أن يكون عون رئيساً للجمهورية؟ -
كلير شكر
يرفض العماد ميشال عون مناداته بـ”فخامة الرئيس”، إلا بعد أن يقسم اليمين الدستورية.
قبل تلك اللحظة، يمكن لشيطان التفاصيل أن يبدّل أو يغيّر، لذا من الواجب التحصّن فكراً وممارسة. ولهذا أيضاً، كان من الصعب جداً سؤال "الجنرال” خلال الأسبوع الماضي عن أي عنوان ولو عريضاً يتصل بالعهد المقبل وموجباته.
أما بعد لقاء السيد حسن نصرالله، وما سبق اللقاء من محاولة "تبليع” المشككين بـ”الملعقة” أن طريق القصر باتت معبدة أمام حليف "حزب الله”، فقد صار بإمكان ميشال عون التصرف على أساس أنّ الرئاسة باتت في متناول اليد، ولم يعد يفصله إلا بضعة أمتار يفترض أن يقطعها بسلاسة ليتوّج في 31 الجاري الرئيس الثالث عشر للجمهورية بعد شغور دام نحو 900 يوم!
واذا لم تحصل مفاجآت غير متوقعة، يفترض أن تكون الجمهورية على أبواب عهد جديد، هو الأول من نوعه منذ قيام "الطائف”، سيختبر معه اللبنانيون، ولو على مراحل، نمطاً جديداً في علاقة مكوّنات السلطة، قد يكون انقلابياً، إن لناحية الاصطفافات أو لناحية موقع رئيس الجمهورية في السلطة، أو يكون طبيعيا ولا يلمس اللبنانيون أي فرق!
عملياً، لا تكمن أهمية "الجنرال” كرئيس للجمهورية، في خطابه فقط أو في مقارباته ومدى قدرته على الجمع بين الخصوم والتوفيق بين الأضداد، بل في قوته التمثيلية، التي أتت به رئيساً، وقد تجعل منه استثناءً في مسار كل من سبقوه، باستثناء بشير الجميل.
بالنتيجة، هي المرة الأولى التي سيكون فيها أحد "كبار الموارنة” سيّداً للقصر، ما سيفرض واقعاً لم يسبق أن شهدته عهود الطائف المتعاقبة، وهي المعادلة التي روّج لها العونيون تحت عنوان "شراكة الأقوياء” بغية حصر الترشيحات أولاً بزعيم أكبر كتلة مسيحية، ولفتح الباب ثانياً أمام عودة سعد الحريري الى نادي رؤساء الحكومات، وثالثا، لترك الساحة خالية أمام رئاسة نبيه بري لمجلس النواب.
بهذا المعنى، يقول العونيون إنّ انتخاب عون رئيساً للجمهورية، له معان كثيرة يفترض أن تكون انعكاساتها على تركيبة السلطة، توازناً وصيغة، وعلى الأداء، وعلى شكل الاصطفافات وحتى على الجو العام في البلاد.
وبالتفصيل يتبيّن الآتي:
ـ ميشال عون رئيساً للجمهورية بعد تفاهم "مار مخايل” و”إعلان النيات” والتفاهم مع "تيار المستقبل”، يعني استعادة خطاب "التيار الحر” السيادي الذي كان يفترض أن يكون عنواناً تشاركياً مع قوى 14 آذار بعد عودة الجنرال من باريس في العام 2005، ولكن من دون أن يكون في موقع الخصومة مع المقاومة.
يومها، وقفت الخلافات السلطوية بينه وبين 14 آذار مع أنه كان يطمح ليكون في موقع وسطي بين كل مكوّنات البلد. وها هو مشروع الالتقاء يتأجل 11 عاماً، ليبدأ تنفيذه عند عتبة الوصول الى القصر.
ـ أن تكون السلطة قائمة على سيبة ثلاثية (أقوياء الطوائف) يعني المساهمة في تكريس الاستقرار السياسي وما يتبعه من استقرار مالي واقتصادي. وهذا ما يؤدي بطبيعة الحال الى نسف الاصطفافات القائمة على قاعدة 8 و14 آذار، لا سيما أن "عون الرئيس” هو من صلب هذا الاصطفاف، على عكس الرئيس السابق ميشال سليمان على سبيل المثال الذي وصل الى سدة الرئاسة على صهوة "حياديته” عن الاصطفافات، بينما اليوم صارت المقاربة مختلفة.
بالنتيجة، سيتحول الصراع القائم بين الفريقين الى ربط نزاع بينهما على أساس تحييد لبنان عن الصراع السوري، وذلك بوقف السجال حول هذه المسألة من دون أن يعني ذلك خروج "حزب الله” من سوريا.
ـ أن يأتي ميشال عون بدفع توافقي، يعني إنهاء ظاهرة الرؤساء الوسطيين غير المدعّمين بعضلات تمثيلية والمقبولين من القوى الطائفية الأخرى ولكن من دون تأثير في السلطة، بينما الموقع التفاهمي الذي يريده "الجنرال” لنفسه، ينبع من الشراكة الاستراتيجية مع "حزب الله” والحاجة اليه كشريك في الخيارات الكبرى، ومن التفاهم السلطوي مع "تيار المستقبل” بسبب حاجة الحريري الماسّة اليه لإنجاح السلطة التنفيذية، وهي المقاربة المصلحية ـ العملية التي حوّلت الزواج بالإكراه بين البرتقاليين والزرق الى شهر عسل لا أحد يستطيع التنبؤ مسبقا بمداه الزمني.
يعرف الحريري جيداً أنه مهما بدت العراقيل والمطبات أمامه صعبة ليكون رئيس حكومة ناجحا، فإن إصرار العماد عون على إنجاح عهده في أولى مراحله سيدفع به الى القيام بكل الضغط الممكن، مع الحلفاء قبل الخصوم، لإنجاح أولى حكوماته.
هكذا، صار مَن كان أشرس معارض للحريري، هو ضمانته وحمايته من تعطيل الحكومة ووضع العصي في دواليبها. ولهذا أيضاً يفترض أن يستمر قطار التفاهمات على زخمه ليشمل الرئيس بري والنائب سليمان فرنجية وذلك من باب تسهيل انطلاقة العهد البرتقالي.
هنا يؤكد العونيون أن لا خشية حريرية من ترؤس حكومة يجلس "حزب الله” الى طاولتها حتى لو كان الأخير لا يزال محاصرا بتهمة "الإرهاب”، ولا خوف على بيان وزاري قد تحول الخلافات دون ولادته. يقولون إن حكومة تمام سلام فيها من هذه "الشوائب” وأكثر، ومع ذلك لم تهزها الريح!