ضحايا 11 سبتمبر، يموتون مرَّتين، وينتقمون مرَّتين!
أمين أبو راشد
بعد خمس عشرة سنة على اعتداء الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 في أميركا، أقرَّ الكونغرس الأميركي أخيراً بمجلسيّ الشيوخ والنواب، المسؤولية المباشرة للسعودية – بأشخاص بعض المسؤولين فيها – عن الهجمات التي أودت بحياة أكثر من 4500 ضحية، وأجاز لذوي الضحايا مقاضاة الحكومة السعودية في هذا الشأن والمطالبة بتعويضات، رغم إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه سيُمارس حقّ الفيتو لمنع وضع القرار موضع التنفيذ، وتعددت الإجتهادات حول حقّ الرئيس بالفيتو بالنظر للأكثرية التي نالها القرار في المجلسين.
رُفِع القانون إلى الرئيس، رغم أنه سبق للبيت الأبيض معارضته وهدَّد باستخدام حق النقض ضده، معتبراً أن هذا يُخالف مبدأ الحصانة السيادية التي تحمي الدول من القضايا المدنية أو الجنائية، والرفض يعني أن الكُرة ستعود الى ملعب الكونغرس، الذي يُمكنه أن يتغلَّب على اعتراض الرئيس ويمرر القانون بأغلبية الثلثين.
وتتوالى التحليلات حول ارتدادات ما يحصل من صراعٍ بين الكونغرس والرئيس، ويذهب البعض الى اعتبارها سابقة خطيرة، حيث قال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش آيرنست في مايو/ أيار الماضي "إن هذا القانون – لو صدر – سيغير القانون الدولي للحصانة المعتمد منذ فترة طويلة، ورئيس الولايات المتحدة لديه مخاوف جدية، بأن يجعل هذا القانون الولايات المتحدة عرضة لأنظمة قضائية أخرى حول العالم”، فيما رأى الدكتور نايل الشافعي، وهو مهندس مصري أميركي محاضر في الجامعات الأميركية، أنه "لو تم تمرير هذا القانون، ستكون له عواقب هائلة على المنطقة العربية، وسيكون على السعودية لتفادي صدوره تقديم تنازلات هائلة”، وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز”، فقد استبق وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إقرار هذا القانون بأربعة أشهر، وهدد الولايات المتحدة الأميركية في حال وافق الكونغرس الأميركي على إقراره، ببيع حوالي 750 مليار دولار من الأصول الأميركية التي تحتفظ بها المملكة.
هذا القانون الذي يُعرف بإسم "قانون العدالة ضد رُعاة الإرهاب”، والذي يُتيح لأهالي الضحايا تقديم الدعاوى لدى المحكمة الإتحادية في نيويورك ضدّ الحكومة السعودية، له ارتدادات كبيرة على السعودية والدول التي تدور في محورها، لكن ارتداداته الداخلية ستكون مزلزلة بحق مصداقية الحكومة الأميركية تجاه الشعب الأميركي، الذي يقف على أبواب الإنتخابات الرئاسية، وسواء مرَّ هذا القانون وبدأت تنهال الدعاوى بحق المملكة، أم ألغاه الرئيس أوباما، فإن المهاجرين من أصحاب السُحنة السمراء الشرق- أوسطية بدأوا يدفعون الأثمان عبر المضايقات في الشارع ومكان السكن ومقرّ العمل.
وإذا كانت المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون قد اعترفت صراحة في كتابها "خيارات صعبة”، أن أميركا هي من صنعت "داعش”، وفضحت دور المملكة في هذا الإطار، فإن المرشَّح الجمهوري دونالد ترامب المُعادي للإسلام وللمملكة السعودية بشكلٍ خاص، سيجعل من هذا القانون/ الإعتراف أقوى سلاحٍ لديه في محاربة كلينتون خلال الإنتخابات، وفي مُحاربة آل سعود في حال فوزه بالرئاسة، خاصة أنه وصف المملكة "بالبقرة الحلوب التي تُدِرُّ ذهباً ويجب ذبحها متى جفَّ ضِرعها”.
وبقدر ما كان لهذا القرار من وقعٍ على السعودية والدول الراعية للإرهاب، بقدر ما كان كما الصدمة على اللوبي الصهيوني في أميركا، لمجرَّد إقرار أوسع مجلسين شعبيين بحقوق مقاضاة المتضررين من ضحايا الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان، وبدا القرار وكأنه المارد الخارج من "خنقة القمقم”، للإنتقام من مرتكبي المجازر الجماعية وجرائم الحرب على المدنيين، ولعلَّ "إسرائيل” التي ارتكبت أفظعها في فلسطين ولبنان، سوف يُزعجها هكذا قرار لو تمَّ "تدويله” وتعميمه بطريقة غير مباشرة، ترتبط بمدى إقدام الأميركيين على تقديم الدعاوى، وأصداء المسألة لدى جمعيات حقوق الإنسان الناشطة دولياً.
وإذا كان موقف البيت الأبيض، وكأنه قتلٌ لضحايا الحادي عشر من سبتمبر للمرة الثانية، إكراماً لإلتزامات أميركا مع السعودية، وحرصاً على الأموال السيادية الأميركية التي قد تتأثر سلباً، سواء في الداخل الأميركي أم في الداخل السعودي والخليجي، نتيجة فرملة تبادل الإستثمارات، فإن الضحايا سوف ينتقم لهم ذووهم مرتين، الأولى عبرتدفيع المسلمين والعرب أثماناً على ما لم يرتكبوه، والثانية في صناديق الإقتراع عندما يقف الناخب الأميركي أمام خيارين: كلينتون "الحربائية المواقف” وصانعة الحروب، التي تُصارع ترامب المتشدِّد وتُصارع مَرَضها لإثبات أهليتها للرئاسة، وتُدافع عن نفسها كرهينة للمال السعودي المدفوع سابقاً لمؤسسة كلينتون التي يملكها زوجها، أم يختار الشعب الأميركي "المجنون ترامب”، المُعادي للمهاجرين من مسلمين ولاتينيين، والذي لا يؤتمن على "الحقيبة النووية” كما يقول خصومه، وكائناً ما كانت نتائج الإنتخابات الرئاسية، فإن الشعب الأميركي قد انقسم "مجتمعياً”، ومُعاداة السُحنة الشرق-أوسطية و”الغترة” السعودية ستكون عنوان المرحلة القادم.