جردة حساب ’إسرائيلية’ على ضوء المتغيرات السورية
سركيس ابو زيد
تختلف الحسابات السياسية للدول اللاعبة في الميدان السوري عن الحسابات العسكرية الميدانية. وإسرائيل لاعب بارز على الساحة السورية ويكاد يكون المستفيد الوحيد مما يحدث في الشرق الأوسط عامة، وسوريا خاصة.
لكن دخول الدب الروسي على أرض المعركة قلب الطاولة على المتآمرين على سوريا وغيّر قانون اللعبة، وأجرى تعديلات عسكرية ميدانية أثارت حفيظة الأمريكيين والأتراك والأوربيين، ومعهم إسرائيل، التي أبدى مسؤولوها العسكريون اهتماما لافتا بالتعزيز العسكري الذي أجرته روسيا في سوريا، وهو تعزيز آخذ الى تصاعد. ما أزعج الإسرائيليين الذين بدأوا يشعرون أن مصالحهم وخططهم الاستراتيجية باتت مهددة بالكامل، في ضوء الانتصارات التي يحققها الحلف السوري - الروسي -الإيراني، ومعه حزب الله والمتغيّرات التي أحدثها هذا الحلف في الميدان السوري، بعد تضييق الخناق أكثر على الطرف الشرقي لمدينة حلب مؤخرا، وهزيمة التنظيمات الإرهابية، وتداعيات هذا الأمر على سير المعارك واستمرار الحرب.
ورأى محلل عسكري إسرائيلي في موقع "nrg" الإسرائيلي أن الوضع في سوريا في هذه المرحلة لا يُبشر بالخير لقوات المعارضة التي تقاتل الجيش السوري في حلب، وقال: "في حال نجحت قوات الجيش السوري بالسيطرة على المدينة بشكل كامل، فإن هذا الأمر سيشكل ضربة ليست سهلة للمسلحين، على الصعيدين المعنوي والعملي على الأرض، ما سيكون إنجازاً مهما وله مدلولات استراتيجية للجيش السوري وحلفائه".
جردة حساب اسرائيلية
موقع "والاه" الإسرائيلي تناول مخاوف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من تسرّب أي معلومات عن نشاطات سلاح الجو الإسرائيلي الى جهات معادية لها، تتعاون معها روسيا، وذلك بعد نشر روسيا لمنظومة الدفاع الجوي المتطورة "أس 400" في سوريا، ما يؤدي الى تغيير قواعد اللعبة وسيقيد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي.
وهذا ما دفع عددًا من الجنرالات السابقين في الجيش الصهيوني إلى التوجه الى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مطالبين بتغيير سياسته في سوريا، التي تستند إلى التنسيق مع روسيا، والانضمام إلى الموقف الأميركي. فاللقاءات المتكررة بين رئيس الحكومة نتنياهو والرئيس الروسي بوتين، استقبلت بفتور من قبل واشنطن، لكن نتنياهو يعتبرها امرًا حيويا في الحفاظ على إسرائيل خارج المواجهات في سوريا.
وقال الجنرال احتياط إليعيزر تشيني ماروم، القائد السابق لسلاح البحرية الإسرائيلي والعضو السابق في هيئة رئاسة الأركان العامة:" إن الموقف التقليدي الإسرائيلي تجاه الأوضاع مع سوريا لم يعد مجديا، وبالتالي فإن إطلاق الصاروخ المضاد للطيران تجاه مقاتلات سلاح الجو الإسرائيلي، التي هاجمت أهدافاً في سوريا في بداية شهر أيلول، كانت رسالة واضحة لإسرائيل تفيد بأن الوضع لم يعد كما كان سابقًا، وكحال التنسيق الأميركي -الروسي الذي انهار، يبدو أيضا أن التنسيق الإسرائيلي -الروسي لم يبق على حاله. إن الوضع الجديد في سوريا سيلزم الولايات المتحدة، من دون شك، بالرد وملاءمة نشاطاتها، وستضطر إسرائيل هي الأخرى إلى الاقتصاد بخطواتها، وانتهاج موقف حكيم على المدى الاستراتيجي".
وفي السياق نفسه، نقل المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، على لسان جنرالات آخرين أن :"من الواضح أن سيناريو المواجهة بين الطائرات الأميركية ومنظومة الدفاع الجوي الروسية والسورية في أجواء سوريا، والذي يعتبر غير واقعي حاليا، ستكون له آثار ملموسة على إسرائيل أيضا. وعلى الرغم من وقوف إسرائيل، رسميا في المعسكر الأميركي، فإن حكومة نتنياهو اهتمت في السنة الأخيرة بتحسين وتوثيق علاقاتها مع موسكو، خاصة من أجل منع حوادث جوية غير مرغوب فيها مع الطائرات الروسية".
ومؤخراً، أظهرت مقابلتان نشرتهما صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من حكومة بنيامين نتنياهو، لمناسبة "يوم الغفران اليهودي" الذي يشكل في العادة مناسبة لمراجعة المواقف، بعض آفاق التوجهات السياسية الإسرائيلية في المرحلة المقبلة:
التوجه الأولى: عبر الجنرال يوآف غالانت، وهو وزير وعضو في المجلس الوزاري المصغر، حيث أكد أن :"الوضع الحالي يضعف أعداءنا. حزب الله مشغول في سوريا. الاتفاق النووي أبعد إيران لبضع سنوات. دول أخرى تنشغل بمشكلاتها الداخلية واستيعاب اللاجئين. وضعنا لم يسبق له أن كان أفضل مما هو عليه الآن".
وشدد على وجوب استغلال الفرصة المتاحة حالياً حيث "من الناحية السياسية نحن نوجد في واقع يتطلب منا عقد تحالفات مع كل من نستطيع التحالف معه. والسبب بسيط: أغلبية العالم الإسلامي، 90 % منه من السنة، ومن بينه 90 % معتدلون. أعداؤهم هم أعداؤنا: الشيعة المتطرفون بقيادة إيران، أو السلفيون و"القاعدة"، و"داعش" وأمثالهما. يهدد المتطرفون الأنظمة المعتدلة، لذلك فإن إيران هي العدو الأساس لإسرائيل، وهي تعمل ضدنا في خمس ساحات، ويجب منع سيطرتها على سوريا وحصولها على السلاح النووي"
التوجه الثاني: من خلال رئيس شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي الجنرال نيتسان ألون، الذي قال إن: "وضع إسرائيل جيد من الناحية الاستراتيجية، لكن احتمالات الخطر قائمة، خصوصاً في الساحة الفلسطينية. وأشار إلى أن إسقاط حكم "حماس" يتطلب الانتصار في الحرب وأن الانتصار في غزة لا يستدعي تدمير قوة العدو العسكرية بالكامل، بل منعه من العمل بنجاعة. أيضاً في حرب الأيام الستة قمنا بتدمير نسبة قليلة من قدرات الجيش المصري، لكننا منعناه من القدرة على العمل، وبذلك حسمنا المعركة عسكريا. والأمر نفسه يسري على حزب الله في الشمال، حيث إنه بالتأكيد تحدٍ أكبر بسبب قدرات حزب الله العسكرية. ولكن محظور علينا التشوش. الجيش الاسرائيلي أقوى بكثير من حزب الله، وقدرتنا على حسم المعركة العسكرية قائمة بالتأكيد".
وأما في سوريا فقد اعتبر الخبير الإسرائيلي في الشؤون السورية البروفيسور أيال زيسر في صحيفة "إسرائيل هيوم" أنه خلال السنوات الست من الحرب السورية، قدّر الخبراء أكثر من مرة بأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد هو السقوط، لكن في كل مرة كانت تقترب نهاية الرئيس الأسد، يحدث تحول مفاجئ يعد فرصة لبقائه على كرسيه، فكل محاولة لتنبؤ المستقبل في سوريا فشلت في الماضي وستفشل في المستقبل، ولكن على الرغم من ذلك لايمكن التنكّر للإصرار الروسي الإيراني غير المحدود على حماية كرسي الرئيس بشار الأسد. لا يمكن أيضا، إنكار وهن المتمردين، بل أكثر من ذلك، وهن أنصارهم، ولا يمكن التنكر للقرار الاستراتيجي الذي اتخذه الرئيس الأميركي باراك أوباما بسحب أياديه من سوريا وعدم العمل فيها."
فالدولة السورية بقيادة الرئيس الأسد لم تنهار، وحتى إن تقلصت حدودها التي تتركز فيها غالبية السكان، الذين يدعمون الرئيس الأسد أو يبدون استعدادهم للعيش تحت نظامه، هم سوريون من مختلف الطوائف والفئات يتوقون الى الاستقرار والأمان، وفي المقابل، فإن المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون تنتشر فيها الفوضى ولم ينجحوا بتشكيل بديل عنها.
باختصار، الحرب في سوريا برأي الخبراء الإسرائيليين ستطول وستشهد صعودا وهبوطا، لكن إذا استمر التوجه الذي شهدناه في السنة الأخيرة، سيتم دفع الإرهابين الى الهامش وسيفقدون كل أمل بالانتصار في الحرب، كما سيتم دفع الأكراد، للعودة الى أعماق الدولة السورية، وسيتم أيضا طرد تنظيم "داعش" الى أعماق الصحراء السورية والعراقية. وفي مثل هذا الوضع سيتمكن النظام السوري من العودة تدريجيا واستعادة المناطق التي سقطت من أيديه.