انتفاضة القدس شكلت ينبوع الكبرياء
عباس الجمعة
عام انقضى على انتفاضة القدس ” انتفاضة شابات وشباب فلسطين ” بكل ما فيها وبكل ما لها ، حيث شكلت ينبوع الكبرياء الكبير الذي تفجر رغم الظروف العربية الدقيقة ، وارادت ان ترسم خارطة فلسطين بدماء الشهيدات والشهداء والأسيرات والأسرى، وهي في قمة الوفاء للاهداف والمبادئ والمثل، وهي في قمة العطاء والتضحية والعطاء، حيث اخترقت دماء الشهداء الطريق لتتفاعل مع الشعوب العربية وقواها المقاومة ،ومع كل الاحرار والشرفاء في العالم تصنع معهم وبهم طريق تحرير الارض والانسان.
انتفاضة القدس المظفرة، تدخل عامها الاول مزهوة بأكليل الغار على جباهها، لتسجل للشعب الفلسطيني في كتاب التاريخ ملاحم جديدة لنصره المؤزر الحتمي الاكيد، وهي تختلف عن سابقاتها من الانتفاضات الاولى والثانية ، رغم التحديات والمؤامرات التي يحاول الاحتلال فرضها على الشعب الفلسطيني ، تلك الشروط الصهيونية الامبريالية الاميركية التي يريدونها وصمة عار وذل للأجيال المقبلة ، الا ان الصمود الفلسطيني يسجل رسالة واضحة لكل القوى المعادية انه على صخرة استمرار انتفاضة القدس تبقى راية النضال والكفاح خفاقة وثابتة باعتبارها الحقيقة الثابتة لنضال الشعب الفلسطيني رغم ما تتعرض له المنطقة من مؤامرات تستهدف مقدراتها وحضارتها وثقافتها وتفتيتها الى كانتونات طائفية ومذهبية واثنية.
ان جميع المحاولات الهادفة لاخماد جذوة انتفاضة القدس ستفشل امام ارادة الشابات والشباب الفلسطيني لانهم اكثر ايمانا وثباتا ورسوخا، امام هذه التحديات المتعددة والمتنوعة الاشكال والغايات، وهم بذلك يؤكدون للجميع بأن القرار سيبقى فلسطينيا دونما تبعية او خضوع.
ومن هنا نرى أن شباب الانتفاضة ورغم عمليات الاعدامات الميدانية يستمرون بمواصلة نضالهم من دون كلل او ملل، وهم يتحدون كل امكانيات الاحتلال، حيث اذهلوا العالم باسلوب نضالهم ، وهذا يعطي الصورة الراسخة الواضحة لديمومة الانتفاضة الذي يقف خلفها شعب عظيم ، شعب العطاء السخي، شعب الشهداء شعب التضحيات الجسام ، من خلال مفاهيم واضحة وثابتة ومبدئية، لتصب في المجرى الكبير للعنفوان ضد جميع اشكال القهر والظلم والاضطهاد والعبودية، ضد الامبرياليين الجدد والقدامى، ضد صهاينة الداخل والخارج، ضد الاستعمار القديم والحديث.
وامام كل ذلك نقول ان ما تسجله انتفاضة القدس من خلال ما يسطره ابطالها بصدورهم وبأجسادهم للطاغوت الصهيوني الامريكي وفي خضم الاحداث امام المحاولات والمؤامرات والدسائس الساقطة لسحق هذه الانتفاضة ، في لحظة من لحظات التاريخ العربي تتعرض فيه الشعوب العربية لهجمة امبريالية صهيونية تكفيرية ترتكب افظع المجازر الوحشية بحق الشعوب ، نرى البعض بان ما يجري لا يعنيهم بل ان منهم ويا للكارثة من حاول ان يخرج نفسه من هذه المعركة الدائرة رحاها على مجمل الخريطة السياسية العربية وامتدادتها واتساعاتها غير عابئ بما يمكن ان تتمخض عنه نتائج الصراع، طالما ان هنالك ضمانات واتفاقات لتطمين هذا الموقع أو ذاك الموقع، ونسوا بل تأمروا على القضية الفلسطينية التي تشكل القضية المركزية للامة العربية ، وهم يعلمون جيدا ان فلسطين بوابة الحرب والسلام ولا يمكن ان تهدأ المنطقة الا بانتصار الشعب الفلسطيني واستعادة حقوقه في العودة والحرية والاستقلال .
وفي ظل هذه الظروف الخطيرة لم نتفاجأ بالمشاركة الفلسطينية والعربية في جنازة الارهابي المجرم شمعون بيريس ، حيث تأتي هذه المشاركة في ظل ضعف الموقف العربي الذي يلعب دوراً أساسياً في تقدم و نجاح المشروع الصهيوني، وإن السبب يكمن في حفاظ البعض على الكرسي للحفاظ على موقعه والاخر يعيش في ازمة نتيجة غياب سياسة واستراتيجية عربية ذات رؤية واضحة ومحددة للقدرات والإمكانات العربية تُوظف لحل التناقض الرئيسي ما بين الأمة العربية والكيان الصهيوني وبما يجنب الأمة العربية الإستهدافات الخطيرة للمشروع الصهيوني الاستعماري.
إن كل التسويات التي تمت مع بعض الدول العربية لم تغير بطبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني . ورغم جهود بعض الحكام تصفية مصادر ومظاهر العداء للصهيونية من خلال سياسة التطبيع , أو في مناحي الأدب و الثقافة , وذلك لافتضاح الطبيعة العنصرية والعدوانية لإسرائيل , الأمر الذي ينبغي أن يكون محل اهتمام وتبصر من الحكام والذين يهرولون تجاه العدو الصهيوني تحت يافطة ذرائع مختلفة محققين بذلك التطبيع .
ان ما يحدث في الوطن العربي ..وما يعصف في العالم من أحداث تلقي بمزيد من الأعباء الجسام على الشعب الفلسطيني وقيادته وقواه وفصائله ، وعلى حركة التحرر العربية والعالم قاطبة , فالإمبريالية المتوحشة والتي تطبق أبشع صور العولمة في سلب وغزو وقهر حرية وإرادة الشعوب في المنطقة وما تفعله حكومة الاحتلال في فلسطين , تجعل إرادة الشعوب وقواها الحية إرادة صلبة وعزيمة لا تلين وهي بذلك تطلق صرخة مدوية لأحلام الحرية والعدالة , والديمقراطية في وجه ظلام العصر , وإمبرياليي العالم وأعوانهم .
لذلك نرى ضرورة انهاء الانقسام الفلسطيني الكارثي واستعادة وحدة منظمة التحرير, وإحياء مؤسساتها ومشاركة كافة القوى فيها على أساس ديمقراطي بحيث يمكن أن تكون المنظمة العنوان والكيان السياسي الموحد لكل شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج, بما يمكن من رسم استراتيجية مقاومة شاملة وحقيقية متكاملة ضد الاحتلال والذي يخطط الآن مجدداً لفرض الأمر الواقع على شعبنا بالضفة الغربية والقدس, لهذا لا بد من ان يتم العمل على ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني على أسس ديمقراطية ورسم استراتيجية وطنية والتمسك بانتفاضة القدس ودعمها وتطويرها الى جانب المقاومة الشعبية كمقدمة لرسم الصورة الحية لآفاق دولة فلسطينية مستقبلية ذات سيادة على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة وعاصمتها القدس.
ونحن على يقين بان الشعب الفلسطيني لن يتوقف عن مواصلة مسيرته النضالية حتى نيل حريته بعد ان قدم أعز وأغلى التضحيات, فهذا الشعب شعب معطأ وعصي على كل محاولات التطويع و كسر إرادته الوطنية ، فهو يرسم بالدم خريطة الوطن ويسعى بأمثولة كفاحية لتغير وقائع الأمس ، فهو قادر طال الزمن أم قصر على تحقيق اهدافه بتحرير الأرض والأنسان، وتجسيد الدولة الوطنية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم .