الأزمة السورية تدخل مرحلة جديدة، وما قبل الضربة ليس مثل ما بعدها!
هل صحيح أن العلاقات بين الروس و الامريكان متأزمة.... هناك رأي اخر! عبدالباري عطوان
بعد أسبوع من الضربة الصاروخية الامريكية التي استهدفت قاعدة الشعيرات الجوية السورية في محافظة حمص، يمكن القول بأن احتمالات حدوث ضربة جديدة باتت محدودة، ان لم تكن معدومة، وان الحلف الروسي السوري الإيراني نجح في امتصاصها، سواء من خلال هجوم دبلوماسي مضاد في مجلس الامن الدولي باستخدام حق النقض "الفيتو” ضد مشروع قرار يدين بشكل غير مباشر التورط السوري في الهجوم الكيميائي، او أداء اعلامي اتسم بالكثير من المرونة والحنكة.
هناك ملفان رئيسيان لا بد من متابعة وقائعهما اذا اردنا دراسة التطورات والخروج بنتائج يمكن ان تؤشر لما يمكن ان يحدث في المستقبل المنظور على الأقل، ليس على صعيد الازمة السورية، وانما المنطقة برمتها.
الملف الأول: الزيارة التي قام بها ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الامريكية، في اليومين الماضيين الى موسكو، ولقائه بالرئيس فلاديمير بوتين، ونظيره الروسي سيرغي لافروف.
الملف الثاني: المقابلة المطولة والهامة، التي أجرتها وكالة الصحافة الفرنسية مع الرئيس السوري بشار الأسد و، وكانت حافلة بالردود على الكثير من القضايا الراهنة، وتعكس حالة من الثقة بالنفس غير مسبوقة، رغم الضغوط السياسية والعسكرية الناجمة عن الضربة الامريكية.
اذا نظرنا الى الملف الأول، أي الزيارة الأولى للوزير تيلرسون لموسكو، نجد ان التصريحات التي تتحدث عن انعدام الثقة، وتدهور العلاقات الى حدودها الدنيا بين القوتين العظميين لا تعكس الحقيقة بكل جوانبها، لان ما جرى التوصل اليه من تفاهمات جديدة في هذه الزيارة التي قيل انها "متوترة” على درجة كبيرة من الأهمية.
نشرح اكثر ونقول، ان موافقة الرئيس بوتين على اللقاء بوزير الخارجية الأمريكي الزائر، بعد انباء شككت في احتمال حدوثه، بسبب غضب القيادة الروسية من الضربة الامريكية على قاعدة الشعيرات السورية، ما كان هذا اللقاء سيتم لولا حدوث تقدم في المباحثات بين لافروف والوزير الأمريكي الزائر.
النقطة الأخرى اللافتة اعلان لافروف، وزير الخارجية، ان الرئيس بوتين وافق على إعادة تفعيل الاتفاق الأمريكي الروسي للسلامة الجوية فوق سورية الذي "جمده” كرد على تلك الضربة، واحتجاجا عليها.
في المقابل رد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هذه الخطوة الروسية بتأكيده "ان سياسة ادارته لا تطالب بتنحي الرئيس بشار الأسد في اطار حل سلمي للصراع″، مضيفا "ان استخدام الرئيس الأسد لأسلحة كيميائية مرة أخرى سيتسبب في رد عسكري آخر”، مشددا في الوقت نفسه في حديثه لصحيفة "وول ستريت جورنال” انه لن يتدخل بشدة في الصراع في سورية”.
اما اذا رجعنا الى الملف الثاني، اي حديث الرئيس الأسد لوكالة الانباء الفرنسية، فإن أهميته لا تكمن فيما ورد فيه من إجابات فقط، وانما في اجرائه وتوقيته أيضا، فالوكالة العالمية وجهت حوالي 25 سؤالا الى الرئيس السوري، واعطته مساحة كبيرة للإجابة وطرح وجهة نظره بالكامل، بما في ذلك القول بأن "الهجوم الكيميائي على خان شيخون مفبرك مئة في المئة”، والتأكيد "ان سورية لا تملك أي أسلحة كيميائية، ولو امتلكتها فانها لن تستخدمها، والا لكانت استخدمتها ضد الإرهابيين عندما كان جيشها يتراجع في الجبهات”.
الضربة الامريكية ربما تكون مثل "بيضة الديك” أي لمرة واحدة، لان جميع الأطراف استفادت منها ووظفتها لصالحها، فترامب استخدمها لتعزيز صورته كزعيم قوي، والرد على الاتهامات بصداقته مع بوتين، وحرف الأنظار عن مشاكله الداخلية، والروس اظهروا قوتهم كدولة عظمى تقف الى جانب حلفائها، وتوفر الحماية لهم، سواء باستخدام "الفيتو” او بتعزيز الدفاعات الجوية السورية، اما الرئيس الأسد فلم يحصل على دعم الروس فقط، وانما على تعاطف من قطاع عريض في الشارع العربي، عندما ظهر بمظهر المعتدى عليه من أمريكا، القوة الأعظم.
وصول وزيري خارجية سورية وايران الى موسكو على رأس وفدين للقاء القيادة الروسية الذي تزامن مع انتهاء زيارة تيلرسون، يؤكد ان المعركة المقبلة دبلوماسية سياسية وليست عسكرية، ولبحث "أفكار” جديدة ربما رشحت من خلال لقاءات الأخير، أي تيلرسون مع نظرائه الروس.
خان شيخون جاءت مقدمة لاشعال معركة ادلب التي تسيطر عليها "جبهة النصرة”، واثارة ملف "الأسلحة النووية” ربما جاء لتهيئة المسرح لمفاوضات جديدة، اما التنسيق الروسي الأمريكي، فلا نعتقد انه توقف، وما علينا الا النظر الى ما حققه الدهاء الروسي بعد اسقاط الرئيس رجب طيب اردوغان طائرة السوخوي الروسية قرب الحدود التركية السورية، مثل استعادة كل من حلب وتدمر، وتحييد حلفاء المعارضة العرب، وافشال مفاوضات جنيف وآستانة، وانهاء تركيا لعملية "درع الفرات”.
الأمور لا تقاس بالجعجعة الإعلامية، وانما بما يحدث على الأرض من نتائج، فالطائرات السورية عادت الى سيرتها السابقة، والقصف من الجو لاهداف في ادلب انطلاقا من قاعدة الشعيرات الجوية.
عندما تعود الطائرات المدنية السورية الى الهبوط في مطار دبي بعد سنوات من الانقطاع فإن هذا يشي بالكثير.
الازمة السورية تدخل مرحلة جديدة، وما قبل الضربة ليس مثل ما بعدها، وما علينا الا التذكير بما قاله جون كيري، وزير الخارجية السابق، لناشط سوري "هل تريد ان نخوض حربا مع الروس من اجلكم؟”.
نحن العرب الضحية في جميع الأحوال: السلم او الحرب.