kayhan.ir

رمز الخبر: 50351
تأريخ النشر : 2016December28 - 20:00

هل تدفع تركيا في ’الباب’ ثمنا لتقاربها مع روسيا ؟


شارل أبي نادر

بداية ، كانت السهولة واضحة في تقدم وحدات درع الفرات المدعومة تركياً في الشمال السوري ، و كانت داعش تخلي مواقعها بطريقة شبه اخوية دون قتال ما بين جرابلس والراعي ودابق وصولا الى مشارف الباب ، وحيث اعتبرت تلك الوحدات ، ومعها القوات العسكرية التركية ان داعش فقد ارادة القتال شمالا ، إكتشفت الاخيرة ان تنظيم الدولة وضع خطوطا حمراء على مداخل المدينة ، مخالفا بذلك ما ظهر عنه من تراخ سبّبَ انسحابه التكتيكي من كافة مواقعه جنوب الحدود التركية ، والتي كان قد اخلاها بسرعة وبطريقة غريبة ولافتة دون اية مقاومة تذكر كما عودنا في معاركه سابقا وخاصة في الشمال السوري .

اذا اعتبرنا ان ما سبّب هذا التحول الشرس للتنظيم في قتاله بمواجهة الوحدات التركية هو الأهمية الاستراتيجية لمدينة الباب ، فان الأخيرة ليست بأهمية جرابلس ، تلك المدينة التي تمسك مدخل الفرات على الحدود مع تركيا ، والتي تشكل ايضا نقطة ارتكاز متقدمة بمواجهة الاكراد في عفرين وعين العرب ، كما ان مدينة الباب ايضا لا تزيد بأهميتها المعنوية والعقائدية بالنسبة لداعش عن دابق ، تلك البلدة الكبيرة الاستراتيجية شرق مارع وشمال نبل والزهراء ، والتي دخلتها الدبابات التركية دون اي اشتباك يذكر ، وبطريقة ظهرت امام وسائل الاعلام اشبه بمناورة تدريبية استعراضية ، جعلت اردوغان يزهو كالطاووس فخورا لمشاهدة وحداته المدرعة تتقدم رافعة العلم التركي على الطريق لاكمال تحقيق انجاز المنطقة الآمنة التي حلم ونادى بها دائما .

الدبابات التركية تهاجم الباب

لم تتأخر هذه الدبابات المذكورة كثيرا ، لتظهر لنا على مشارف الباب وعبر وسائل الاعلام ذاتها ، تكتوي وتحترق بنيران صواريخ التاو الاميركية التي كانت قد خزنتّها تركيا سابقا ورعت ونظمت تسليمها الى داعش والى غيره من مجموعات مسلحة اخرى ، وليسقط فيها عشرات الجنود الاتراك بين قتلى ومصابين على مدخل الباب الشمالي الغربي في تلة الشيخ عقيل الاستراتيجية. وعبر اكثر من عملية انتحارية داعشية ، كانت جديدة وصادمة ، سقطت مناورة تركيا الكاذبة الخبيثة ، والتي كانت تدَّعي عبرها بأنها تقاتل الارهاب المتمثل بداعش ، وتبدلت المواجهة بين الاثنين لتأخذ ، وللمرة الاولى الطابع الدموي ، الجدي والحساس .

في الحقيقة ، لا يمكن فصل هذه التطورات الميدانية الدراماتيكية وهذا التحول اللافت في المواجهة العنيفة بين داعش وتركيا ، عن التحول الديبلوماسي الايجابي لناحية تطور العلاقة الروسية التركية ، والذي ظهر جليا في اجتماعات وزراء دفاع وخارجية البلدين وبحضور الطرف الايراني ايضا ، وحيث اكتشف الاميركيون اهمية الدور التركي في تسوية سحب المسلحين من احياء حلب الشرقية ، تلك التسوية التي كانوا دائما يعارضونها ويمنعون انجازها. فهم الاميركيون جيدا ابعاد هذا التحول الديبلوماسي في العلاقة ، وكيف سيؤثر سلبا على مخططاتهم و مناوراتهم فيما يختص بالحرب على سوريا حسب الاجندة الخاصة بهم ، فسارعوا وعلى وجه السرعة الى توجيه رسالة حاسمة الى الاتراك ، ظهرت من خلال التبدل المفاجىء في استراتيجية مواجهة داعش للوحدات التركية ، رسالة ظهرت ميدانيا في معركة دموية شرسة على تلة الشيخ عقيل المذكورة ، اذلّ فيها التنظيم جنودَ وضباطَ الدولة الاقوى في حلف شمال الاطلسي ، بعد ان سحب على وجه السرعة من الرقة اكفأ عناصره ، والذين انتقلوا مكشوفين بعشرات سيارات الدفع الرباعي المزودة بمدافع متوسطة وبرشاشات ثقيلة الى مدينة الباب ، وبامان وسلام وبرعاية وحماية جوية اميركية ، كتب داعش أحرف رسالة دموية ، كانت مؤلمة للاتراك بعد ان وقّعها التنظيم باخراجه وبانتاجه المعروف ، حين نشر فيلما صادما لعملية احراق جنديين تركيين خطفهما من ارض المعركة ، في واحدة كانت من اكثر عملياته الاجرامية تأثيرا على الدولة والجيش والنظام في تركيا .

من الطبيعي ان يكون الاتراك قد فهموا جيدا هذه الرسالة الاميركية الحاسمة ، خاصة وانهم بالاساس شركاء في خلق ورعاية واستغلال تنظيم داعش ، وانهم كانوا وحتى الامس القريب يتنافسون في القتال به ومن خلاله وعبره ، ومن الطبيعي ايضا ان يكونوا قد لمسوا ماذا تستطيع الولايات المتحدة الاميركية ان تنفذه في مواجهة من يقف في طريق اكتمال مخططاتها ، او في طريق من يحاول تجاوزها واللجوء الى احضان دولة عظمى اخرى كروسيا ، تمتلك في المنطقة والشرق استراتيجية مختلفة ونقيضة لاستراتيجيتها ...

ولكن ، هل رأت تركيا ان الانسحاب من هذه الورطة الان ، رغم ما يشكله هذا الانسحاب من مخاطرة وتداعيات ، سيكون ضروريا ومناسبا قبل فوات الاوان ، ام انها ستستسلم وتعود الى مربع التموضع تحت عباءة الولايات المتحدة الاميركية ، وتعود لتشترك كلاعب اساس في استراتيجية الاخيرة حتى النهاية في تدمير وتفتيت وتقسيم المنطقة والمحيط ؟

وهل سيكون توسلّها الاخير، والذي طلبت فيه دعما جويا اميركيا لحماية تقدم وحداتها في مدينة الباب رسالة ضمنية عن استعدادها للتخلي عن التقارب مع روسيا - كما تشتهي الولايات المتحدة الاميركية - الامر الذي سوف يعقّد الامور من جديد في الشمال السوري ، وتعود تركيا الى دعم مسلحي هذا الشمال وخاصة باعدادهم الضخمة في ادلب ؟ ولتتقدم احتمالات المواجهة على التسوية كما تشتهي روسيا ؟ ولتكون جبهة الجيش العربي السوري وحلفائه على موعد جديد مع معركة حسم اخرى ؟