اني أتّهم الذات الملكية .. لا الذات الالهية !! ..
نارام سرجون
لن أستعمل دم الشهيد ناهض لأرشق به عدوي .. ولن أصنع منه حبرا أو رصاصا أذخر به غضبي .. فهذه الدماء لايصنع منها الا الضوء .. ولن نجعل دمه منصة نعتليها لنلقي الخطابات والمقالات كما يفعل الثوار الذين يبيعون خطاباتهم الصناعية في أسواق النفط .. ولن أسمح لنفسي أن ألوث دمه كما لوث سعد الحريري دم أبيه بأحذية تيار المستقبل وانتهازييه ووصولييه .. الدم الذي لعقته ألسنة كل المنافقين كما تلعق العناكب دم ذبابة .. والدم الذي التصق بأحذية لجان التحقيق والمحاكم الدولية التي مرت عليه كما لو كان رصيفا في شارع مزدحم ..
لن أفعل أيّا من هذا .. بل سأحمل كل قطرة من دم ناهض وأسجيها على سطوري .. وسأصنع من قلبي زجاجة أخبئ فيها هذا الزيت الأحمر المضيء ليشع نورها في هذا الظلام .. نورا على نور .. فأولئك الشهداء لايجوز أن يكون دمهم الا زيتا مقدسا يضيء ونتبارك به .. وغرسة زيتون نزرعها في أرواحنا لتكبر فينا وتتحول أرواحنا الى حقول زيتون ..
لكن يجب أن أخاطب دم فقيدنا وأحدثه وهو مسجى أمامي ولايزال ساخنا تملؤه حرارة الأرض وحرارة الحب لهذا الشرق الذي نملكه جميعا .. لأقول بأن لدي اتهاما لايحتاج الى لجان تحقيق ولا الى استجواب الجاني .. فالجاني المجنون لايختلف عن رصاصاته على الاطلاق .. فكلاهما لايفكر بل يستجيب لأصابع تضغط على الزناد .. وأنا أبحث عن البصمات والأصابع التي تضغط على زناد القتل ..
واذا كان الكاتب الفرنسي "ايميل زولا” صاحب رسالة "اني أتهم ..” الشهيرة التي وجهها الى الرئيس الفرنسي منذ أكثر من قرن من اجل اظهار الحقيقة في قضية دريفوس الشهيرة .. فانني سأعيد اليوم استعمال العنوان لأوجهها الى الشعب الاردني والى الاحرار لأعلن انني اتهم السلطات الاردنية بأنها وراء اغتيال الكاتب الاردني والمفكر التقدمي الكبير ناهض حتر .. ولن اوجهها الى الملك وذاته الملكية الانكليزية اليهودية التي نزلت علينا بالبريد العاجل في الحقيبة الديبلوماسية للسفارة البريطانية على غير توقع وانتظار .. فآخر مايعني هذا الملك الذي يستضيف القتلة هو أن يحمي فكر ناهض حتر ..
منذ أن أثير الضجيج حول قضية الذات الالهية التي مسها ناهض حتر كان من الواضح ان القضية أتفه من أن تستدعي هذا الضجيج لأن ماينشر على صفحات اليوتيوب وتويتر أكثر خطورة بكثير مما نشره ناهض ببراءة .. ولكن الضجة المفتعلة والمعدّة بعناية أريد بها أن يتم التحضير لالصاق التهمة بالاسلاميين وهم الذين حولوا أنفسهم الى حمير تحمل كل أسفار القتل .. وصاروا قتلة وأشرار العالم لأنهم يباهون بالعنف ويدعون اليه على شاشات التلفزيون وفي برامجهم .. ويدافعون عن الجريمة ويسمونها جهادا ويدافعون عن الزنى ويسمونه جهاد النكاح .. ولذلك أثيرت قضية اهانة الذات الالهية كذريعة سابقة لتصوير اغتياله على أنه بسبب تهور الاسلاميين الغاضبين .. ولكن الحقيقة هي أن الذات الملكية أهانتها حرية ناهض حتر وليست الذات الالهية .. والذات الملكية أهانها تمرده من أجل فلسطين والمقاومة وسورية رغما عن ارادة الغرب ولي نعمة الذات الملكية .. وناهض لم يتردد في أن يضرب العاصفة في خاصرتها عندما انضم الى الأحرار وأعلن عدم قبول المشروع التقسيمي والطائفي للمنطقة ودافع عن وحدة الشرق العربي بكل مسلميه وكل مسيحييه .. ولاشك أن الذات الملكية لاترى الا الذات اليهودية ومشروعها .. وكان من الصعب جدا التخلص منه مباشرة فكان لابد من تطوير سيناريو يزين للاسلاميين اغتياله ويكون تكليف الاسلاميين بتصفيته مبررا ..
ان المبالغة في معاقبة الكاتب بسجنه بسبب رسم لاعلاقة له به كان تحريضا واشعارا للاسلاميين انه تم رفع الغطاء عنه وأنه ارتكب الكبائر التي لايجامل فيها .. لأن السجن كان بذريعة انه من أجل احتواء غضب الاسلاميين .. الا أن السجن منح الاسلاميين شعورا أن الذات الملكية تتفهم غضبهم وتتفهم ردود أفعالهم وهي استجابت لضغوطهم .. وهذا منحهم النظام الملكي الشعور ان ناهض حتر صار هدفا سهلا لأن سجنه لفت أنظار الاسلاميين اليه على ان ذنبه كبير وأن قصاصهم صار مشروعا .. ولولا هذه التوطئة الدنيئة باثارة القضية وسجن المفكر لما مات ناهض حتر .. ولكان بيننا الآن ..
ولذلك .. ومن كل ماتقدم .. فاني أتهم النظام الاردني بكل أركانه ..
اني أتهم النظام الاردني بأنه هو الذي مهد لعملية الاغتيال وهيأ لها الرأي العام باختلاق مشكلة من نشر الشهيد ناهض حتر رسما نشره عشرات الالاف مثله .. ولكن التسديد والتحريض كان على ناهض حتر وحده بشكل مقصود في زمن يجول فيه القتلة باسم الله في الشرق .. وينحرون البشر باسم الله .. فعندما يقدم لهم النظام الاردني اسم ناهض حتر على أنه أهان الله فانه يريد منهم قتله .. وتبدو ايه اشارة الى مس بالله حكما بالاعدام كلف به الاسلاميون الوهابيون ..
واني أتهم النظام الاردني بالتحضير لعملية الاغتيال عبر سجن الكاتب ناهض حتر واثارة الرأي العام حوله بسجنه وتعريضه للدعاية الوهابية السوداء وتصويره على أنه أغضب الذات الالهية مما أغضب الذات الملكية التي غضبت لغضب الذات الالهية ..
واني أتهم النظام الاردني بأنه بسجنه للشهيد ناهض حتر سلط الضوء عمدا على قضية الرسم الذي يمس الذات الالهية والتي كانت مجهوله ولم يكترث بها الرأي العام الا عندما اصطنعت السلطات الاردنية الضجة حول ناهض حتر والتهويل مما فعله .. مما أثار ردة الفعل الغاضبة ..
واني أتهم النظام الاردني بأنه هيأ الأجواء لعملية الاغتيال بالترويج ان الناهض حتر يتلقى تهديدات بالقتل داخل السجن وهذه دعاية سوداء كان يريد منها أن يستبق عملية التخلص من الكاتب الحر والمناضل والمفكر الناهض بالايحاء ان أجواء الانتقام منه لايمكن التحكم بها وأن اغتياله أمر متوقع ..
اني أتهم النظام الاردني أنه أراد التخلص من ظاهرة ناهض حتر لارضاء اسرائيل والسعودية لأن الذات الملكية الاردنية لاتريد أصواتا مناهضة لاسرائيل وللسعودية ومشاريعهما التكفيرية .. ولاتريد ظاهرة المفكرين الاحرار العابرين للطوائف الذين يبارزون الأعاصير ويكونون مثل الغابات في وجه العواصف ..
واني أتهم النظام الاردني بأنه تخلص من ناهض حتر كرمز من رموز المقاومة الفكرية التي لم تخف من العاصفة الاسلامية الهوجاء ولم يختبئ في الملاجئ بذريعة ان العربي المسيحي لايحق له أن يكون له قول في القضايا الوطنية التي يدلي فيها الاسلاميون المؤمنون بدلوهم .. خرج ناهض وصفع العاصفة على فمها وضربها بسوط المسيح الذي ضرب فيه التجار والصيارفة في الهيكل ..
أني اتهم النظام الاردني باغتيال ناهض حتر لأن هذا الكاتب والمناضل الحر أعاد لنا بشخصه أزمنة الكفاح الفكري الجميلة واختصر زمنين جميلين هما: زمن غسان كنفاني .. وزمن ناجي العلي .. وهؤلاء لايحبون الذوات الملكية من أي نوع ومن أي مذاق لأنه لاتوجد ذات ملكية ليس للانكليز يد فيها في كل الشرق ..
اسرائيل وأذيالها من كل الذوات الملكية العربية لاتريد أن يكون بيننا مفكرون وقادة رأي وأحرار وقادة كبار وزعماء .. لايراد أن يكون في هذا الامة غسان كنفاني ولاناجي العلي ولاناهض حتر .. ولا جمال عبد الناصر ولا حافظ الاسد ولا بشار الاسد ولا حسن نصرالله .. تريدنا امة من طراز حمد بن خليفة وحمد بن جاسم بن جبر وابنته وفيصل القاسم والجربا والشقفة وميشيل كيلو .. وجورج صبرة .. وهي تستعمل الاسلاميين هذه المرة للتخلص من أعدائها ..
أخيرا .. ماذا عساي أقول محتجا ومعاتبا الذات الالهية التي ادعى النظام الاردني أنه غضب للمساس بها؟؟
ياأيتها الذات الالهية كيف تأخذين منا ناهض حتر وتتركين لنا ميشيل كيلو وجورج صبرة .. فأي ذات الهية أنت ؟؟ وماهذه الذات الالهية التي تأخذ منا دوما المسيح وتترك لنا دوما يهوذا الاسخريوطي .. منذ زمن المسيح وحتى اليوم؟؟