لماذا هذا الغضب الاقليمي والدولي على الحشد الشعبي العراقي ؟
شارل أبي نادر
لقد كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير صادقا مع نفسه ومع دولته في تعبيره عن ان اشتراك الحشد الشعبي في تحرير الموصل هو كارثة ، والسبب واضح . فالتجربة التي عاينها الجبير المذكور ونظامه المشهور في اغلب معارك مواجهة داعش في العراق ، والتي كان يشترك فيها الحشد الشعبي الى جانب الجيش العراقي ،اظهرت ان الهزيمة كانت دائما فيها للتنظيم الارهابي ، ربيب آل سعود وطفلهم المدلل .
طبعا ، لا يدخل الموضوع والطريقة التي نتكلم فيها ضمن سياق التداول الاعلامي الموجّه او ضمن سياق الحرب السياسية والاعلامية والنفسية لمحور ضد آخر، ولكن نحن نتكلم عن وقائع ميدانية وعسكرية وسياسية رافقت جميع معارك السيطرة على تنظيم داعش في العراق ، وذلك اعتبارا من مدن وبلدات محافظة صلاح الدين وخاصة مدينة تكريت المعروفة ، وامتدادا الى اغلب مناطق ديالى وسامراء او مدينة ومصفاة بيجي ، ولاحقا في مدينة الرمادي وجزرها الصاخبة ، وامتدادا الى الفلوجة ومعركتها الاخيرة التي قصمت ظهر داعش وكانت نقطة التحول الميدانية والامنية صوب بداية هزيمة التنظيم الارهابي في العراق .
الحشد الشعبي...على طريق تحرير العراق
لا يتوقف هذا الغضب السعودي على الحشد الشعبي والذي عبر عنه الجبير خير تعبير في قوله ان اشتراك الحشد في تحرير الموصل يشكل كارثة ، بل امتد هذا الشعور وهذه النظرة الى تركيا التي رأت ، وبنظرة عثمانية استعمارية مقيتة ان وجودها في بعشيقة شمال العراق وعلى المداخل الاستراتيجية الشرقية والشمالية الشرقية لمدينة الموصل هو ضروري لحماية ابناء الموصل من الحشد الشعبي ، ووصلت الوقاحة بمسؤوليها وعلى رأسهم اردوغان الى التهجم على تكاتف اغلب العراقيين وتوحدهم حول رفض التواجد التركي في محيط الموصل .
في الحقيقة ، ولكي نكون منصفين تجاه الدولتين المغتاظتين الموتورتين ، فانه يوجد الكثير من الاسباب التي اخرجت الاتراك والسعوديين عن طورهم و فتحوا ابواقهم الرسمية والاعلامية على الحشد الشعبي بشكل خاص وعلى الحكومة العراقية بشكل عام والتي اعتبرت ان الحشد المذكور هو مكوّن وطني وشعبي ، يحظى برعاية رسمية وحكومية وهو اساسي في محاربة داعش وسيكون عماد المعركة الواسعة لتحرير الموصل والمساهمة في هزيمته على كامل الجغرافيا العراقية ، ومن هذه الاسباب ان الحشد الشعبي وبدعمه الفعال للجيش العراقي ، وقف في وجه مخطط احتلال العراق من قبل السعودية وتركيا عبر استغلال الدولتين للتنظيم الارهابي الذي ، لا يمكن لاحد ان يتصورهذا النجاح الذي حققه عند بداية نشأته في الانتشار والتمدد والسيطرة من الناحية العسكرية والميدانية والاعلامية والسياسية لولا مساعدة ورعاية ومواكبة من دولتين اقليميتين فاعلتين ، الاولى في التمويل والتحريض وتأمين الاعلام الخبيث المسموم والسيل الجارف من العناصر الارهابية والانتحاريية الموجهة وهابيا ، والثانية في التسهيل والربط وفتح الحدود على مصراعيها ، ومواكبة ادخال السلاح والمقاتلين الاجانب الذين توجهوا من كل حدب وصوب لمناصرة داعش ، وايضا في تسويق وتصدير النفط المسروق من اراضي العراق وسوريا بهدف تأمين تمويل معركة التنظيم الارهابية والميدانية الواسعة .
نستطيع ايضا ان نفهم سبب هذا الغضب الاميركي العارم على الحشد الشعبي ، فميدانيا وعسكريا ، وقف الاخير في وجه مخطط الولايات المتحدة الاميركية الدائم لتفتيت المنطقة اعتبارا من تقسيم العراق وسوريا من خلال المساهمة الفعالة في هزيمة داعش ودحرها ، وهو يتحضر اليوم للاشتراك الفعال في تحرير مدينة الموصل التي تشكل آخر مدينة عراقية تحت سيطرة التنظيم ، والتي استطاع الاخير تكوين بنيته الادارية والتنظيمية والقيادية فيها ، وهي الان ( الولايات المتحدة الاميركية ) تلهث جاهدة لتمرير صفقة تهريب ما تبقى من هذه البنية لداعش خارج العراق باتجاه الاراضي السورية ما بين الرقة ودير الزور ، علها تستطيع المحافظة على نواة التنظيم الذي اختارته واحتوته لاكمال معركتها ضد سوريا والعراق ومحور المقاومة بشكل عام .
واخيرا ... جاء الحشد الشعبي ليضرب الصبغة المذهبية التي يحاول الاميركيون تثبيتها ويبرهن للعالم ان الحرب في العراق وفي سوريا ايضا ليست هكذا كما يصورها الاميركيون ، بل انها حرب مجرمة ظالمة ارادها هؤلاء الغزاة خدمة لاسيادهم الصهاينة على طريق تفتيت وزعزعة المجتمع العربي الاسلامي بشكل عام .