أحمد الحباسى
لم تحضر السعودية محادثات مدينة الاستانة و لم يتم توجيه الدعوة لنظام السعودية للمشاركة و حضور اعمال هذه ” القمة ” السياسية التي تدور برعاية روسيا و ايران و تركيا بين النظام و بين ما يسمى بالمعارضة السورية التي عبرت عن تنصلها من الجماعات الارهابية التي تقودها السعودية لإسقاط النظام السوري.
المعلوم للمتابعين أن السعودية هي الطرف الاكثر تمويلا لهذه المؤامرة التي تستهدف الشعب السوري برمته و هي الطرف الرافض لانهاء هذه الحرب الملعونة حتى بعد انكشاف أمرها و اتضاح عدم قدرة جماعاتها الارهابية على مواصلة التشبث بوهم الانتصار العسكري في الشام ، طبعا ، العناد السعودي متوقع في ظل ما خسره النظام من أموال تسببت في عجز خزينته للمرة الاولى منذ طفرة المال النفطي بل كان متوقعا أن يتشبث النظام الى اخر لحظة بضرورة الانتصار في معركة مدينة حلب التي جعل منها أم المعارك و أعتبرها مفتاح عبوره و اكتساحه لبقية المناطق السورية و أهمها على الاطلاق مدينة دمشق معقل رأس النظام و عنوان سيطرته على مقاليد الدولة ، طبعا المعركة انتهت بهزيمة فادحة و مدوية لكل الفصائل الارهابية السعودية التي اعلنت الاستسلام و تم اخراج من تبقي منها تحت رعاية روسيا الى خارج المدينة في مشهد معبر عن هزيمة سعودية ساحقة ستكون لها انعكاسات و ارتدادات كبرى على مسار المفاوضات بين النظام و بين المعارضة .
على الجانب اليمني يتبين للمتابعين أن النظام قد خسر كل أوراقه العسكرية بعد أن خسر كل أوراقه السياسية في محادثات أراد منها فرض رؤيته على الجانب الرافض لتدخله في الشؤون الداخلية اليمنية ، بموازين القوى العسكرية يبدو أن النظام الفاسد قد استنفر كل قواته و أسلحته لانتزاع نصر سريع على الطريقة الصهيونية في حرب 1967 ، على الارض كانت كل المؤشرات تميل لصالح القوات و الحشد العسكري السعودي المتكون من عدة دول حتى يتحقق هذا النصر الخاطف بأقل ما يمكن من الخسائر و يمثل هذا النصر عنوان المرحلة القادمة من اليمن الى العراق الى سوريا بحيث ينتج عنه اعطاء الصهاينة و الامريكان للنظام ما يستحقه من اهتمام و ما يبتغيه من هيمنة سعودية على دول الخليج بما فيها مصر المغيبة بفعل الصراع الدموى المتواصل فيها منذ صعود الرئيس الحالي الى سدة السلطة ، بالنهاية لم يوافق حساب النظام حساب الشعب اليمني و بات هناك بحث اليوم ليس على كيفية فرض انتصار سعودي على هذا الشعب بل على كيفية خروج السعودية من هذه الحرب الخاسرة بأقل الاضرار السياسية و العسكرية الممكنة ، بطبيعة الحال ، تزامن هذا الفشل التاريخى مع الفشل في سوريا و العراق و ما يحدث من شبه قطيعة بين النظام و بين القيادة المصرية خاصة بعد حكم المحكمة المصرية بمصرية جزيرتي تيران و صنافير هي أحداث مفصلية مرعبة تؤكد فشل القيادة السعودية و عدم قدرتها على ادارة الازمات في المنطقة اضافة الى خسارة رصيدها كأداة تدمير للمنطقة لدى الامريكان و الصهاينة .
من المعلوم ان الحرب في سوريا ليست حربا بين النظام و ما سمى بالمعارضة الوطنية السلمية بل هي جزء من تخطيط و صراع نفوذ اقليمى و دولى لضرب الدول العربية الرافضة للوجود الصهيونى الامريكى و تفتيت البلدان العربية كجزء من مخطط المحافظين الجدد الذى بدأ تنفيذه بعد غزو العراق و سقوط النظام سنة 2003 ، من المعلوم أيضا أن روسيا قد خسرت كل مواقعها الاستراتيجية في المنطقة و بالتالى فان حلمها بالرجوع الى المياه الدافئة لا يمر إلا عبر الوقوف مع سوريا ضد "أصدقاء سوريا ” ، لذلك توقع المراقبون على عكس النظام أن هذا المشروع القذر سيصطدم بعثرات كثيرة و مختلفة و غير متوقعة من بينها رفض روسيا الاتحادية اسقاط النظام حتى كمجرد فكرة تطرح في دهاليز مجلس الامن و في معلوم كثير من السياسيين المحنكين كان رفع المندوب الروسى الفيتو مرات عديدة في سابقة تاريخية لم تحصل في تاريخ هذا المجلس مؤشرا واضحا و صريحا من أصدقاء سوريا الفعليين على ان هذه الحرب الدموية المفروضة على حلف المقاومة ستنتهى بانتصار هذا الحلف مهما كانت التضحيات و مهما طالت مدة الحرب ، و سواء أدرك النظام متأخرا أو لا كل هذه التعقيدات فانه من الثابت أن هذه القيادة قد فشلت في قراءة التاريخ و الجغرافيا و بذرت أموالها النفطية الهائلة بدون نتيجة تذكر و هذا الامر يجر كثير من المتابعين الى اعتبار أن محاولة النظام ضرب عصافير كثيرة بحجر واحد قد انتج فياسكو مريع من شأنه أن ترتد نتائجه الاستراتيجية على وجود النظام و على قدرته المستقبلية على التحرك في مناخ معاد لوجوده فضلا على خروج بعض الدول الخليجية من بيت الطاعة السعودية و اعلان فشل مجلس التعاون الخليجى بما يمثله من حزمة دول متآمرة على المقاومة و على القضية الفلسطينية .
ربما فتح النظام النار في كل الاتجاهات ليبعد شبح خطر ما يسمى بالربيع العربى و ربما شارك النظام في مؤامرة اسقاط النظام السوري تحت تأثير السقوط السريع لزين العابدين بن علي و حسنى مبارك و ربما تم وعد النظام بإعطائه دورا مستقبليا في المنطقة كشرطى في الخليج و ربما بدا للنظام أن الشعب اليمني الذى يعاني من وضع اقتصادى مترهل قابل للاستعمار بسهولة و ربما بدا للنظام ان النظام المصري الغارق في الدماء ليس مستعدا للنظر لما يحدث من حوله و ربما لم يفتح النظام عينه النائمة المغرورة على كثير من الحقائق الدولية ذات العلاقة بالمنطقة و من بينها امكانية عودة روسيا للمنطقة ، لكن من الواضح أن هذا النظام المتهالك لا يملك رؤية استراتيجية واضحة و عقلا مستنيرا يخطط و يبحث كل الاحتمالات الممكنة قبل الدخول في أى صراع مع دول المنطقة ، مثل هذا اللعب السعودي بالنار من شأنه أيشعل بؤر توتر كثيرة في المنطقة و من شأن هذه البؤر ان ترتد على ثياب الملك السعودي لتحرقه في لحظة ثأر أو غضب و ما يحصل للنظام التركى منذ أسابيع هو عنوان المرحلة القادمة و بداية لهيب و كرة النار التي ستحرق "أصدقاء سوريا ” تباعا .