معركة حلب و الانعطافة التركية
لو لا الانتصار التاريخي لمحور المقاومة وبدعم من الحليف الروسي في حلب وهزيمة المشروع الاميركي ـ التركي ـ الاعرابي لما شهدت سوريا اليوم اي منذ منتصف ليل الثلاثين من ديسمبر وقفا لاطلاق النار تمهيداً لتسوية الازمة السورية وان تتخلله بعض الخروقات من قبل بعض الفصائل السورية المسلحة التي تلفظ انفاسها الاخيرة ولولا الاذعان بالهزيمة لما رضخت هي وقبلها داعميها لوقف اطلاق النار.
وبطبيعة الحال فان صوت محور المقاومة هو الذي يعلو اليوم في سماء سوريا و كما يقال ان المنتصر هو الذي يرفض شروطه وبعد استبعاد الموقف الاميركي من المشهد السوري وهكذا السعودي والقطري لم تبق الا تركيا بحكم جوارها لسوريا وعلاقتها المباشرة بالمجموعات السورية المسلحة كلاعب لتسوية الازمة السورية وان من موقع المضطر لذلك تولت موسكو موضوع بحث هذا الملف مع تركيا طبعا بالتنسيق الدائم والمستمر مع طهران لبدء محادثات السلام السورية في "آستانه" وعلى مستوى القمة الثلاثية التي ستعقد قريبا وبمشاركة الرؤساء بوتين وروحاني واردوغان وكان لابد للتحضير لذلك التوقيع على ثلاث وثائق بين الجانبين الروسي والتركي، الوثيقة الاولى هو الاتفاق على وقف اطلاق النار بين الحكومة السورية والمجموعات المسلحة باستثناء "داعش" و"النصرة" والثانية تختص باجراءات مراقبة وقف اطلاق النار وباشراف مراقبين من روسيا وايران وتركيا والثالثة التحضير لبدء محادثات السلام في سوريا. وفعلا اوعزت موسكو الى كازاخستان التحضير لهذا اللقاء التاريخي الذي سيضع اللمسات الاخيرة لتسوية شاملة للازمة السورية يعود اليها الامن والاستقرار بعد ان عصفت بها حرب كونية شاركت فيه اكثر من ثمانين دولة في العام لكن الارادة الالهية ان يندحر هذا المخطط الجهنمي الذي لم يكن يتوقف عند سوريا بل كان سيمهد ليبتلع جميع المنطقة باسم داعش الصنيعة الاميركية التي اعترفت بها هيلاري كلينتون وترامب والكثير من الاوساط الاميركية بذلك.
والطريف في هذا المشهد ان تركيا التي سخرت كل امكاناتها لداعش للوصول الى سوريا والعراق ومكنتها من الاستمرار بحياتها عبر دعمها لوجستيا وبيعها للنفط المسروق من سوريا والعراق يطل علينا الرئيس اردوغان مؤخرا بانه لم يدعم داعش!! وانه يمتلك وثائق تثبت الدعم الاميركي للمجموعات الارهابية بما فيها داعش، ومن الطبيعي ان تمتلك تركيا لمثل هذه الوثائق خاصة انها كانت ضمن الحلف الاميركي في جهة واحدة لمحاربة سوريا واسقاط نظامها.
اطلاق الرئيس اردوغان لمثل هذه التصريحات تدل بوضوح على تغيير مواقفه من الازمة السورية خاصة وانه يعلن باستمرار ان يواجه خطر داعش والاكراد على صعيد واحد.
لكن المؤكد ان الرئيس اردوغان ليس في وضع يحسد عليه خاصة وان تركيا دفعت الثمن الاكبر في تأجيج الازمة السورية وهي اليوم بطبيعة الحال الخاسر الاكبر لما تواجهها من ازمات امنية واجتماعية وسياسية واقتصادية على صعيد الداخل وازمات خارجية في علاقاتها خاصة مع دول الجوار لذلك نراها مضطرة للقبول باية تسوية تصيغها موسكو وطهران لحل الازمة السورية بسبب ما تمر بها من مشاكل وصعوبات جمة قد تستدرجها الى ابعد من ذلك خاصة وان داعش بدأت تحتضر في العراق ولا ملجأ لها سوى العودة الى تركيا التي رعتها وغذتها والامر كذلك في سوريا. والان امام تركيا "فرصة تاريخية" حسب وصف الرئيس اردوغان فعليه استثمارها للعبور بتركيا من هذه المحطة التاريخية لتشتري السلام والاستقرار لها ولشعوب المنطقة.