تغييرات اردنية تضع عمان والجنوب السوري على المحك
عبد الله سليمان علي
أيا تكن الأسباب التي دفعت العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لتغيير رئيس استخباراته فيصل الشوبكي وتعيين عدنان الجندي بدلا منه، نهاية الشهر الماضي، فلا شك في أن أصداء هذا التغيير سوف تتردد بقوة في الجبهة الجنوبية في سوريا التي تعتبر الملعب المفضل للاستخبارات الأردنية.
على الأقل فإن "الاقتدار" الذي أبداه الشوبكي في إدارة الفصائل المسلحة في الجبهة الجنوبية وضبطها والتحكم بها بصرامة وفق أجندة تضع الأمن الوطني الأردني فوق أي اعتبار آخر، لن يظل على ما هو عليه في عهد الرئيس الجديد، ليس لأنه لا يستطيع أو لا يريد، بل لأن الظروف الدولية والاقليمية تغيرت وأصبحت تفرض أجندات مختلفة. وبالتالي أصبح مطلوبا من الأردن أن يقوم بأدوار تناسب هذه الأجندات حتى لو كانت في بعض جوانبها تهدد بزعزعة الوضع الداخلي أمنيا واقتصاديا وسياسيا.
اللافت في التغيير الذي طرأ على أعلى منصب استخباري أردني أنه جاء بعد ساعات من اختتام أعمال القمة العربية التي انعقدت في عمان، وهو ما دفع كثيرين إلى الربط بين الأمرين. غير أن اللافت أكثر هو أنه جاء أيضا بعد الحفاوة الكبيرة التي لقيتها زيارة الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز إلى عمان في إطار مشاركته في القمة، واعتبرت إيذانا بانتهاء مرحلة الخلافات بين الطرفين على خلفية تناقض مواقفهما من التعامل مع الملف السوري خصوصا بعد دخول الأردن تحت سقف التفاهم مع روسيا وما استتبع ذلك من هدوء طويل عم مختلف جبهات الجنوب السوري.
وسبق ذلك، تغيير جرى في قيادة الجيش الأردني حيث عين الفريق محمود فريحات رئيسا لهيئة الأركان المشتركة خلفا لرئيس الأركان السابق مشعل الزبن، في شهر تشرين الأول من العام الماضي. وسارع فريحات بعد أحداث أمنية وقعت في كركوك ومخيم الركبان إلى إرساء سابقة في تاريخ قادة الجيوش الأردنية تمثلت بظهوره العلني في لقاء صحفي مطول على وسيلة إعلام أجنبية هي البي بي سي وذلك في 30 من شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
ورغم أهمية الظهور ورمزيته، كانت الرسائل السياسية والاقليمية التي وجهها قائد الجيش الأردني في لقائه مع البي بي سي أكثر أهمية وخطورة ، بل يمكن القول أن هذه الرسائل شكلت بالفعل مؤشرا إلى أن المؤسسة العسكرية والأمنية في الأردن تتحضر للقيام بانعطافة كبيرة في أدوارها ومهامها، وهو ما قد يكون توضح أكثر مع تغيير رئيس الاستخبارات الأردنية لاحقا.
تحدث قائد الجيش الأردني عن استمرار "قنوات الاتصال العسكرية" مع النظام السوري من خلال ضباط الارتباط، مشددا على أن "تدريب الأردن لجيش العشائر في سوريا لم يكن بهدف مقاتلة النظام السوري" بل "محاربة داعش". لكنه صوب بشدة على ما أسماه "الحزام البري الذي يصل بين إيران ولبنان عبر سوريا" معربا عن خشيته من تقدم قوات "الحشد الشعبي" في العراق باتجاه تلعفر الحدودية.
هذه المقابلة لم تعط مؤشرات على طبيعة السياسة الأردنية وحسب، بل الأخطر أنها قلصت الفوارق التي كانت تميز مواقف الجيش الأردني عن مواقف الاستخبارات الأردنية. ورغم أن الجيش ما زال يقبض على بعض التحفظات حول بعض النقاط التي تمس بأمن الأردن واستقراره، إلا أن الكلام العلني حول قضايا سياسية ذات صبغة طائفية بالشكل الذي تحدث به الفريق فريحات، كان كفيلا بتبديد الكثير من رصيد هذا الجيش، وأظهر مدى سهولة جره إلى ميدان لا يليق به الانجرار إليه.
ترافقت هذه التغييرات في المناصب الأمنية والعسكرية في الأردن، مع تطورات ساخنة ومفاجئة شهدتها الحدود الأردنية السورية خلال الأسابيع الماضية، أهمها:
أولا، استمرار معركة حي المنشية في مدينة درعا برغم كل ما قيل عن اعتراض الأردن عليها، وهو ما يشي بأن "اقتدار" الشوبكي لم يعد موجودا أو أن تغييرا طرأ على سياسة الاستخبارات الأردنية في عهد رئيسها الجديد، وهو ما يطرح تساؤلات حول علاقة ذلك بما أشيع حول استلام الرياض لملف الجنوب السوري، وعما إذا كانت زيارة الملك السعودي والحفاوة التي لقيها بمثابة خضوع أردني للتوجهات السعودية الراغبة في تصعيد الميدان عسكريا.
والثاني، انسحاب "داعش" من مساحات شاسعة في ريف السويداء الشرقي وبادية الحماد وسيطرة فصائل مدعومة من الأردن عليها، ما يعني أن هذه الأخيرة أصبحت تسيطر فعليا على المنطقة الاستراتيجية الواقعة على مثلث الحدود بين سوريا والأردن والعراق، وهو ما يبدو مرتبطا مع المخاوف من الحزام البري الإيراني من جهة، ومع المنطقة الآمنة التي طالما تحدث عنها الأميركيون ويفترض أن تمتد من درعا إلى ديرالزور من جهة ثانية.
وقد تلاقت هذه التطورات مع تصعيد واضح في الخطاب الأردني تجاه سوريا بعد العدوان الأميركي على مطار الشعيرات الأسبوع الماضي، حيث وصف الأردن "غزوة توماهوك" بأنها "رد فعل طبيعي ومناسب". وسبق ذلك كلام للملك الأردني في واشنطن بوست رجح فيه "خروج الرئيس السوري بشار الأسد من المشهد لارتباطه بسفك دم شعبه". ولا شك في أن هذا التقاطع بين التطورات الميدانية الساخنة من جهة، والتصعيد الخطابي من جهة ثانية، يدل على أن الحدود الأردنية السورية مقبلة على مرحلة حساسة وعصيبة.
ورغم أن القيادة الأردنية تبدو لا حول ولا قوة لها أمام الضغوط السعودية – الأميركية ولا تمتلك إلا التماهي مع أجندة هاتين الدولتين، إلا أن البعض يراهن على قدرة موسكو على إرجاع الأردن إلى حظيرة التفاهم معها ومنعه من الانتحار لأجل مخطط ليس له فيه ناقة ولا جمل. فهل سينزلق الأردن، أم سيعود للنوم على "الوسادة الأمنية" التي حمت رأسه حتى الآن؟