د. أحمد الزين
شهد اليمن مناوشات كبيرة منذ بداية 2004م وهي سنة الانطلاق الفعلي لحركة الحوثيين التي يقودها حالياً السيد عبدالملك الحوثي، والتي شهدت وفاة مؤسسها السيد حسين الحوثي الأخ الأكبر لعبد الملك، رافع (أو ناقل) شعار: الموت لأمريكا. والساخط على تحركات السفير الأميركي الأسبق أدموند هول.
هذه المناوشات مروراً بنشوء الحراك الجنوبي الداعي إلى انفصال جنوب اليمن عن شماله، عام 2007م، ودخول السعودية على خط المواجهات مع الحوثيين عام 2009م نتيجة تجاوز الحوثيين للحدود المشتركة بين اليمن والسعودية مما اعتبرته تهديداً إقليمياً إيرانياً (..) شهدت ارتفاعاً في الوتيرة مطلع سنة الربيع العربي 2011م، بعد جولة أميركية تصدرتها وزير الخارجية السيدة هيلاري كلينتون، وخرج الشباب في اليمن بعد تونس ومصر إلى الساحات.
بعد نظرة سريعة على ما طفا في ساحات اليمن، استدارت الرؤوس تنظر صوب ما انفجر، وهو ما بدأ اليمنيون يطلقون عليه "صراع اليمنيين الحمر” نسبة إلى قبيلة الأحمر التي عُرف أطراف الصراع المباشر بالانتساب إليها قبل أن تتضح أسماء عائلاتهم الأصلية!
بلغ ذاك الصراع مستوىً دامياً باغتيال عدد من شباب التظاهرات ثم قصف بيت مشايخ المعارضة اليمنية من آل الأحمر ثم تفجير مسجد الرئاسة اليمني وحرب شوارع محدودة إلى أن تقرر، بعد قرار أممي من مجلس الأمن الدولي، توقيع بعض أطراف الصراع على اتفاق التسوية السياسية المعروفة بالمبادرة الخليجية، المشار إلى دور أميركي في صوغها أو مباركة أميركية عبر السفير السابق جيرالد فايرستاين، التي نصت ثم أفضت إلى تسليم السلطة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى نائبه وهو الرئيس اللاحق عبدربه منصور هادي لمدة سنتين انتقاليتين ثم تشكيل حكومة وفاق وطني 2011م وعقد مؤتمر حوار وطني برعاية إقليمية ودولية واسعة 2013-2014م، مرر النافذون من المتحاورين فكرة تمديد الرئاسة لهادي خلافاً للتزمين الوارد بالمبادرة وآليتها التنفيذية، كما مرروا خارج ردهات مؤتمر الحوار تقسيم اليمن إلى 6 أقاليم بشكل بدا مجحفاً لمناطق بعض المشاركين الفاعلين، ممن فرضوا -برضا داخلي وغض طرف خارجي- خياراتهم على أرض الواقع بتمدد حركتهم، وعلى وجه الخصوص: الحوثيون.
بقيت الأزمة اليمنية، أو ما درج بعض العارفين على تسميتها بـ”اليمننة”، في حدود الفعل ورد الفعل، والتربص الداخلي والخارجي معاً حتى آذار 2015م عندما بدأت "عاصفة الحزم”، والتي كجميع الحروب والعواصف في المنطقة انطلقت بعد ضوء أخضر أميركي كان واضحاً في تفعيل تيارات العاصفة: من دخول الحوثيين إلى الاتفاق السياسي الداخلي معهم، ثم تأجيج الخلاف بعد عودة الرئيس هادي عن استقالته مع ترجيح خروجه من عدن في أقل من 24 ساعة، حسب تصريح للسفير الأميركي ماثيو تولر كما رصده متابعون، قبيل انطلاق عاصفة الحزم المعلن عنها من واشنطن على لسان الوزير السعودي عادل الجبير وهو لا يزال سفيراً بواشنطن يومها، ما جعل اليمنيين بصنعاء يصفون العاصفة وقوات التحالف العربي بقوات العدوان السعودي الأميركي!
لكن لماذا أثار الأميركي هذه العاصفة؟
يشار إلى أن بإمكان أميركا في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين الاعتماد كلياً على مخزونها النفطي دون الحاجة إلى نفط الخليج الفارسي، لذلك يفترض بعض المحللين رغبة الشريك الأميركي بالانفصال عن شريكه العربي، تحديداً: المملكة العربية السعودية. وجرياً مع حالات الانفصال السابقة التي يلقي فيها الشريك الأميركي بالشريك القديم في أتون حرب طويلة الذيول مع بلاد مجاورة له، كما حصل للرئيس العراقي صدام حسين بعدما تلقى شارة الموافقة على احتلال الكويت من قبل السفيرة الأميركية. وثارت عليه "عاصفة الصحراء” العربية والغربية. ويقدر المحللون أن السعودية أصبحت غير ذي فائدة للأميركي الذي تغيرت حساباته وتقديراته، فأطلق شارةً خضراء إلى السعودية لمهاجمة اليمن تحت ذريعة إثبات قدراتها العسكرية بمواجهة التهديدات الإيرانية من خلال ضرب وكلائها اليمنيين حسبما تعتبرهم السعودية التي فوجئت بإبرام الاتفاق النووي بين إيران والمجتمع الدولي (..). كما فوجئت السعودية بأن الشريك الأميركي عمل على إفشال التحضير للهجوم البري الكثيف على العاصمة صنعاء، مكتفيا بالضربات الجوية، لأن الأميركي يدرك أن اليمن، برغم إمكاناته البسيطة، يمتلك إرادة قوية وصلبة تجعل التفوق البري عليه من المستحيلات.
عليه؛ تبدو فكرة مهاجمة اليمن سبيلاً لفك الارتباط الأميركي السعودي بالإضافة إلى أنه يؤمن للخزينة الأميركية عائدات بمئات المليارات من الدولارات من جراء بيع السلاح.
تخلل السنة الثانية من الحرب على اليمن إقرار قانون جاستا الذي شرع لضحايا 11 سبتمبر بمقاضاة السعودية. فردت المملكة بأنها ستسحب جميع أموالها من أميركا والتي كانت ستؤدي حتماً إلى انهيار اقتصاد بلاد العم سام، والذي ردت دوائر في إدارته من خلال أمرين:
– أولاً: التلويح باستعداد القضاء الأميركي -تحت ذريعة تطبيق "جاستا”- بإصدار قرار حجز على الأموال السعودية المهدد بسحبها.
– ثانياً: التضليل لقوات التحالف بقيادة السعودية بمعلومة عن وجود كبار القياديين الحوثيين في مجلس عزاء بوفاة أحد زعماء القبائل باليمن، وهو والد وزير الداخلية المعين من هادي قبل استقالته بشهور، فأغار طيران التحالف على هذا المجلس، وكانت مجزرة "القاعة الكبرى” التي نصبت السعودية في مواجهة منظمات حقوق الإنسان الدولية ليتدخل "الشريك الحنون” لإنقاذ السعودية من ورطتها، ولو بالتوبيخ السياسي والإعلامي، وعرض خطته لإنهاء الحرب، التي لا تزال برسم العرض من جانب المبعوث الأممي وبرسم الدرس من جانب الأطراف اليمنية التي لا تقر أي منها بشرعية الآخر!
بناءً على ما ورد أعلاه فإن الحرب على اليمن يكون من بين أهدافها المضمرة (والجلية في آن واحد): استنفاد قوى السعودية المالية والمعنوية مما يضعف دورها في الشرق الأوسط. لذا من المتوقع أن تطول الحرب قليلاً لتصبح السعودية نتيجة ذلك في أضعف حالاتها وعندها يمكن للشريك الأميركي رسم مستقبل السعودية كما يشاء: بترسيم حدود دورها الخارجي، وتقسيم حدودها الداخلية -بعد بدء تجربة التقسيم أو الفيدرالية باليمن- وفقاً لمذهبية وطموحات كامنة! سواءٌ في ذلك انفرط عقد الشراكة بينهما أو ارتبط أكثر؟