اعتراف رسمي سعودي غير مسبوق: المملكة كانت على حافة الإفلاس
عندما كتبنا في هذا المكان قبل عام ونصف العام تقريبا بأن المملكة العربية السعودية على حافة الإفلاس بسبب انخفاض عوائد النفط، والعجوزات الكبيرة في ميزانيتها، وتراجع الاحتياطات بسبب الهدر المالي، والتورط في حروب اليمن وسورية والعراق، سخر منا الكثيرون، داخل المملكة وخارجها، وجرى نشر العديد من المقالات التي تؤكد على متانة الاقتصاد السعودي، ووجود مصادر دخل كبيرة من الذهب والمعادن غير النفط.
ففي برنامج "الثامنة" الذي يقدمه الصحافي السعودي المخضرم داوود الشريان على قناة (MBC)، اعترف السيد محمد التويجري، نائب وزير الاقتصاد والتخطيط "ان بلاده كانت عرضة للافلاس في غضون ثلاث سنوات في حال لم تتخذ إجراءات بالتقشف وخفض الانفاق".
هذا الاعتراف يعكس توجها حكوميا سعوديا غير مسبوق يتناقض كليا مع سياسات "المكابرة" وكنس المشاكل تحت السجاد، جرى اتباعها طوال السنوات الماضية، فقد جرت العادة تجنب أي حديث من شأنه اظهار المملكة في حال الضعف المالي، او الاقتصادي، او السياسي، حتى لا "يشمت" بها البعض في دول الجوار، وحتى تظل صورتها قوية امام مواطنيها.
ولعل لجوء المملكة الى الاسواق العالمية لبيع سندات خزينة لجمع 17.5 مليار دولار لسد العجز في الميزانية، الذي يقدر بحوالي 87 مليار دولار هذا العام، تطور غير مسبوق أيضا في دولة كانت عوائدها النفطية الشهرية تصل الى حوالي ملياري دولار يوميا.
إجراءات التقشف، وخفض النفقات التي تبنتها الحكومة السعودية، وتمثلت في خفض الدعم عن السلع الأساسية والمحروقات، وزيادة الرسوم، وتقليص علاوات ورواتب موظفي الدولة الكبار، مثل الوزراء وأعضاء مجلس الشورى (بنسبة تتراوح بين 15 – 20 بالمئة) تأتي على حساب المواطن السعودي والعمالة الأجنبية المقيمة التي يقدر تعدادها بحوالي ثمانية ملايين عامل وموظف.
كما ان عدم دفع الحكومة ديونها لدى الشركات التي نفذت مشاريع كبرى أدى الى معاناتها، وافلاس الكثير منها، لعجزها عن دفع رواتب موظفيها، وحدوث مشاكل اجتماعية وعمالية، صحيح ان الحكومة باعتراف وزير ماليتها انها ستدفع حوالي 30 بالمئة من هذه الديون قبل نهاية العام الحالي، ولكن هناك من يشكك في إمكانية تنفيذ هذه الوعود.
بعض الأوساط العالمية السعودية لم تلتفت الى خطورة الاقتراض من الأسواق العالمية من خلال طرح هذه السندات، وركزت بالدرجة الأولى على الاقبال الكبير على شرائها من قبل المؤسسات العالمية، وركزت على ان الطلب على الشراء يوازي 382 في المئة، أي بزيادة 282 بالمئة عن العرض المطروح، الامر الذي يشير الى مؤشرات دولية تؤكد قوة الاقتصاد السعودي، وزيادة احتمالات نموه في المستقبل.
من الطبيعي ان يكون اقتصاد دولة تصدر اكثر من 10 ملايين برميل من النفط يوميا قويا، لكن المشكلة تكمن في إدارة هذا الاقتصاد، وترشيد الانفاق، بحيث لا يكون هذا الترشيد على حساب المواطن البسيط المعدم الذي بدأ يشعر بالمعاناة المعيشية في ظل الكبار أصحاب الملايين والمليارات.
المواطن يمكن ان يتحمل إجراءات التقشف شريطة ان يكون شريكا أيضا في تقرير مستقبله في ظل شفافية مالية وسياسية، ومراقبة تشريعية وصحافية، ومحاسبة للسلطة التنفيذية، وتقديم الفاسدين الى محاكم عادلة في ظل قضاء مستقل.
تنفيذ حكم الإعدام في امير سعودي من الاسرة الحاكمة خطوة قضائية غير مسبوقة، ومناقشة الأوضاع المالية للدولة في برنامج تلفزيوني في حضور الوزراء المختصين، خطوة أخرى في الإطار نفسه، ولكن تظل المشاركة، مشاركة المواطن في عملية اتخاذ القرار التعويض الاكثر الحاحا، طالما انه بات مطلوب منه المشاركة في تحمل الجزء الأكبر من المعاناة بسبب الأوضاع المالية المتأزمة.