د. كاظم ناصر
* نحن أمّة غريبة في تناقضاتها وحتى في أفراحها وأحزانها . إنّنا اتقياء ورعون قولا ومنافقون فعلا ، نتكلّم عن الشجاعة ونجبن عندما يحين وقت التضحية ، نصادق لسنوات ونخون أصدقاءنا في ساعات ، نتكلّم عن الحق ونقف مع الباطل وندافع عنه ، نلقي محاضرات في الأمانة ونخونها في أول فرصة تعطى لنا ، نرقص مع الناس ونشتمهم بعد خروجنا من حلبة الرقص ، نبتسم في وجوه الآخرين ونعلي شأنهم بوجودهم ونأكل لحمهم في غيابهم ، نفعل كل هذا وأكثر ، ونصر على طهارتنا ونقائنا ونعتقد أننا .. أنظف .. أمة على وجه الكرة الأرضيّة !
* وأخيرا تعلّمنا فنّا جديدا من مشايخ الخليج الفارسي إسمه … فن البكاء والرقص المشترك على قتلى الأمة … حكام الخليج الفارسي جنّ جنونهم بعد أن سيطر الجيش السوري على شرق حلب ، وعلت أصوات البكاء والنواح وسالت الدموع أنهارا حزنا على قتلى حلب الأبرياء ، بينما تبدع طائرات التحالف الخليجي في قتل الأبرياء من شيوخ ، وشباب ، ونساء ، واطفال اليمن وأهل حلب ، وحكام الخليج الفارسي يرقصون إحتفالا بذلك .
* أنا ضدّ الكتاتوريات العربية من المحيط إلى الخليج الفارسي ، وضدّ القتل الذي جرى ويجري في شرق حلب ، وضد القتل والتدمير الذي يجري في سورية وفي والعالم العربي والعالم ، وأعتقد أن كل من يقتل مواطنا في أي زاوية من زوايا حلب وسورية … مجرم … ويجب أن يعاقب على جريمته . من حق الشعب السوري أن يغيّر نظامه الديكتاتوري التسلطي بإرادته ويقيم دولة القانون الديموقراطية . إنّه هو صاحب الحق الأول والاخير في إختيار النظام الذي يريده ، وهو قادر على ذلك ، ولا يحتاج إلى هؤلاء القتلة والمرتزقة لتقرير مصيرة .
* الوضع في سورية مأساوي . لقد دمّرت البلد وقتل أكثر من مليون مواطن من أبنائها ، وشرّد الملايين منهم في بقاع الأرض ، وتحوّلت معظم مدنها إلى ركام . هل هذا يخدم الشعب السوري والأمة العربية ؟ الحرب في سورية صراع دولي تستخدم فيه أمريكا وروسيا … عربا ضد عرب ومسلمين ضد مسلمين … دفاعا عن مصالحمها في المنطقة العربية ، ومن أجل تعزيز نفوذهما السياسي والاقتصادي والعسكري على الصعيد الدولي ، وتفكيك الوطن العربي وتدميره .
* ولكن لا بد من السؤال ما هي مصلحة دول الخليج الفارسي وبعض الدول العربية المشاركة في هذا القتل والدمار ؟ اليس من العار علينا جميعا أن نتبارى في تدمير ذاتنا وتحطيم مستقبل أوطاننا وأبنائنا ؟ هل الذين يقاتلون في سورية من مشايخ الخليج الفارسي يفعلون ذلك من أجل العدالة والديموقراطية ؟ أليست دول الخليج الفارسي من أكثر الدول فسادأ وظلما في العالم ؟ وهل التحالف الخليجي الإسرائيلي الأمريكي الذي يدمر سورية ، واليمن ، وليبيا ، ويحاول حرق مصر يفعل هذا من أجل الوحدة العربية ، ومن أجل تحرير القدس والأوطان العربية المحتلة ، وخدمة للإسلام والمسلمين ؟
* إن ما يجري في شرق حلب مؤلم جدّا وتقشعرّ له الأبدان وندينه ونرفضه جميعا ، لكنني لا أفهم لماذا يبكي بعض العرب على تدمير شرقها ويرقصون على تدمير غربها وشمالها وجنوبها ! أليست .. حلب هي حلب .. التي يعيش في شرقها وغربها وشمالها وجنوبها ملايين من السوريين من جميع الأديان والمذاهب والمشارب السياسية ؟ هل قتل نصف أهل حلب حلال وقتل النصف الآخر حرام عند بعض العرب ؟
* إن كل ما حقّقه حكام الخليج الفارسي لهذه الأمة في تاريخهم هو .. الدسائس والموآمرات والقتل ..! بلايين الدولارات التي أنفقوها وينفقوها على تدمير الوطن العربي والتآمر عليه ، كان يجب إنفاقها في مساعدة الفقراء من مواطنيهم ، وتطوير دولهم ، ومساعدة العرب الذين علّموا لهم مواطنيهم ، وعالجوا رجالهم ونساءهم وأطفالهم ، وبنوا لهم أوطانهم بعرقهم ومهاراتهم .
* العالم كله لا يفهم تناقضاتنا ، ويندهش من قدرتنا على قتل بعضنا بعضا ، ويستغل خلافاتنا وحروبنا من أجل مصالحه . أمّا نحن فإننا ندفن رؤوسنا في رمال الصحاري العربية القاحلة ، ونمعن في تبرير .. جهلنا وتخلّفنا وقتلنا لأبنائنا ونحرنا لأوطاننا إرضاء لأعدائنا .. وبإسم ماذا ؟ بإسم العدالة والوحدة العربية والاسلامية !!!