عن اغتيال السفير الروسي وثقافة الارهاب في تركيا
شارل أبي نادر
مع اغتيال السفير الروسي اندره كارلوف في انقرة ، في عملية ارهابية تعتبر من الأكثر جرأة و وقاحة مما نُفذ وينفذ في الاقليم والعالم ، دخلت المواجهة ضد الارهاب الذي ترعاه تركيا - بطريقة مباشرة او غير مباشرة ، مقصودة ام غير مقصودة - منعطفا حساسا وخطرا ، وبات الامر يستدعي استنفارا استثنائيا و خارجا عن المألوف بكل ما للكلمة من معنى .
لم نعد نتكلم هنا فقط عن عملية ارهابية نفذها احد عناصر الامن المتشددين ، والذين قد نجد بعضا منهم في اغلب الجيوش او الاجهزة الامنية ، خاصة في بلد يعيش اجواء صاخبة في التشدد المذهبي والقومي في داخله و مع محيطه
كما ان الموضوع لم يعد عبارة عن خلل اداري او تنظيمي ، احدث ثغرة امنية في تكامل اجراءات معينة ، استغلها المنفذ او المنفذون ودخلوا عبرها الى منطقة ، كان من المفترض ان تكون محمية ومحصنة ، خاصة بوجود سفير دولة كبرى ، هي رأس الحربة ضد الارهاب في معركة مكشوفة في الشرق والاقليم والعالم .
ولم يعد الموضوع ايضا عبارة عن جو من التشدد او التطرف ، و على خلفيات متعددة منها الديبلوماسي ، السياسي ، المذهبي او القومي ، افرز هذا الجو تصرفات و عمليات عدائية ضد ممثلي روسيا وطياريها ، قام بها افراد او مجموعات تركية ، مدنية او امنية او عسكرية ، و ايضا في جو مشحون اساسه علاقات مأزومة ، وصلت خلال اكثر من حادثة ديبلوماسية او شبه ميدانية في الجو وفي البر، الى الخطوط الحمراء قبل التصادم العسكري العنيف .
في الحقيقة ، اصبحت تركيا عبارة عن دولة تعيش اجواء بركان من نار وحقد وكراهية ، تنام وتصحوعلى صفيح يغلي دماء وقتلا و اجراما ، داخل مجتمع لم يعد يرى في من يجاوره او في من يحاوره الا مشروعَ هدفٍ للقتل او للتدمير اوللسيطرة .
اصبحنا نتكلم عن دولة رأت في الارهاب طريقا لمواجهة خصومها في السياسة ، واسلوبا لايفاد رسائل الفرض والتهديد ; نتكلم عن دولة رأت في القتل والاجرام وسيلة لتحقيق غاياتها في المؤامرات و التأثير على الشعوب وفي التدخل في الدول و زرع الفتن والدسائس بين مكوناتها .
اصبحنا نتكلم عن ثقافة ارهاب بكل ما للكلمة من معنى ، نتكلم عن حالة من انعدام الوزن و فقدان السيطرة في دولة يبدو انها ، حتى لو قررت التعاون في مكافحة الارهاب - وهذا مشكوك فيه دائما - تفشل في اقناع او في اجبار مواطنيها ورجال الامن والمخابرات لديها وطياريها وضباطها على تنفيذ قراراتها ، والادلة على ذلك عديدة ومنها اخيرا عملية اغتيال السفير الروسي في انقرة على يد رجل امن ، هو المكلف قانونا وتنظيميا وامنيا بحماية المكان ورواده وخاصة الشخصيات الحساسة وممثلي الدول الاجنبية .
ما حدث كان الصورة الاصدق عن تركيا ، نقلها القاتل بامانة وشفافية .
انه الجندي الوفي لعقيدة دولته الامنية والعسكرية .
انه رجل الامن الناجح الذي نفذ بامان وبحرفية ما تعلمه في معاهد التعليم وفي مناورات التدريب على العمليات الخاصة بكل هدوء وثقة وبخطى ثابتة وباعصاب متماسكة .
لقد عبر بكل امانة عن روح واهداف مهمته و عمله .
لم يكن اغتيال السفير الروسي اندره كارلوف في انقرة مختلفا بالعمق وبالمضمون عن اطلاق صواريخ ( جو - جو) او (ارض – جو) على السوخوي الروسية واسقاطها في ريف اللاذقية ، وبالطبع لم يكن هذا الاغتيال ايضا مختلفا عن اعدام الطيار الروسي باطلاق النار عليه والتمثيل بجثته بعد ان سقط بمظلته من طائرته المدمرة في اجواء سوريا ، ولم يكن مختلفا عن عمليات اعدام حامية مطار ابو الظهور في ريف ادلب والذين استسلموا للغزاة الارهابيين الاتراك الهوى والتوجه ؛ وحتما لم يكن مختلفا عن اعدام المدنيين والعسكريين في مدينة جسر الشغور بعد ان دخلها العثمانيون فاتحين منتصرين مهللين لانكسار الجيش السوري في بقعة طمعوا فيها دائما وعلى مر التاريخ .
واخيرا ... وحيث لا يمكن تجاوز ما تمثله هذه الدولة الاقليمية - الاوروبية - الاسيوية من بعد امني ، اقتصادي و جيوسياسي في المحيط والعالم بشكل عام ، وحيث لا يمكن الاستهانة بما تملكه من قدرات عسكرية وامنية مؤثرة وفعالة في استراتيجية الصراعات الاقليمية والدولية بشكل عام ، وحيث من جهة اخرى لا يمكن الا الاعتراف بانها اصبحت دولة خطرة على الامن والسلامة الدولية والعالمية نظرا لمستوى الكراهية والحقد التي يحملها مواطنوها وجنودها ومسؤولوها ، لا بد من تكوين جبهة اقليمية ودولية لمواجهة هذه الحالة التركية غير الآمنة ، والعمل على تطويق هذه القدرات والامكانيات المبنية على خلفيات متشددة ، والتي لا شك ان حكومتها قد فقدت السيطرة عليها بعد ان غذتها ورعتها واطلقتها لحماية مشروعها التاريخي في التوسع والهيمنة والاحتلال .