الموت في ضيافة آل سعود: وفاة 90 ألف حاج ومعتمر في 14 عاماً
طهران - كيهان العربي:- عشية الذكرى الأولى لكارثة مِنى، نشرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية قاعدة بيانات، مسرّبة، تعود في الأصل لوزارة الصحّة السعودية، وقد حصلت عليها منذ أسابيع وكانت قيد التدقيق، وهي تشتمل على بيانات الحجّاج المتوفّين طوال السنوات الـ 14 الماضية، بمن فيهم ضحايا حادثتي مشعر منى ورافعة الحرم
يُعَدّ الحج هذا العام (1437 هـ) الموسم الـ1464 مذ شرع المسلمون بتطبيق الفريضة أواخر حياة النبي العربي. كذلك يُعَدّ الموسم الـ 93 مذ تسلّم آل سعود إدارة تلك المناسك، حينما أحكم مؤسّس مملكتهم، عبد العزيز، سيطرته، بالسيف، على "الأرض المقدسة"، منقلباً على عهوده التي قطعها للمسلمين عامّة والحجازيين خاصّة.
موسم لا يشبه أيّاً ممّا سبقه، لكونه يأتي في ظلّ أعمال توسعة "متوحّشة" يشهدها الحرمان، انعكست تقليصاً قياسيّاً لعدد الحجّاج الوافدين من مختلف بلدان العالم، وبعد إحدى كبريات الفواجع في تاريخ الحج (كارثة مِنى). وقد بقيت فصول تلك المأساة طيّ الكتمان والتعتيم والتمييع بفعل ما فرضته السلطات السعودية على مجرياتها ونتائجها. فصول يميط التحقيق الآتي اللثام عن أخطرها، كاشفاً وثيقة رسمية تفضح سوء الإدارة والتضليل، لا في موسم 1436هـ فحسب، بل على امتداد السنوات الـ 14 الماضية.
في ردود الفعل، تجاوزت ارتدادات أزمة مِنى المواقف الغاضبة من قبل عواصم العالم الإسلامي، وبلغت حدّ مقاطعة الموسم الحالي. قرار أقدمت عليه إيران، المتضرّر الأكبر من الكارثة، وصاحبة السهم الأوفى من الضحايا الذين بلغ عددهم، بحسب الإعلان الرسمي للسلطات السعودية، 769 قتيلاً و694 مصاباً. على الرغم من خوض الطرفين الإيراني والسعودي جولتين تفاوضيتين، في نيسان وأيّار الماضيين، في محاولة للتوصّل إلى تسوية للأزمة، بدت السياسة أقوى. إذ إن الرياض تذرّعت ببعض المطالب الإيرانية، التي كانت محقّقة أصلاً في مواسم الحجّ السابقة (كدعاء كُميل المنسوب الى الامام علي بن أبي طالب، والذي يقرأه المسلمون الشيعة في ليال بعينها، ومراسم البراءة التي أطلقها الامام الخميني، والمتضمّنة رفع الحجّاج شعارات مضادّة لـ"الاستكبار العالمي")، لرفض الضمانات التأمينية لسلامة الحجّاج الإيرانيّين. إثر ذلك، أعلنت إيران، رسميّاً، أنّها لن ترسل حجّاجها إلى مكّة هذا العام، ملقية باللائمة على السعودية في تعطيل المناسك.
في دول إسلامية أخرى أيضاً، ظلّ ملفّ كارثة مِنى مفتوحاً. صحيح أن "زوبعة" إعلان أرقام غير مؤكّدة وتمنية أهالي الضحايا بنتائج التحقيقات التي ستجريها السلطات السعودية انتهت، إلّا أن علامات الشكّ لا تزال، حتّى الآن، مرتسمة حول تعاطي حكومات الدول المعنية مع الكارثة. علماً أن السعودية سارعت، إلى دفن الكثير من الحجّاج، من دون إخطار ذويهم، فضلاً عن انطماس هويّات بعض الجثث.
هكذا، تحوّلت الإدارة السعودية من "فاشل" يمكن اغتفار ذنوبه يوماً، إلى "مجرم حقيقي" يصل في توحّشه حدّ رفض الاعتذار إلى أهالي الضحايا، وتحميل الأخيرين، بكلّ عنجهية، مسؤولية حتفهم! (بعد أقلّ من أسبوع على الكارثة، لم يجد الملك سلمان بن عبد العزيز حرجاً في توجيه التهنئة إلى وليّ عهده، محمّد بن نايف، على "نجاح" موسم حجّ 1436هـ!).
تكشف البيانات المعنونة بـ"بيان بالمتوفّين خلال الفترة من 1423هـ إلى1437 هـ"، تحت تصنيف "حجّاج ــ جميع الجنسيّات"، أعداد وأسماء وأجناس وجنسيّات وأعمار وتواريخ وفاة المتوفّين خلال السنوات الـ 14 الأخيرة، دون إيضاح ما إذا كان ذلك يشمل المعتمرين أو أنّه مقتصر على الحجّاج. على امتداد 3121 صفحة ترتصف بيانات 90267 حاجّاً لقوا حتوفهم في الأراضي المقدّسة، في تلك الفترة. رقم قد تضحى أمامه كارثة منى مجرّد تفصيل.
حتّى لو أخذنا بالحسبان أن السعودية استقبلت خلال الفترة المذكورة عشرات الملايين من الحجّاج والمعتمرين، جلّهم من كبار السنّ، الذين ترتفع احتمالات مفارقتهم الحياة، سواء "قضاءً وقدراً"، أو لعدم استطاعتهم تحمّل الزحام والجهد، فإن الرقم يبقى مُفزِعاً إلى حدّ أنّه يقارب حصائل الحروب الفتّاكة الكبرى. من المفيد، هنا، استرجاع بعض الأرقام المعلنة، رسميّاً، من قبل السعودية خلال أبرز حوادث الحجّ. بحسب إحصاءات السلطات، توفّي جرّاء ما تسمّيه المملكة "حوادث تدافع" فقط، ما بين 1990 و2015، قرابة 3200 حاجّ. وإذا ما أضفنا إلى هذه الحصيلة ضحايا حوادث متفرّقة، من مثل الحرائق والانهيارات والاشتباكات، وقعت ما بين 1975 و2015، يرتفع الرقم إلى نحو 4500 حاجّ متوفٍّ. أمّا البيانات المخبّأة، فإنّها تظهر أن مناسك الحجّ "قتلت"، خلال 14 عاماً فقط، أكثر من 90 ألف شخص.