مشهد العراق في 2016 .. انتصارات وتظاهرات واصلاحات
ـ عادل الجبوري
اذا كان عام 2016 قد بدا في مجمل وقائعه واحداثه التي حفل بها المشهد العراقي، استمرارا للعام والاعوام التي سبقته، فأنه شهد انعطافات وتحولات امنية وسياسية على قدر كبير من الاهمية، يمكن ان تكون مقدمات لمشهد فيه معطيات جديدة، في ظل تحديات ومصاعب معقدة وشائكة، داخليا واقليميا ودوليا.
انتصارات عسكرية كبيرة
ولعل المعلم الاهم والابرز في مسيرة عام 2016 العراقية، هو النتائج المتحققة في الحرب على تنظيم داعش الارهابي، بحيث ان تلك الحرب وصلت الى مرحلتها النهائية المتمثلة بعمليات تحرير محافظة نينوى، التي انطلقت في السابع عشر من شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي، بمشاركة واسعة ومنظمة من قبل قوات الجيش والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الارهاب، والقوة الجوية، والحشد الشعبي، والحشد العشائري، وقوات البيشمركة الكردية
وخلال اكثر من شهرين تم تحرير اجزاء كبيرة من محافظة نينوى، واستعادة العديد من المؤسسىات والدوائر الحكومية التي وقعت تحت قبضة تنظيم داعش الارهابي قبل عامين ونصف، وقدرت مصادر رسمية نسبة الاراضي المحررة من نينوى بـ 60%، والتي ترافقت مع انكسارات وهزائم ثقيلة لعصابات داعش.
وقد سبق عمليات تحرير نينوى "قادمون يانينوى"، تحرير عدة مدن ومناطق في محافظة الانبار وصلاح الدين، من مدينة الرمادي-مركز محافظة الانبار-، وقضاء الفلوجة، والخالدية وجزيرة الخالدية والكرمة وحديثة والقائم والصقلاوية وغيرها.
ولوحظ ان واحدة من انعكاسات هزائم عصابات داعش في الانبار ونينوى، هي انخفاض معدل العمليات الارهابية بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة في العاصمة بغداد خلال العام 2016، مع الاشارة الى وقوع عمليات ارهابية اودت بحياة عشرات الناس الابرياء، كما هو الحال بالنسبة للعمل الارهابي الذي استهدف مركزين تجاريين في منطقة الكرادة الشرقية، مطلع شهر تموز-يوليو الماضي.
وفيما يتعلق بالعلاقات والسياسات الخارجية، فقد شهد عام 2016، تصاعد حدة التوتر والتأزم بين العراق ودولا اخرى، ابرزها المملكة العربية السعودية وتركيا، وكذلك شهد انفتاح العراق على دول عربية واقليمية، وفي الاطار الدولي كذلك.
وكان من بين اسباب تأزم العلاقات بين بغداد والرياض، المواقف السلبية للاخيرة، حيال قوات الحشد الشعبي، اذ ان الرياض لم تترك مناسبة الا وظهر احد كبار مسؤوليها ليتهجم على الحشد الشعبي، ويصفه بأسوأ الاوصاف، وكان السفير السعودي السابق في بغداد، ووزير الخارجية عادل الجبير، اكثر من اساؤوا للحشد، حتى وصل الامر بالحكومة العراقية الى ان تعلن بكل وضوح وصراحة ان السبهان شخص غير مرغوب فيه، وطالبت نظيرتها السعودية بأستبداله، وبالفعل اذعنت السعودية للطلب العراقي وسحبت السبهان في منتصف شهر ايلول-سبتمبر الماضي، بيد ان مشاكساتها وتدخلاتها في عموم الشأن العراقي، لم تتوقف، ولعل اخرها تمثل بالتصريحات المسيئة للحشد على لسان الوزير عادل الجبير.
ووصل التمادي السعودي الى درجة الذروة، حينما اساءت صحيفة الشرق الاوسط السعودية لزوار اربعينية الامام الحسين عليه السلام، في عددها الصادر في الثالث عشر من شهر تشرين الثاني-نوفمبر الماضي، وهو ما اثار ردود فعل سياسية وشعبية عراقية واسعة جدا.
ولم تختلف اسباب وظروف تأزم العلاقات بين بغداد وانقرة، فالاخيرة ذهبت بعيدا في تعاطيها السياسي الطائفي حيال بغداد، وفي اصرارها على ابقاء قواتها العسكرية في الاراضي العراقية، رغم دعوات الحكومة العراقية لسحبها، وتبنيها اجندات تقسيمية مرفوضة.
في مقابل ذلك فأن مجمل سياسات العراق الخارجية شهدت خلال عام 2016 مزيدا من الانفتاح على الفضائين العربي والاقليمي، وكذلك الفضاء الدولي، وكان من بين ابرز مصاديق ذلك الانفتاح، استضافة بغداد للمؤتمر التاسع للمجمع العالمي للصحوة الاسلامية، في الثاني والعشرين من شهر تشرين الاول—اكتوبر الماضي، بمشاركة اكثر من ثلاثين دولة اسلامية.
الى جانب ذلك، تم انتخاب العراق نائبا لرئيس مؤتمر المراجعة الثامن لاتفاقية حظر الاسلحة البايولوجية [BWC] ، خلال اجتماعات المؤتمر، الذي عقد في مدينة جنيف السويسرية في بدايات شهر تشرين الثاني-نوفمبر الماضي.
كذلك اختير العراق نائبا لرئيس مجلس حقوق الانسان التابع لمنظمة الامم المتحدة في التاسع من شهر كانون الاول-ديسمبر الماضي، علما انه انضم لعضوية المجلس في الثامن والعشرين من تشرين الثاني-نوفمبر 2016.
اضف الى ذلك، كان للعراق مواقف ايجابية واضحة من بعض القضايا العربية والاقليمية، مثل اعدام رجل الدين السعودي الشيخ نمر النمر مطلع عام 2016، وانتهاكات حقوق الانسان من قبل السلطات البحرينية، وقرار وزراء الداخلية العرب بأعتبار حزب الله اللبناني منظمة ارهابية.
تظاهرات واصلاحات
ولم يخلُ المشهد السياسي العراقي من احتقانات حادة كادت ان تعصف بالعملية السياسية برمتها، فطيلة الشهور الاربعة الاولى من هذا العام تواصلت التظاهرات الاحتجاجية المطالبة بتنفيذ الاصلاحات، في بغداد ومختلف المدن العراقية، وقد وصلت الامور الى اقتحام مبنى مجلس النواب العراقي اواخر شهر نيسان-ابريل الماضي، ومن ثم اقتحام مبنى الامانة العام لمجلس الوزراء بعد ثلاثة اسابيع، وقد تسببت تلك التطورات بأرتباكات كبيرة، لاسيما انها ترافقت مع العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش الارهابي.
وبأتفاق الكثيرين، فان موجة التظاهرات الاحتجاجية لم تحقق الاهداف المرجوة من خلالها، لكنها ولدت حراكا ضروريا في ظل انسدادات سياسية خطيرة ومقلقة، ولعل جزء من ذلك الحراك عبرت عنه جبهة الاصلاح المعارضة التي تشكلت من نواب برلمانيين يمثلون قوى وكيانات سياسية مختلفة، بيد ان ذلك الحراك لم يكن ايجابيا في كل مساراته وجوانبه، بل انه انطوى على بعض الفوضى والارباك.
وبعد موجة التظاهرات والمطالب الاصلاحية وجد البرلمان العراقي نفسه على المحك، لذلك راح يفعل اداءه الرقابي والتشريعي، حيث قام بأستجواب وزراء واقالتهم ، كما حصل مع وزير الدفاع خالد العبيدي، الذي صوت البرلمان على اقالته في مطلع شهر اب-اغسطس الماضي، وكذلك وزير المالية هوشيار زيباري، الذي اقاله البرلمان ايضا في الثالث والعشرين من ايلول-سبتمبر الماضي، وهناك عدد اخر من الوزراء بأنتظار استجوابهم تحت قبة البرلمان، ومن بينهم وزراء الزراعة والخارجية والتربية.
فضلا عن ذلك فأن مجلس النواب العراقي اقر مشاريع قوانين مهمة، اثارت الكثير من الجدل والسجال بين الفرقاء السياسيين، مثل قانون العفو العام في الخامس والعشرين من اب-اغسطس، وقانون الحشد الشعبي في السادس والعشرين من تشرين الثاني-نوفمبر.
تسويات وتفاهمات واختلافات
وفي اطار الحراك السياسي المتواصل، ربما كان انتخاب السيد عمار الحكيم رئيسا للتحالف الوطني الشيعي(183 مقعدا برلمانيا) في السادس من شهر ايلول-سبتمبر الماضي، من بين الاحداث المميزة، لاسيما وان النقاشات حول زعامة التحالف الوطني استغرقت الكثير من الوقت،
وقد جاء الحكيم برؤى وتصورات واقعية لتفعيل التحالف الوطني، قوبلت بترحيب جيد، الى جانب قدر من التحفظات والاعتراضات، ومن بين أبرز ما طرحه رئيس التحالف الوطني، هو مشروع التسوية الوطنية، الذي حظي بموافقة الهيئات الثلاث للتحالف، القيادية والسياسية والعامة، في ذات الوقت الذي اثيرت اجواء من النقاش والجدل المحتدم حول مضامين وابعاد ذلك المشروع.
واذا كان المكون الشيعي-متمثلا بالتحالف الوطني-قد حافظ على قدر كبير ومهم من تماسكه، فأن المكونين الاخرين السني والكردي لم ينجحا في ذلك.
ولاشك ان ما ساهم في ان يحافظ التحالف الوطني على تماسكه بالمقدار المطلوب، هو المرجعية الدينية وتأثيرها الكبير، والحرب ضد تنظيم داعش ووجود الحشد الشعبي فيها كعنصر فاعل ومؤثر، والجمهورية الاسلامية الايرانية، لما لها من علاقات طيبة مع مختلف اطراف المكون الشيعي.
بينما وجدنا ان الخلافات والاختلافات في اطار المكون السني، قد اتسعت وتفاقمت، بسبب تعدد الارتباطات والاجندات، وحدة التنافس على المواقع والامتيازات.
وربما يكون الحال لدى المكون الكردي، اسوأ واعقد، لان الأزمات الاقتصادية الخانقة هناك القت بظلالها على المشهد العام، ووسعت الهوة بين الفرقاء الاكراد، وبددت فرص احتواء الخلافات فيما بينهم.
وعلى ضوء مشهد عام 2016 المتشابك والمتداخل في مجمل احداثه ووقائعه، فأن صورة الغد-أي صورة عام 2017-لن تخلو من الفوضى والارتباك وتداخل الالوان وتشابكك الخطوط وتشتت الابعاد.
ولعل التصور العام يذهب الى ان الشهور الاربعة او الخمسة الاولى من العام المقبل ستشهد استمرار وتواصل المعارك ضد تنظيم داعش. وان الجدل والسجال السياسي حول مشروع التسوية الوطنية، واستجواب الوزراء واقالة بعضهم، سيكون بحدة اكبر، وان الانتخابات المحلية المقررة في السادس عشر من شهر ايلول-يوليو المقبل، قد تتأجل الى العام اللاحق لتدمج مع الانتخابات البرلمانية العامة، وان العلاقات مع السعودية لن تتحسن، ولكن مع تركيا ربما تحصل انفراجات معينة، والازمة الاقتصادية، ستضيف المزيد من الاعباء على الدولة والمواطن العراقي، في ظل تذبذب اسعار النفط في الاسواق العالمية، والازمات في اقليم كردستان يمكن ان تتفاقم وتتعقد، واغلب الظن ان المشاحنات والتقاطعات في داخل المكون السني ستتواصل بوتيرة اسرع واعلى. وفوق ذلك كله فأن اكمال تحرير محافظة نينوى من تنظيم داعش واعلان النصر النهائي، سيفرض حقائق ومعطيات جديدة، وستبرز ازمات ومشكلات لم تظهر حتى الان على السطح بالكامل.