التوازن الذي فرض انتخاب العماد عون
غالب قنديل
تناول المحلل الشهير غالب قنديل أبعاد انتخاب العماد عون رئيسا للبنان بعد عامين ونصف من الفراغ الرئاسي، حيث كتب في صحيفة الشرق الجديد معتبر أن ترشيح العماد عون للصمود السوري ونتيجة لثبات حزب الله.
وجاء في المقال الذي حمل عنوان: "التوازن الذي فرض انتخاب العماد عون" :
المبادرة لتبني ترشيح العماد عون هي ثمرة ذلك الصمود السوري ونتيجة لثبات حزب الله وقد ظهر المحور الأميركي السعودي إلى الواجهة خلال الأيام القليلة الماضية ليرعى رضوخ حليفه الشيخ سعد الحريري للتوازن الجديد باعلان قراره انتخاب العماد ميشال عون مكرسا اعترافه غير المعلن بمحورية دور حزب الله في المعادلة الوطنية اللبنانية وفي صياغة التوازن السياسي اللبناني.
ليست التسويات السياسية نتاجا لعبقريات فردية بل هي حصيلة معادلات قاهرة وقبول المحور الأميركي السعودي بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية ليس تلبية او مواكبة لانفعال عاطفي يثيره الأسى لفراغ سدة الرئاسة اللبنانية بل هو تراجع قسري فرضته المعادلة التي أنشأها صمود سورية والمقاومة ومحورهما الإقليمي على صعيد المنطقة التي اجتاحها المحور الأميركي السعودي وشركاؤه في الغرب والمنطقة بالإرهاب التكفيري وغمروها بالتدخلات السياسية والعسكرية وكانوا يريدون تدمير محور المقاومة .
اولا يكفي السؤال ماذا كان سيحل بلبنان واي رئيس سينتخب لو انتصر الحلف الأميركي السعودي في حربه على سورية والجواب بسيط في اسم المرشح الأول الذي تبناه الرئيس سعد الحريري أي الدكتور سمير جعجع الذي انتدب نفسه لدور ألد أعداء سورية وحزب الله في المشهد اللبناني ومايزال مصمما على خطاب ولغة استفزازيين.
قبل اكثر من عامين ونصف بدأت ثمار صمود سورية وثبات حزب الله تظهر سياسيا في لبنان عندما كسر الفيتو على مشاركة حزب الله في حكومة الرئيس تمام سلام بقرار اميركي حمله إلى الرياض السفير الأميركي السابق في بيروت ديفيد هيل ومن بعدها كان البيان الوزراي الذي أعلن الرئيس سعد الحريري أمس أن حكومة عهد الرئيس ميشال عون الأولى سوف تستعير عبارته عن المقاومة: حق اللبنانيين بالمقاومة.
ثانيا خلفيات التراجع الأميركي يومها واليوم يلخصها ميزان القوى الإقليمي والداخلي فبعد عشرة أشهر من استعصاء تشكيل الحكومة عشية الشغور الرئاسي أبلغ السفير ديفيد هيل حلفاء واشنطن من قيادات 14 آذار انهم ينتحرون إن غامروا بالمزيد من الاستفزاز السياسي والأمني لحزب الله معولين على دور الجماعات التفكيرية المسلحة التي استعملت في العدوان على سورية وكانت خلاصته التي نقلتها بعض الصحف بأن واشنطن لن تستطيع فعل شيء لحلفائها الذين قد يخسرون كل شيء.
يومها قال هيل كلمته ومضى إلى المملكة يبلغها القرار بكسر الفيتو على مشاركة حزب الله في الحكومة ثم أبلغ الحريري الذي أعلن موافقته من لاهاي على حكومة تضم حزب الله واضطر هيل للتدخل بعدها طالبا إلى الحريري الموافقة على البيان الوزاري وعبارته تلك عن حق المقاومة.
ثالثا صمود سورية وصعود دور حزب الله القوي وتقدم محور المقاومة وحليفه الروسي في الميدان السوري هو الإطار الذي تحركت فيه التوازنات اللبنانية وقبل ان ينهي مهمته في لبنان اوحى السفير الأميركي ديفيد هيل نفسه بتراجع حلفائه اللبنانيين عن ترشيح سمير جعجع والانتقال إلى خط جديد لمحاولة إنقاذ مصالحهم ومعها نفود الغرب والسعودية في لبنان وكان المفتاح هو إعلان الرئيس سعد الحريري دعمه لترشيح الوزير سليمان فرنجية القيادي الركن في تحالف الثامن آذار وحليف سورية الشهير لكن ذلك لم يثن حزب الله عن إبداء التصميم والعناد في دعم ترشيح العماد ميشال عون لأن المسألة باتت حرب إرادات مع الحلف الأميركي السعودي ولا تتصل بمدى تقدير واحترام الوزير الحليف ومكانته ومصداقيته في دعم المقاومة وسورية او في انتمائه إلى محورهما الإقليمي بالمعنى الأوسع وكان استنتاج قيادة حزب الله : "كما تراجعوا نتيجة صمودنا من ترشيح جعجع إلى ترشيح حليفنا فرنجية سيرضخون لانتخاب مرشحنا الرئيسي العماد ميشال عون بمزيد من الصمود ومع تبدل توازن القوى" .
رابعا المبادرة لتبني ترشيح العماد عون هي ثمرة ذلك الصمود السوري ونيجة لثبات حزب الله وقد ظهر المحور الأميركي السعودي إلى الواجهة خلال الأيام القليلة الماضية ليرعى رضوخ حليفه الشيخ سعد الحريري للتوازن الجديد باعلان قراره انتخاب العماد ميشال عون مكرسا اعترافه غير المعلن بمحورية دور حزب الله في المعادلة الوطنية اللبنانية وفي صياغة التوازن السياسي اللبناني.
في مرحلة الكباش والمواجهة كان كل من الرئيس نبيه بري والوزير سليمان فرنجية شريكين رئيسيين في صناعة التوازن الجديد من خلال احتضانهما لخيار المقاومة وعبر دعمهما لخيار الصمود السوري كل بلغته الخاصة ولذلك تتمسك المقاومة وحزبها بمبدأ احترام دور حركة امل وتيار المردة كشريكين لا غنى عنهما في الواقع السياسي بفعل وزنهما التمثيلي وبعدما كسر الحريري التزامه السابق لهما بعدم التدحرج إلى تسوية جديدة بالتراجع عن خيار فرنجية دون اتفاق.
خامسا استعجال الحريري لانتخاب العماد ميشال عون ناتج عن عمق المأزق السياسي الخاص بتيار المستقبل كما يعكس خشية المحور الأميركي السعودي من مفاجآت مقبلة في الميدان السوري وبالذات احتمال الحسم في حلب وتحرك دومينو انهيارات متلاحقة لحلف العدوان على سورية مع هزيمة ادواته هناك من جماعات التكفير الإرهابية وفي ظل النزعة الدفاعية الروسية الفاعلة لصد العدوانية الأميركية انطلاقا من سورية والمنطقة العربية عموما وهو ما سوف ينعكس على التوازنات اللبنانية القلقة التي تتحكم بتشكيل الحكومة وبقانون الانتخاب.
الاثنين سينتخب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية ومن بعدها لوحة متحركة للتموضع السياسي في ظل انتصار أكيد لمحور المقاومة يرمز إليه وصول مرشحه إلى الرئاسة بأصوات الخصوم وبقوة الاضطرار نتيجة معادلة كلفت كثيرا من الدماء والبطولات على أرض سورية والشرق كله.