مسؤولية المحكمة الجنائية الدولية في محاسبة السعودية
علي إبراهيم مطر
لم تتوقع السعودية أن تأخذ مجزرتها المروعة التي ارتكبتها في صالة العزاء في العاصمة اليمنية صنعاء، ضجة كبيرة تشكل لها ارباكاً في التعامل معها، لتنكرها لفترة وجيزة ثم تعترف بها بطريقة الهارب من جريمته وبذرائع واهية. لم تقدم السعودية ادلة وبراهين صادقة وحقيقية عن عدم مسؤوليتها عن هذه المجزرة المروعة التي سقط ضحيتها 700 يمني بين شهيد وجريح جلهم من المدنيين، هي ظنت أنها ككل مرة ترتكب فيها مجازرها فيمر العالم عليها وكأن شيئا لم يحصل باستثناء بعض الجهات والدول التي ترفع الصوت عالياً بوجهها.
جريمة مروعة بكل ما للكملة من معنى جعلت السعودية تستعين بجهات غربية على ما يبدو لصياغة بيان الاعتراف، الذي عزا الجريمة الى معلومات مغلوطة أو عدم الابلاغ عن الغارات قبل القيام بها، وكأنها تريد السخرية من المجتمع الدولي والشعوب العربية، لكن هول هذه الجريمة التي ذكرتنا بجرائم الصهاينة في لبنان وفلسطين شكل صدمة عالمية دفعت الى الضغط على السعودية من أقرب المقربين لها.
لقد أدى ذلك إلى إدانات أممية من قبل الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، أو المفوض السامي لمجلس حقوق الانسان زيد بن رعد الحسين أو المبعوث الأممي الى اليمن اسماعيل ولد شيخ الذين دعوا الى تحقيق بالحادثة وعرض التحقيقات ومعاقبة المسؤولين عن هذه الجريمة، لكن هذه الادانات حتى ما كانت لتحصل لولا رفع الصوت من قبل الشعوب العربية والاسلامية، ما دفع الدول الغربية لادانة هذه المجزرة.
من يحاسب السعودية؟
البيان الذي قدمته السعودية لا يقدم ولا يؤخر، لأن المسؤولية تقع عليها اولا واخيراً، ولا يمكن في القانون الدولي الأخذ بتحقيقات قامت بها جهة الحرب أي الجهة المسؤولة لأن هذه التحقيقات لا يمكن البناء على موضوعيتها ولا يمكن الاخذ بأدلتهاكما ان السعودية لا يمكنها أن تبرأ نفسها، وهي ارتكبت مجمل الجرائم التي تنص عليها اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية التي عليها التحرك بوجه المسؤولين السعوديين ، وهي قبل كل شيء ترتكب في حربها على اليمن جريمة العدوان التي تقوم على اساس شن الحرب من طرف على اخر، بما يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر ويخالف ميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية ويمنع التدخل في شؤون الدول الاخرى.
وعليه، يجب التحرك لدى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة المسؤولين السعوديين عن هذه الجريمة، التي تنضوي تحت "جرائم الحرب" والتي هي خروقات خطيرة لاتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949 وانتهاكات خطيرة أخرى لقوانين الحرب، متى ارتكبت على نطاق واسع في إطار نزاع مسلح دولي أو داخلي.
كما ارتكبت السعودية دون أدنى شك جريمة ضد الإنسانية بحق اليمنيين لانطباقها على المادة 7 من نظام المحكمة الجنائية الدولية على أن أي فعل من الأفعال المشار إليها يشكل جريمة ضد الإنسانية "متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم".
وتشير المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة إلى أن المخالفات الجسيمة التي تشير اليها المادة 146 هي التي تتضمن أحد الأفعال التالية إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية: القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، وتعمّد إحداث آلام شديدة أو إضرار خطير بالسلامة البدنية أو بالصحة.. هذا فضلاً عن أن السعودية ترتكب جريمة إبادة ضد الشعب اليمني من خلال ابادة هذا الشعب الاعزل على نطاق واسع على أساس قومي وديني.
لم يعد من المقبول إذاً السكوت عن هذه الجرائم، والسماح للمسؤولين السعوديين بالافلات من العقاب، إذ لا بدَّ من البحث عن آليات توقف هذه الجرائم. فالمسؤولية عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية يتحملها، إلى جانب الحكومات، الأشخاص الطبيعيون المتهمون بالتخطيط لارتكابها، وإذا كانت السعودية صادقة في بيانها عليها ان تقدم المسؤولين عن هذه المجزرة لمحاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، هذا فضلاً عن التعويض على عوائل الضحايا، وقد أشارت المادة 25 من النظام الأساسي للمحكمة، إلى أن "اختصاص المحكمة يطبق على الأشخاص الطبيعيين"، أي المسؤولية الجنائية فردية، وأن الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسؤولاً عنها بصفته الفردية... ولكن تبقى مسؤولة عن الضرر الذي يلحق بالآخرين نتيجة لأعمالها غير المشروعة، وتلتزم الدولة التعويض عن هذا الضرر على النحو المقرر في أحكام المسؤولية الدولية".
ومع أن السعودية لم توقع على نظام المحكمة الجنائية لكنه يمكن اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لعرض هذه الجرائم وإحالة ملف السعودية إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، عبر استخدام قرار الاتحاد من أجل السلام. إلا أن ذلك لا يعني أننا سنرى تحقيق العدالة بحق هؤلاء القتلة، لأن المجتمع الدولي ليس حاضراً لتحمل مسؤولية هذه المحاسبة، كما أن السعودية ستبقى على نهجها، طالما أن واشنطن تقف الى جانبها وتمنع محاسبتها مثلها في ذلك مثل "اسرائيل".