الجنرال الجولاني أرفع من إنطوان لحد ومن الدحلان وأرفع ضابط عربي في تاريخ الجيش الإسرائيلي
صالح صالح
ما يثير الباحث والمؤرّخ قد يكون بضعة كلمات من الماضي لم ينتبه إليها ولمعناها أحد ليراها بعد عشرات السنين أمرا واقعا. في التسعينيات أسّست إسرائيل إذاعة جيش لبنان الجنوبي، وكانت جنرالاتها تحرّر نشرات أخبارها، واللّافت أنّ هذه الإذاعة كانت تذكر مئات المرّات حزب الله وعملياته ضدّ المواقع الإسرائيلية وجيش لحد، تذكره قليلا بالإسم وكثيرا كانت تكرّر كلمة ميلشيا العدو الإيراني السوري. عندها لم تكن إيران وسوريا محلّ إجماع خليجي وهّابي عربي على أنّهما ألدّ أعداء ولم تكن إسرائيل حليف إستراتيجي ولم يكن الجنوب السوري يخضع لسيطرة ميلشيات الموك وجبهة النصرة المتعاملة لحفظ أمن إسرائيل.
وكانت كلمات مذيعة لحد تغيظ حتّى المدن الشمالية اللبنانية التي صارت تهتف اليوم بنشرات أخبار صوت الجنوب، وتذيع ما هو أفظع منها وفي المساجد. وقتها كان الشمال اللبناني يتغنّى ببطولات نصر الله، وكانت إذاعة لحد مرفوضة، وكانوا يدوسون عليها وعلى جنرالاتها وعلى الجنرال لحد، بعكس هذة الأيام التي صارت فيه إذاعة الجنرال أفيخاي أدرعي والجنرال الجولاني هي أمّ الكتاب والباقي متشابهات.
كان الشعب اللبناني يضحك على كلمة ميلشيا العدو الإيراني السوري، ويقول إذا كانت سوريا وإيران عدوتان لإسرائيل، فما هذا الغباء الصهيوني! هذه الكلمات ستجعلنا نحب سوريا وإيران أكثر. خطأ! ثمّ خطأ! إسرائيل كانت تعرف ماذا تقول، وهي ليست معنية بعدم إظهار روحية إجتمعاتها السريّة بالملوك العرب، فهي تترجم النهج المتفّق عليه بينها وبين الملوك. اليوم لا يمكننا القول أنّ الجنوب السوري نسخة عن جنوب لبنان يوم الإحتلال، بل هو نسخة عن قمّة القذارة والعمالة للعدو. كان سابقا العمود الفقري لجيش لحد بعض الخبثاء الذين ذهبوا طوعا وبعض المساكين الذين جُنّدوا كرها عبر التجنيد الإجباري، ولحماية جنود إسرائيل وشمال فلسطين المحتلّ، ولم يكن بمقدور هذا الجيش حتّى عبور الشريط الحدودي لملاقاة ونزال ميلشيا العدو الإيراني السوري.
جيش الجولاني الذي خاض الأسبوع السابق معركة برية ضدّ الجيش السوري كان محميا بدرع جوّي إسرائيلي، وأشرفت إسرائيل بشكل مباشر على هذه المعركة، وسقط لها طائرات، وسقط للجنرال الجولاني وجيشه ما يفوق المئة قتيل، جُلّهم من أطفال دون ال١٥ سنة. لم يحصل بتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي أن تقدم ميلشيا مسلّحة تعمل لإسرائيل وتهاجم جيش عربي. حتّى الجنرال لحد كان يستحي من إظهار العداء للجيش اللبناني وكان يصوّب على حزب الله بحجّة أنّه نفوذ أجنبي إيراني وسوري، وهو طبعا كباقي الملوك والعملاء العرب لا يفهمون معنى الحليف لأنّه عميل مرتهن. الجنرال الجولاني طبّع مع إسرائيل واعترف رسميا بها، ويعمل تحت إمرتها، وصار له مساحة في محطّتها الجزيرة تفوق مساحة الجنرال أفيخاي أذرعي، وصار له شركات إنشورنس تهتمّ بجرحاه وتُطبّبها الأيادي الناعمات من ممرضات الجيش الإسرائيلي في صفد، ويحتسون الشوربة الساخنة ويأكلون اللحم الكاشير، الذي لا يمتّ بصلة للأكباد وللقلوب التي أكلوها من بطون الجثث.
إسرائيل تعمل عبر عميلها الجنرال الجولاني لتدمير خطّ ماجينو السوري الذي بناه الجيش السوري بعد حرب تموز لصدّ الهجوم الإسرائيلي على دمشق في حال وقوع الحرب. الجنرال الجولاني يفعل ما لم يقدر على فعله الجنرال لحد، فهو يقاتل ميلشيا العدو الإيراني السوري، ويقاتل العدو السوري أيضا. ويدمّر أو هكذا يظنّ مشروع العدو الإيراني السوري الذي بني لإكمال الطوق عليها ولتحرير فلسطين عندما تأتي الساعة.
عجبا! من مهازل التاريخ عندما كانت الأعراب تضحك على إذاعة صوت لبنان لحد الجنوبي، وتضحك على كلمة العدو الإيراني السوري، لتصير هذه الكملة التي فيها براءة إختراع صهيوني هي الكملة الرائجة وصاروا يضحكون على من يقول الحليف الإيراني السوري.
صارت ساسة الأعراب التي لا تعرف ساسها من راسها تهتف بصوت واحد العدو الإيراني السوري. لقد فرضت إسرائيل رأيها ونهجها ودينها على قسم من المسلمين والعرب، وغرست رايتها ونجمتها فوق عقالات وتحت دشاديش ملوك العرب، ويتبعهم السواد الأعظم من الشعوب. بينما كانت تستحي دول الخليج من دعم الجنرال لحد، فها هي تستقبل الجنرال الجولاني بالأحضان كالفاتح وهم أشدّ انبطاحا وانفتاحا وفتحا لِ وعلى ومن إسرائيل.
ذكر بعض عملاء جيش لحد أنّه رفس جثة مقاوم من حزب الله كان قد سقط في سبيل تحرير الجنوب، فنهاه الجندي الصهيوني وقال له إنّه يحرّر أرضه وأدّى لها التحية العسكرية. عندها حسّ الجندي العميل اللبناني بأنّه أدنى من الكلب، فالعدو الإسرائيلي يحترم عدوه اللبناني أكثر من إحترامه لكلبه المتعامل معه.
هل يتعّظ عملاء سوريا من هذة القصّة؟ هل يعلم الجنرال الجولاني أنّ الجنرال لحد عاش عيشة الكلاب في سوق النور بعد فراره إلى إسرائيل؟ هذا المال وهذه السلطة اللذان يتمتّع بهما الجنرال الجولاني سينقضيان قريبا، عندما ينتهي دور الجولاني سيقطعون رأسه وستلعب به تنظيمات إسلامية أخرى كرة القدم.