kayhan.ir

رمز الخبر: 46565
تأريخ النشر : 2016October16 - 19:43

تجليات دروس كربلاء في خيارات حزب الله: أداء التكليف الاهم


جهاد حيدر

كثيرة هي الدروس التي يمكن استخلاصها من ثورة كربلاء، لكن لا هذا المقال ولا أي مقال آخر يمكن أن يسعها، ولست في مقام القادر على استخلاصها واستيفائها. مع ذلك يمكن الاستناد الى غيض من فيض هذه الدروس، عبر انتقاء عينة بسيطة مما ورد منها على لسان سماحة الامام الخامنئي "دام ظله"، ومحاولة استشراف تجلياتها في خيارات حزب الله الكبرى.

لفت الامام الخامنئي الى أن أحد الدروس المهمة من عاشوراء، تكمن في تشخيص وتأدية الامام الحسين عليه السلام، للتكليف الاساسي في تلك المرحلة الذي بذله في طريق تأديته أغلى التضحيات.. موضحاً أن الامام الحسين عليه السلام شخَّص "الوظيفة الاساس من بين الوظائف المتنوعة والتي لها مراتب متفاوتة في الاهمية، وقام بانجازها. ولم يخطئ أو يشتبه في معرفة ما كان العالم الاسلامي في ذلك اليوم بحاجة اليه... وكان بين زعماء المسلمين ورموزهم في ذلك الوقت.. (ممن) لم يدركوا ما هو تكليفهم ولم يشخصوا اوضاع ذلك الزمن ولم يعرفوا العدو الرئيسي وكانوا يخلطون بين الوظيفة الرئيسية المحورية والوظائف التي هي من الدرجة الثانية أو الثالثة"..

فيما يتعلق بإسقاطات هذا المفهوم وهذا الدرس الحسيني في عصرنا الحاضر. أكثر ما تمتع به حزب الله طوال تاريخه. دقة وصوابية تشخيصه للتهديدات المحدقة بالواقعين الاسلامي واللبناني. تلا ذلك، وضع مواجهة التهديد الاهم في رأس أولوياته. وبعبارة أخرى صوابية سلم الاولويات.. الذي قدم على طريقه أغلى التضحيات. فكان مصداقا حقيقيا لهذا الدرس الاساسي من ثورة كربلاء، وتلميذا وفيا في مدرسة الامام الحسين عليه السلام.

كل ما لدينا من عاشوراء

في مراحل سابقة، كانت أولوية حزب الله مواجهة الاحتلال الاسرائيلي (ولاحقا والآن مواجهة التهديد والعدوان).. وقدم في هذا الطريق أغلى التضحيات.. دون أن يتخلى عن تأدية واجبه في العديد من الاولويات الاخرى.. لكن في حال تزاحم بعضها مع أولوية مواجهة التهديد الاسرائيلي كانت الارجحية لمواجهة الاخير..

أكثر ما تجلى هذا المفهوم، لدى تبني حزب الله أولوية مواجهة احتلال العدو لما كان يعرف بالحزام الامني.. حيث خاض مقاومة جادة وفاعلة برزت مفاعيلها من خلال ردود فعل العدو نفسه. (اغتيال الامين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي، عدوان تموز 93، عدوان نيسان 96، حروب أمنية امتدت لسنوات توجت بعملية انصارية التي قصمت ظهر العدو).

وكما أن ثورة الامام الحسين عليه السلام، غيرت مجرى تاريخ الاسلام.. ولولاها لاندثرت معالم الاسلام المحمدي الاصيل. كذلك، فإن خيارات حزب الله الاستراتيجية كانت منعطفا مفصليا في تاريخ لبنان والمنطقة.

فماذا لو لم يقم حزب الله بتكليفه الأساس، وفي هذا التوقيت بالذات؟ من المؤكد أننا كنا سنواجه النتائج التالية :

بقاء الاحتلال الاسرائيلي في الاراضي اللبنانية.. وربطها بمصير احتلال فلسطين..

بقاء النفوذ الاسرائيلي فاعلا ومؤثرا بشكل مباشر في الداخل اللبناني.. مع معادلات داخلية مغايرة كليا..

تفويت فرصة بلورة خيار استراتيجي بديل وناجع للتحرير – المقاومة - بعد التطورات التي شهدتها الساحة العربية وانقلب فيها التوازن الاستراتيجي بشكل جذري لمصلحة العدو.

تفويت فرصة بناء وتعزيز معادلة ردع اقليمي، وفرت لمحور المقاومة هامشا أوسع. وتبلورت هذه المعادلة بشكل تراكمي وعلى خلفية نتائج وتداعيات مواجهات متوالية بلغت الذروة في حرب العام 2006.

تحصين البيئة الاقليمية، وتعزيز صمود سوريا، التي وفرت لحزب الله هامشا واسعا في بناء وتطوير قدراته..

وهكذا تظهر بشكل جلي، مفاعيل ونتائج تبني حزب الله المدرسة الحسينية في قراءة الواقع وتشخيص التكليف الواجب القيام به.. على مستوى المقاومة ومواجهة الاخطار والتهديدات..

وفي هذا الطريق قدَّم حزب الله التضحيات الجسام، وكان المعيار في مواقفه وادائه، في كل تعقيدات الساحة اللبنانية، ما يخدم هذا الخيار الاستراتيجي.. ولم تنفع كل الضغوط والاغراءات من ثنيه عن هذه الاولوية التي لم يحد عنها إلى أن حقق النصر التاريخي في تحرير العام 2000.. ولاحقا انتصار العام 2006..

مدرسة كربلاء في مواجهة التهديد التكفيري

لم تكن مبادرة حزب الله الى خيار التدخل العسكري المباشر في سوريا، اواخر العام 2012.. والذي تصاعد تدريجياً.. الا نتيجة تشخيص دقيق لطبيعة التهديد الذي استجد وبات يشكل تهديدا وجوديا لشعوب المنطقة، وللمقاومة.. نتيجة هذا التشخيص، تبنى حزب الله خيار التدخل المباشر رغم ما ينطوي عليه من تضحيات ما زالت تتوالى.. وشكَّل هذا القرار ايضا، تجسيدا حيا وجليا لمفهوم تأدية التكليف الأهم والاساس رغم وجود العديد من الوظائف والتكاليف الاخرى..

وعلى الرغم من أن المعركة ما زالت متواصلة ومفتوحة، لكن ما تم انجازه حتى الان، يسمح لنا بتقديم صورة ما عن بعض النتائج والمفاعيل لتأدية هذا التكليف الأهم. مع التأكيد على أن حزب الله هو عامل أساس من مجموعة عوامل أساسية أخرى، سورية واقليمية، ساهمت في انجاز ما تم تحقيقه.

من المسلَّم به أن تدخل حزب الله ساهم في دفع خطر وجودي محدق بلبنان شعبا وكيانا، وبالمقاومة..

لو لم يتم منع الجماعات التكفيرية من تحقيق النصر في سوريا، ولو لم يتم تطهير المناطق المحاذية للاراضي اللبنانية.. لكانت المعارك الان تدور، على أقل تقدير، في المدن اللبنانية.. ولكانت الاحياء والقرى عرضة لأعداد هائلة من الانتحاريين..

لقد حقق حزب الله من خلال الدفاع الوقائي في سوريا الاهداف التالية :

· وفَّر مظلة حماية وأمن لمدن وقرى البقاع اللبناني..

· قطع الطريق على استغلال التطور الاقليمي من قبل جهات داخلية من أجل محاولة فرض الهيمنة السياسية في لبنان.. ووفَّر مظلة تسمح بالدفع نحو حكم الشراكة..

الحؤول دون ضياع سوريا وسقوطها في أيدي التكفيريين وتحويلها الى كيان ودولة "تكفيرية" مرعبة في المنطقة..

الحؤول دون تمدد وتعاظم الخطر التكفيري ضد العراق وحتى الجمهورية الاسلامية في ايران..

تحصين مظلة الحماية الاقليمية للمقاومة في لبنان، وبما يساهم في تعزيز قدرة ردعها في مواجهة اسرائيل..

تأدية التكليف في وقته

لفت الامام الخامنئي حفظه الله، ايضا، الى جانب اخر من دروس ثورة كربلاء، تمثل بأهمية تأدية التكليف في وقته. لأن أداءه في وقت آخر لن يكون له تلك النتيجة. وهذا هو الفرق بين شهداء كربلاء والتوابين. والفرق كبير بين هؤلاء مقارنة بأولئك. لأن شهداء كربلاء لبوا نداء الامام الحسين عليه السلام، في وقته (وقت النداء). لكن التوابين لبوا النداء بعد مضي الوقت. وهذا هو الفرق.

فيما يتعلق باسقاطات هذا المفهوم.. ماذا لو تبنى حزب الله خيار التوجه نحو تلبية وظائف وتكاليف أخرى.. أقل أهمية، سواء بفعل خطأ في التشخيص، أو تهيبا من الاقدام على خيار التدخل، بفعل ما قد يترتب عليها من تضحيات وتهديدات مفترضة.. يمكن تقدير نتيجة هذا الخيار بالقول أن لبنان والمنطقة كانا اصبحا في مكان اخر..

وبتعبير أكثر تفصيلا، ماذا لو تأخر حزب الله في التدخل العسكري المباشر، وأدى هذا التأخر الى سقوط النظام السوري وسيطرة الجماعات التكفيرية والارهابية على مقدرات الدولة السورية العسكرية.. هل كان حزب الله سيتمكن من دفع الخطر لاحقا عن لبنان.. وبأي أثمان.. وكيف كان سينعكس ذلك، على تشخيص الاسرائيلي للظرف الملائم للانقضاض..

الامر نفسه، ينسحب على مواصلة حزب الله مواجهة الاحتلال الاسرائيلي الذي امتد لسنوات طويلة. والسؤال ماذا لو تأثر حزب الله بما كان يقال في حينه.. عن جدوى العمليات وضرورتها في ظل عملية التسوية في ذلك الحين.. القدر المتيقن أن حزب الله.. حتى لو أراد تدارك ذلك، لاحقا، لما استطاع أن يحقق ما حققه من انجازات استراتيجية وتاريخية انعكست على مستوى المنطقة لمصلحة خيار التحرير والردع ولمحور المقاومة...