عبارة عن ضجيج صوتي غير مستجاب له يتلاشى في الهواء أو إلى... استراتيجية.

في الحالة الأولى، يمكن لهذه أو تلك من الجهات المستهدفة أن ترد على طريقة الصوماليين الذين وجهوا، عام 1993، ضربة قاسية إلى القوات الأميركية حيث قتلوا قرابة العشرين جندياً من المارينز وأسقطوا عدة طائرات هليوكوبتر، في معركة أجبرت الأميركيين على الانسحاب من البلاد (لكن ترامب، بما هو ترامب، لم يستفد من الدرس، قام مؤخراً بإرسل قواته الخاصة لمكافحة المعادل الصومالي لداعش، أي تنظيم الشباب).

أو على طريقة الفييتناميين الذين تمكنوا، رغم افتقارهم لوسائل القوة، من تحقيق الانتصار عام 1975 في حرب غير متكافئة خاضوها لمدة 21 عاماً ضد القوة الأميركية العظمى.

أو على طريقة الرد على التدخل الأميركي والفرنسي في لبنان، عام 1983 : حدوث هجومين أوقعا 241 قتيلاً في صفوف القوات الأميركية و51 قتيلاً في صفوف القوات الفرنسية وأجبرا الفريقين على الانسحاب من لبنان.

أو، أيضاً في لبنان، عندما هربت قوات الاحتلال الإسرائيلي، عام 2000، تحت ضربات المقاومة الإسلامية. وعندما تكلل العدوان الإسرائيلي، في العام 2006، بهزيمة مرة للجيش الإسرائيلي الذي كانت تقول المزاعم عنه بأنه لا يقهر.

أما في الحالة التي قد تنحني فيها البلدان المستهدفة أمام التهديد، فإنه من المؤكد أن الإدارة الأميركية لن تضيع فرصة تحويل الحدث إلى استراتيجية تتبعها على خط الممارسات الإجرامية التي يشتهيها العم سام بشدة شديدة. وليس في هذا الأمر أية مبالغة: في سجل الولايات المتحدة قنابل ذرية ألقيت، في العام 1945، على المدن اليابانية، وذلك في وقت كان اليابانيون قد أصبحوا مستعدين تماماً للاستسلام دون قيد أو شرط. وفي سجلها أيضاً إبادة عشرات الملايين من الهنود الحمر. ومنذ دخول الولايات المتحدة إلى المسرح الدولي، لم تتوان لحظة في إعداد وتنفيذ خطط تهدف إلى تقليص عدد سكان الكوكب إلى بضعة ملايين نسمة لا لشيء إلا لأن حياتهم تشكل، وفقاً للمزاعم، تهديداً للبيئة!

رسالة أم استراتيجيا، ولا شيء غير ذلك؟ يبدو أن المراقبين لم ينتبهوا إلى احتمال ثالث هو جنون العظمة المشوب بنوازع وضيعة. فالرئيس ترامب يريد، وهنالك تصفيق له من قبل حشد من الفاشلين بينهم العرب المتصهينون، يريد أن يقطع مع ميوعة سياسة سلفه باراك أوباما. صحيح أنه قد امتلك الجرأة على إطلاق "59 صاروخاً" من نوع توما هوك على مطار حربي سوري، في حين أن أوباما لم يتجرأ، قبل ثلاث سنوات، عن مهاجمة سوريا بعد أن فعل كل ما بوسعه من أجل إشاعة الانطباع بأنه على وشك الإقدام على فعل ذلك. ولكن من الصحيح أيضاً أن ترامب لم يجرؤ على إطلاق صواريخه إلا بعد أن اطمأن إلى أن أي رد لن يحصل من قبل السوريين أو الروس الذين شاءوا، في ما يبدو، إشباع غرور رئيس أميركي متلهف، في زمن الأفول الأميركي، إلى عرض عضلاته: لقد أخطر الروس بما عزم على فعله، وهؤلاء أخطروا السوريين الذين سارعوا، قبل بدء القصف إلى إخلاء المطار من كل ما يحتويه من أعتدة أجهزة.

والأمر ذاته هو ما حصل مع قنبلته المسماة "أم القنابل". فقد اطمأن الرئيس ترامب مسبقاً إلى ما أسماه "النجاح الجديد" للولايات المتحدة في أفغانستان. فالقنبلة التي تزن عشرة أطنان رميت من على متن طائرة شحن قديمة وضخمة من طراز سي-130 تعود صناعتها إلى ما قبل 70 عاماً ولا تتجاوز سرعتها 590 كم/ساعة. كما أن إلقاء القنبلة على موقع لداعش قد لا يكون أكثر من زعم غير صحيح. بكلام آخر أكثر وضوحاً، فإن الطائرة المذكورة يمكن إسقاطها بسهولة من قبل أي سلاح فردي مضاد للطائرات من تلك الأسلحة التي تسلمها الولايات المتحدة عادة إلى داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية...

أجل، مع "أم جميع القنابل" والـ "59 صاروخاً" أطلقت على سوريا، يبدو أن الرئيس ترامب يريد أن يقنع نفسه بأن الولايات المتحدة ما تزل قوية في ظل إدارته. لكن ما هو مثير للغرابة والفضول هو خصومه الذين يساعدونه على المضي بعيداً جداً وراء أوهامه !