kayhan.ir

رمز الخبر: 50155
تأريخ النشر : 2016December25 - 20:43

حلب وانقلاب الموازين بين اللاعبين على الساحة السورية


سركيس ابو زيد

انتهت المعركة أخيراً في حلب، عاصمة الشمال السوري وقلب اقتصاد سوريا، حيث تمكن الجيش السوري بدعم روسي من استعادة كل أحياء مدينة حلب بأسرع مما كان متوقعا. تهاوت مواقع ودفاعات المعارضة وحصل انهيار في صفوفها، ما أدى الى أن يكسب الجيش السوري مع حلفائه معركة مفصلية حاسمة في أسرع وقت وبأقل خسائر، لتنتهي الحرب في الشهباء بإخراج المسلحين منها باتجاه إدلب الخاضعة لسيطرة "جبهة النصرة”.

أما عن أسباب سقوط مدينة حلب، فهي كثيرة، منها:

أولا وضع المعارضة التي فتكت بها الصراعات والخلافات وهيمنت عليها التنظيمات الإسلامية المتطرفة.

ثانيا التفاهمات الروسية - التركية التي أخذت شكل صفقة جانبية عنوانها "حلب مقابل الباب” فكان أن غضت تركيا الطرف عن حلب وأطلقت يد روسيا فيها، مقابل تثبيت أقدامها وتوسيع سيطرتها في المنطقة الحدودية الآمنة.

ثالثا، وهذا هو الأهم، الفراغ الأميركي الذي استغلته روسيا على أفضل ما يكون. وهذا الفراغ ليس ناتجا فقط عن عملية انتقال من إدارة أميركية الى إدارة جديدة، وإنما أيضا عن وصول رئيس أميركي جديد تتعارض توجهاته السورية مع الرئيس السابق، وهو ما أدى الى انكفاء أميركي تام عن الملف السوري في هذه المرحلة، والى اقتناص روسيا هذه الفرصة المتاحة لفرض واقع جديد على الأرض.

رابعا ، العجز الأوروبي التام في وقف الاندفاعة الروسية وفي فعل أي شيء في حلب، فلقد تعاطى الأوروبيون والمجتمع الدولي بشكل عام مع واقعة سقوط حلب ببرودة وردة فعل لا تتناسب مع حجم الحدث، وانتقل سريعا الى مرحلة ما بعد حلب. ومع استنفاد وانتفاء أوراق الضغط العملية، لم يبق أمام الأوروبيين إلا انتظار تسلم الإدارة الأميركية الجديدة للسعي معها من أجل حل سياسي. ولم يبق في يدهم إلا ورقتين:

1- ورقة الدفع باتجاه العودة الى طاولة المفاوضات ولكن من دون شروط مسبقة من جانب المعارضة التي لا يمكن أن تكون قوية على طاولة المفاوضات فيما هي ضعيفة ومفككة على الأرض، ومن الطبيعي أن ما كان النظام رفضه عندما كان ضعيفا لن يقبله اليوم وهو قوي ويشعر أنه على عتبة وضع اليد على كل ما يسمى "سوريا المفيدة” وأن الموقف الدولي يتحول لمصلحته بدءا من الموقف الأميركي مع ترامب، وصولا الى الموقف الفرنسي مع الرئيس المقبل فيون، مرورا بموقف الفاتيكان الذي أرسل موفدا خاصا الى الرئيس الأسد وسلمه رسالة من البابا فرنسيس.

2- أما الورقة الثانية التي يلعبها الغرب باكرا في غياب أوراق الضغط العسكرية والسياسية، فهي ورقة إعادة إعمار سوريا والتلويح بعدم المشاركة في إعادة الإعمار التي تتطلب مليارات الدولارات من غير حل يقوم على عملية انتقال سياسي. وهذه الورقة ليست قادرة اليوم على تحويل مجرى الأحداث ولكنها ستكون وسيلة ضغط مؤثرة في مرحلة لاحقة.

أوروبا تتحرك بلا شك مدفوعة بقلقها المتزايد من تداعيات أزمة اللاجئين والمهاجرين التي فجرت مشكلات سياسية واجتماعية هزت الاتحاد الأوروبي من أركانه. فالهجرة أصبحت ورقة أساسية في دعايات اليمين الأوروبي حقق من خلالها مكاسب سياسية كبيرة، ويريد بها تقويض الاتحاد، وخصوصا بعد تصويت بريطانيا لصالح الخروج من عضويته (بريكست). وربما ترى أوروبا الآن أن تكلفة المساعدات المالية للحل في سوريا ستكون أقل من تكلفة التبعات السياسية لأزمة اللاجئين والمهاجرين.

حلب : انقلاب الصورة

فالتغيرات السريعة على الأرض في حلب مع تقدم الجيش السوري وحلفائه في الأحياء الشرقية، ترافقها مؤشرات تدل على أن كثيرا من عواصم القرار تستعد لمرحلة ما بعد حلب.

وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت اعتبر أن سقوط حلب لا يعني أن الأزمة حُلّت وأن السلام سيتحقق، بل حذر من احتمال التقسيم بحيث تصبح "سوريا المفيدة” التي تضم المنطقة الساحلية وغرب البلاد بامتداد المنطقة من دمشق إلى حلب إلى اللاذقية، تحت سيطرة حكومة الرئيس الأسد. أما بقية سوريا فسوف تكون مقسمة بين المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، وتلك التي قال إيرولت إنها ستصبح "داعشستان”، باعتبار أن القوى المتطرفة المسلحة هي التي ستفرض سيطرتها عليها.

أما مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني فعرضت تصورات لما وصف بأنه "خطة أوروبية” لحل الأزمة، تتضمن هدنة وفترة انتقالية للترتيبات السياسية، لا تشترط تنحي الرئيس بشار الأسد، لكنها تدعو للسماح للمعارضة "المعتدلة” بالبقاء في بعض المناطق وإنشاء إدارات ذاتية في هذه المناطق. مقابل ذلك يقدم الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات مالية كبيرة لإعادة الإعمار في سوريا.

صحيفة "وول ستريت جورنال” نقلت عن أحد أقرب مستشاري ترامب أن حرب الإطاحة بالرئيس الأسد قد فشلت، وأضافت نقلا عن مستشاره نيوت جينجريتش وهو شغل موقع رئيس مجلس النواب الأميركي في مرحلة سابقة:”أعطوني استراتيجية واحدة وواقعية تضمن التخلص من الرئيس الأسد. أعرف الجواب مسبقاً بأن لا وجود لها”. و تابع: "لا وجود لتحالف قوي يمكنه هزيمة التحالف المؤيد للرئيس الأسد والمؤلف بشكل أساسي من إيران وروسيا”. وختم بالقول: "علينا أن نكون واقعيين، الأسد باق في السلطة، وروسيا ملتزمة بذلك”.

وسائل الإعلام الإسرائيلية تعاطت مع حدث "سقوط حلب” بكثير من الاهتمام والجدية واعتبرته أهم تطور في الحرب الدائرة في سوريا منذ خمس سنوات، وأهم إنجاز عسكري لنظام الرئيس الأسد.

أيال زيسر كتب في "إسرائيل اليوم”: "يصعب التقليل من أهمية إنجاز الرئيس بشار الأسد وشركائه. وهذا الإنجاز بالنسبة للزعيم السوري يشكل دفعة معنوية أو حتى ضوءاً في نهاية النفق المظلم.

عاموس هرئيل كتب في "هآرتس”: "نظام الرئيس الأسد قد استكمل إنجازه العسكري الكبير في حربه ضد المتمردين في سوريا، فالتدخل الروسي تسبب باستقرار خطوط دفاع النظام السوري وسمح للرئيس الأسد فيما بعد بإعادة سيطرته على مناطق كان فقدها، وفي حلب، يقوم الأسد بتسجيل إنجازه الأكبر”.

نداف أيال كتب في "يديعوت أحرونوت” تحت عنوان "غروب شمس الغرب”:”فيما امتنع الغرب عن التضحية من أجل العرب، لم يكن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي مشكلة في أن يضحي بدم روسي من أجل الإيرانيين ومن أجل نظام الرئيس الأسد، ولهذا انتصر”.

فروسيا تتصرف من خلفية أن سقوط حلب هو بداية نهاية المعارضة وفتح الباب واسعا لها للتحكم بمفاصل الوضع على الأرض وفي المفاوضات والعملية السياسية. ولكن، السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل سقوط مدينة حلب في الساعات أو الأيام القليلة المقبلة، هل يكون بداية نهاية المعارضة السورية المسلحة وبداية نهاية الحرب، أم بداية شكل آخر من الصراع المستمر بأشكال مختلفة وعلى جبهات جديدة؟! هل يكون بداية وضع اليد الروسية على التسوية السياسية للأزمة السورية، أم بداية اتفاق روسي أميركي جديد؟!

دبلوماسيون أوروبيون في بيروت وخبراء في شؤون الشرق الأوسط يولون أهمية قصوى لتطورات المعركة في حلب التي تعد مفصلية ونقطة تحول أساسي في مجرى الحرب، وللوضع الذي سينشأ بعدها في سوريا وبين الدول المعنية بها والمتواجدة على أرضها، ومن أبرز الملاحظات والاستنتاجات التي يمكن الخروج بها استنادا الى ما يدلي به هؤلاء من آراء وتوقعات:

١-أوساط متعاطفة مع المعارضة السورية تعتبر أن نتائج المعركة الميدانية في حلب ستكون مؤثرة من دون شك، لكنها لن تكون الحاسمة، لأنها في نهاية المطاف جزء من صراعات وتنافسات إقليمية ودولية لن تحسم، ولن تجد طريقها إلى التهدئة والتوازن قبل انطلاقة الإدارة الأميركية الجديدة.

٢-الاعتقاد السائد أن سيطرة التحالف الروسي - الإيراني على حلب قريبا لن تنهي الحرب، ولن تئد المعارضة، بل ستطوي الخطر الاستراتيجي للتمرد على نظام الرئيس بشار الأسد، ويعيد بعث المكانة السياسية للنظام السوري الذي يسعى الى استعادة مكانته في المجتمع الدولي من طريق دعوة المؤسسات الدولية الى تسليمه أموال إعادة الإعمار. وتسليم نظام الرئيس الأسد أموال إعادة الإعمار هو اعتراف ببقائه في السلطة، ويساهم عملياً في تيسير عملية بسط نفوذه من جديد، وفي تعزيز فكرة تعايش المجتمع الدولي معه.

٣-الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أحسن إدارة الصراع في سوريا. غازل الكرد في سورية وأبدى استعداداً لتفهم مطالبهم. وضمن علاقة تنسيق جيدة مع إسرائيل، وكذلك مع الأردن الذي يمسك بحركة الفصائل في الجنوب. واستعاد علاقات حميمة مع تركيا التي تمسك أيضاً بالفصائل الناشطة في الشمال السوري.

باختصار، استعجال بوتين إعادة حلب إلى حضن الشرعية أياً كان الثمن وأياً كانت الاعتراضات يستهدف فرض وقائع جديدة أمام الإدارة المقبلة لدونالد ترامب التي ترث تركة حافلة بالتعقيدات والفوضى في الشرق الأوسط، خصوصاً أن وزير الدفاع المقبل الجنرال المتقاعد جايمس ماتيس، كان انتقد تراجع تأثير بلاده في الشرق الأوسط. وفي ذلك ما يعيق استراتيجية موسكو الساعية إلى بناء تحالف واسع في المنطقة يعيد إليها دورها "السوفياتي” وموقعها قطباً دولياً. أو في أحسن الأحوال ستشهد العلاقات بين الكرملين والبيت الأبيض مرحلة تعاون وصراع تبعاً للقضايا موضوع النقاش بين الطرفين، وهي كثيرة تبدأ من أوكرانيا والعقوبات ولا تنتهي في سوريا.