kayhan.ir

رمز الخبر: 54698
تأريخ النشر : 2017April03 - 20:38

جار سيئ جديد


محمد نور الدين

بين سياسة صفر مشكلات التي اتبعتها في مرحلة ما قبل ما يسمى ب «الربيع العربي» وبين سياسات العزلة التي وقعت فيها ولم تبق لها صديقاً أو حليفاً أو رفيقاً، كانت تركيا تبدأ مسيرة جديدة في الارتباك في استراتيجيتها الخارجية وتحديد العدو من الصديق. فكان مسؤولوها يتناوبون على انتقاد الجميع من إيران وأوروبا إلى دول الخليج العربية والولايات المتحدة.

وتحولت روسيا بين ليلة وضحاها إلى صديق بعدما كانت عدواً لدوداً وأعيدت الخيوط إلى العلاقات بين تركيا و«إسرائيل» بعد سنوات من الخطاب العالي ضدها.

لكن ما يجري منذ بضعة أسابيع في علاقات تركيا مع الدول الأوروبية كان الأعلى في نبرته والأكثر استغراباً. فالاتحاد الأوروبي ليس مجرد جار جغرافي لتركيا بل هو الوجهة الاستراتيجية لها منذ خمسين عاماً ومن أجله تفعل تركيا كل ما تستطيع لتكون جزءاً منه. فلو أن تركيا اختلفت مع الجميع بمن فيهم الولايات المتحدة فلا يفترض أو يترتب أن تختلف مع دول الاتحاد الأوروبي. فهم في مرحلة الإعداد للزواج الحضاري والثقافي والاقتصادي والسياسي والعسكري.

لكن ما حدث مؤخراً يعكس بما لا يقبل الشك كيف أن مشروع الزواج هذا كان مجرد خديعة ومماطلة ومخاتلة ونفاق وتذاكي من الطرفين.

ليس من أحد منهما يريد أن يكون شريكاً للآخر.لا تركيا تريد فعلاً أن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي ولا الاتحاد يريد أن يكون في مخدع واحد مع شريك «غريب».

لذا ليس من المستغرب إن شهدنا هذا الكم من المشاحنات في الأسابيع بل الأيام الأخيرة. وقد أعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صريحة ومباشرة بأن الاتحاد الأوروبي «حلف صليبي» يستهدف المسلمين.

اجتمع زعماء الاتحاد الأوروبي في روما في ذكرى تأسيس المجموعة الأوروبية عبر معاهدة روما،والتقوا بابا الفاتيكان الذي تصدر اجتماعه معهم.

ربما كان اللقاء بروتوكولياً وربما كان رسالة أوروبية وليس فاتيكانية، وربما الاثنين معاً. ولكن في النهاية كان الجواب التركي حاضراً عندما قال أردوغان: «كيف يجتمعون برئاسة البابا؟ليس على حد علمي أن البابا عضو في الاتحاد الأوروبي. لكن هؤلاء قد أظهروا وجههم الحقيقي. أظهروا أنهم تحالف صليبي».

رسالة الاتحاد الأوروبي القوية رد عليها أردوغان برسالة أقوى.

وقبل ذلك كان أردوغان يكرر أن ما تقوم به ألمانيا وهولندا وسويسرا وغيرها هو سلوك نازي وفاشي وليس أي شيء غير ذلك. و«ما داموا يقولون عني دكتاتور فسأواصل القول عنهم إنهم فاشيون ونازيون».

يرتبط التوتر التركي- الأوروبي بالظروف الانتخابية التي تمر بها أوروبا واستفتاء 16 نيسان/‏ إبريل في تركيا، لكن المظلة التي تظلل هذه التوترات موجودة دائماً وهي في الاختلاف الحضاري بين طرفين يتعايشان نتيجة الحتمية الجغرافية والمصالح الاقتصادية والضرورات الأمنية، لكنهما لا يلتقيان ليسيرا في مركب واحد.

المفارقة أن تركيا عندما تتحدث عن حسن جوار لم تكن قادرة على الإشارة سوى إلى جار واحد «جيد» هو بلغاريا.لكن حتى هذا الجار تحول إلى جار «سيئ» في الأسبوع المنصرم.فقد جرت في بلغاريا انتخابات نيابية كرر فيها حزب التنمية الأوروبي انتصاره وإن ليس بالأغلبية المطلقة. ولكن الأهم بالنسبة لتركيا أن حزب «دوست» من الأقلية التركية لم ينجح في تخطي حاجز الأربعة في المئة وبقي خارج البرلمان. وهو حزب تدعمه تركيا وله توجهات قومية تركية - إسلامية تنسجم مع توجهات حزب العدالة والتنمية التركي. لكن ما فجّر الخلاف بين بلغاريا وتركيا أن بعض وزراء حزب العدالة والتنمية في تركيا قد دعوا علنا للتصويت لمصلحة «دوست». وهو ما اعتبرته بلغاريا، وهذا صحيح، تدخلاً تركياً في شأن بلغاري داخلي.

العبرة في الخلاف مع بلغاريا أن تركيا لم توفر حتى آخر جار «جيد» لتضرب علاقاتها به ولتكتمل دائرة الخلافات والتوترات التركية مع أوروبا بل حتى مع حلف شمال الأطلسي وبلغاريا عضو في كليهما.

ليس كل ما يجري يقع في دائرة السياسة والمصالح الفردية أو الحزبية لهذا أو ذاك في تركيا أو أوروبا ولا بصدام حضارات. العاملان متداخلان وكلاهما يخدم الآخر.