المآلات المؤلمة للقضية الفلسطينية
محمد حرب
إن المتتبع لما آلت إليه الأمور فلسطينياً لا يبصر أمامه أيًّا من الغايات الوطنية التي رفعتها الثورة الفلسطنية كعناوين لحركتها الشعبية والنضالية. نعم ما زالت القضية الفلسطينية حيّة في وجدان الأمة رغم كل المحاولات والمخططات التصفوية؛ ولكن هذا الإنجاز ليس كافيا بعد 7 عقود، ففي المقابل تمكّن الصهاينة وحلفاؤهم من احداث صراع فلسطيني ـ فلسطيني على سيادة موهومة أفرزتها أوسلو واستطاعوا تجميد الفعل المقاوم المنظم والمستمر لصالح مشروع التسوية وخيار المقاومة المؤجلة بمبرر الاعداد غير المسقوف في جغرافيا تخضع للحصار والاحتلال، واستطاعوا اشغال المجموع بعيدا عن القضايا الاصيلة وطنيا كالتهويد والاستيطان والاسرى وأحلّوا محلها القضايا المطلبية الحياتية، ونقلوا التنافس بين الفصائل من ضرب العمق الصهيوني الى السجال على المكتسبات والمواقع السلطوية.
ليس مزايدة على أحد ولا تجاوزًا لدور أحد، ولكن ما يراد وينفذ على الارض اقبح حتى من أوسلو المشؤومة التي فتحت ابواب التردي والسقوط على مصراعيه. فالغطاء العربي الداعم للكيان الصهيوني والذي تجسد في حرف البوصلة وتوجيه الصراع مع محور المقاومة الداعم للحق الفلسطيني بدلا من الكيان الصهيوني كان له للاسف استجابة فلسطينية، فالعمق المقاوم الذي اصبح جليا في وجوده قوياً في تهديده للوجود الصهيوني من خلال هذا الجيش المترابط والذي تشير بوصلته للقدس لم يقابل من اغلب الكيانات ومن اكثرية المجموع بالموقف الوطني المتوقع بسبب الاعلام المضلل والدعاية المذهبية والقيادات والنخب المقصرّة في أداء واجبها التوعوي الوطني او المستأجرة من امراء العرب. ونتيجة لذلك فإن الاكثرية لم تحكم على الوقائع والأحداث من خلال انتمائها الوطني وذهبت بعيدا عمن يملك فعلا ارادة التحرير لفلسطين وتجاذباتها الوجودات الكئيبة التي لا ترى في الفلسطيني الا جائعًا مشردًا يحتاج الى اعانة مؤقتة تبقيه واقفاً بعتبة منافعهم وتسعى لنيل الثمن عبر ارضاء السيد الاميركي بابتزاز مستمر للثوابت الوطنية وتسويق الحلول الساقطة على كونها طوق النجاة.
وهذا ما انتهت إليه الامور فعلا، فالقضايا الحاضرة رسمياً وشعبياً متعلقة بالرواتب والازمات الحياتية والمشاريع التشغيلية والقضايا المطلبية والتي مع اهميتها كقضايا تدعم صمود شعبنا الا انه تم احلالها محل القضايا الاصيلة ولم تعد في خدمتها. والحلول المطروحة لهذه القضايا من الكيانات المتحالفة مع العدو حلول مؤقتة وجزئية تعطى كجرعات تخديرية تصل بصاحبها للادمان وليس لعلاج، وحالة الانخراط والفرار الجماعي عن الواجب منح عدونا المساحة اللازمة لانجاز مبتغاه الاحتلالي الاستيطاني التهويدي المستمر والذي يلحق الضرر الكبير بالارض والانسان والحقوق.
وحتى نخرج من هذه الحلقة المفرغة التي رسمها عدونا فان الواجب يحتم علينا ان نعيد ترتيب الاوليات وفق الغايات الاصيلة وان نحدد مواقفنا وفق انتمائنا لقضيتنا الوطنية وان نلفظ من بيننا كل مفرط ومذعن لارادة عدونا وان نعمق من وصلتنا الوطنية بمحور المقاومة الذي اثبت انه ينتمي لفلسطين حقا وصدقا وفعلا وتضحية. وان لا نقبل بان تتوحد مشاعرنا ومواقفنا مع الكيان الصهيوني المحتل وان نعي حقيقة الصراع في المنطقة وان نتكاثف لردم كل الازمات والثغرات التي تتخلل نسيجنا الاجتماعي والوطني فكل الصعوبات منبتها الاحتلال وهدفها اسقاطنا واذلالنا وهذا يستلزم توحيد جهدنا الوطني وتوجيهه ليكون سدا امام مخططات عدونا. فكل امة وشعب له قضية وطنية محقة لا ينسحب منها طمعا في ابضاع حياة يتفضل علينا فيها عدونا ووسطائه.
ما وصلنا له من نتاجات، ليس قدرا لا يمكن الفرار منه، ولكن تغييره يتطلب ان نستعيد فلسطين في داخلنا وان نعيد رسم خارطتنا الفكرية والوجدانية وفق تضاريسها الابية وان نستحضر حقنا الوطني كمنطلق وغاية لكل فعل وقول وان نقوم بواجباتنا الوطنية مهما كلفنا ذلك وان لا نقبل ان يتقدمنا من اهدر كرامته وسقط في افخاخ العدو، وان نجعل من الشهداء نبراسا وصراطاً، نتتبع خطاهم، فهم وحدهم السادة والقادة.