إرتياب الطغاة من آل الرسول وشيعتهم
* جميل ظاهري
منذ بزوغ شمس الإسلام وتاريخنا الاسلامي مليء بصفحات تروي صراع الطغاة المتفرعنين الظلمة الجهلة الحاقدين على الخالق والمخلوق وحرية الناس وحقوقهم، مع خاتم المرسلين (ص) وأهل بيته الميامين الأطهار وشيعته وأنصاره ومحبيه؛ حيث يرتابونهم شر إرتياب ويهابونهم شر مهابة؛ ولن يتوانوا (الطغاة) من إرتكاب أبشع الجرائم والقذف والكذب والإفتراء ضد أهل الحق وطريق الصواب ودعاة الاصلاح والتغيير وحرية البشر والعبودية لله سبحانه وتعالى دون غيره؛ فيسيرون أنهاراً من الدماء البريئة لأجل مصالحهم الفردية والقبلية في حب الدنيا ومطامع السلطة والسطوة ونشوة الفسق والفجور وتفرعن وطيش التصدي لأحكام الخالق الجبار ورسالة السماء السمحاء .
الطغاة يتشابهون في أفعالهم وفي أوهامهم؛ ويتماثلون في الاصول وإن أختلفوا في التفاصيل؛ ويتناسخون في بدء رحلة الطغيان بالاستكبار والاستعلاء على شعوبهم ويظنون أنهم أوتوا الملك على عِلمٍ من عندهم ولخصوصيةٍ في ذواتهم؛ رغم مرور الأزمنة والأعصار حيث يتوارثون جيلاً بعد آخر التسلط والتكبر والكفر والتفرعن والجبروت والبطش والجنون والاستبداد والغباء والحماقة والكذب والتكفير والمراوغة والاحتيال والإجرام وعدم تعلم الدروس وأخذ العبر مع وجود بطانة فاسدة مثلهم تمثلهم ويمثلون عليهم، ولايختلفون إن كانوا من أبناء الطلقاء والبغايا بنو أمية الشجرة الخبيثة ونسلهم القائم حتى يومنا هذا يظهر في مواريث الأنظمة الرجعية الحاكمة في مجتمعنا العربي، أو من أبناء بني عمومتهم العباسيين، فما أشبه الليلة بالبارحة كما يقول المثل ولكن لا حياة لمن تنادي.
دار الزمان على بني أمية الطلقاء الفاسقين الفاجرين أبناء ذوات الرايات، وقامت ثورات عنيفة ضد سلطانهم وحكمهم وجبروتهم وطغيانهم وفرعنتهم، الى أن قضت على آخر ملوكهم "مروان الحمار"، كما جاء وصفه في القرآن الكريم "فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (سورة الانعام - الاية 45)؛ على يد أبناء عمومتهم بني العباس الذين استغلوا النقمة العامة على الأمويين ومعارضة الشيعة لحكمهم وتعلق الناس بالعلويين والعمل لصالحهم فمضوا مع تلك التيارات المعادية لبني أمية ينددون بما أرتكبوه مع العلويين، وهم يتباكون على الامام الحسين (ع) وأسرته متذرعين بفاجعة عاشوراء وأمتطوا الخلافة الاسلامية وأنقلبوا الى وحوش كاسرة وفاقوا بني أمية إجراماً وبشاعة وفسقاً وفجوراً وتنكيلاً بابناء الرسول (ص) وشيعتهم وأنصارهم ومحبيهم والسالكين على دربهم ونهجهم، وتفنوا في إبتداع طرق الجريمة والقتل ومنها دفن العلويين وشيعتهم وهم أحياء في الجدران والأسطوانات، أو التنكيل بهم في قعور السجون المظلمة ، حتى قال الشاعر:
والله ما فعلت أمية فيهم معشار ما فعلت بنو العباس
جريمة قتل الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) الامام الثامن من أئمة الهداية الربانية، على يد المأمون العباسي في آخر شهر صفر سنة 203 بعد أن دس السم اليه بواسطة عنب مسموم قدمه المأمون بنفسه مجبراً الامام (ع) على أكله وإلا قتله؛ صفحة إجرامية سوداء اخرى من تاريخ الخلفاء العباسيين الطغاة خاصة اولئك الذين عاصرهم الامام الرضا (ع) وكانوا قد أولجوا في الجريمة والخديعة وقتل ابناء رسول الله (ص) وشيعتهم ومحبيهم، وهم: المنصور، والمهدي، والهادي، وهارون، والأمين والمأمون؛
المأمون العباسي كما حال الكثير من حكام التوريث العربي المجرمين، انتهج سياسة إستحواذ أولياء وصلحاء الأمة ووضعهم تحت الإقامة الجبرية أو في قعور السجون؛ أمر بنقل الأمام الرضا (ع) من المدينة المنورة الى خراسان ليكون تحت نظره لا بعيداً عنه ليحول دون اتساع نطاق إلتفاف المسلمين حول الامام (ع) والتغذي من علومه وحكمته وتبيينه لحقائق الدين الاسلامي المحمدي الأصيل القائم على العدل والمساواة والمحبة والمودة، لا التكفير والقتل والدمار وإستعباد الناس ومذلتهم وإرغامهم على الركوع لغير الله سبحانه وتعالى، تلك السياسة المتفشية في مسير حكم الأنظمة الموروثية في السعودية وقطر والبحرين والكويت والاردن وغيرها من بلاد المسلمين .
أقدم المأمون العباسي وبكل جسارة ووقاحة على قتل الامام الرضا (ع) خوفاً من التفاف الأمة من حوله، وفزعاً من الكشف عن ظلم وجور وحقد وكراهية وإجرام بني العباس خليفة بعد آخر على العلويين بعد أن أعتلوا السلطة بإسمهم؛ ثم أخذ يتباكى وبكل زيف على مقتل الامام (ع) فلبس السواد واعلن الحداد في البلاد حيث كانت له من وراء ذلك مآرب اخرى، ما يطرح سؤالات عديدة من وراء إرتياب المأمون من تداعيات قتله للامام علي بن موسى الرضا (ع) لما للامام من مكانة مرموقة ومحبة بين أوساط الأمة.