اسرائيل: فشل استخباراتي.. ارباك في الخيارات.. وقلق من تعاظم حزب الله
جهاد حيدر
منذ أن تمت اعادة فرض السرية على جلسات لجنة الخارجية والامن، التابعة للكنيست، لم يعد رئيسها وأعضاؤها يسهبون في العرض والتحليل لما تم عرضه امامهم تجنبا لكشف اسرار الدولة أمام اعدائها، وعلى رأسهم حزب الله، كما ألمح إلى ذلك أكثر من مسؤول إسرائيلي في مراحل سابقة. هذه الحقيقة، تضفي مزيدا من الأهمية، للمواقف والتقديرات التي أدلى بها رئيس اللجنة، آفي ديختر، إلى وكالات عالمية، خاصة وأنها تناولت النظرة إلى تطور قدرات وخبرات حزب الله، ومستقبل التطورات في الساحة السورية. وفشل الاستخبارات الإسرائيلية في قراءة واستشراف وتقدير مسار التطورات، ما أدى إلى فشل استراتيجي لكافة مؤسسات الدولة.
تتميز المواقف التي أدلى بها ديختر، عن الكثيرين في إسرائيل، أنها تنطلق من موقعه كرئيس للجنة الخارجية والامن، الذي يسمح له الاطلاع الوثيق والدقيق على التقارير السرية للاجهزة الاستخبارية والسياسية ازاء ما يجري في المنطقة. فبحسب القانون الإسرائيلي يمثل أمام لجنة الخارجية والامن كبار قادة الدولة وأجهزتها الامنية والعسكرية والسياسية، ليُقدِّموا أمامها تقاريرهم. ولأهمية ما يرد في مثل هذه الجلسات لم يعد ينشر في وسائل الاعلام سوى ما يتم اختياره بشكل مدروس ومقتضب جدا.
فيما يتعلق بحزب الله، أقر ديختر بأن حزب الله رغم التضحيات التي قدَّمها على الساحة السورية، وهو ما اعتبره خبرًا سارًّا بالنسبة لإسرائيل، إلا أنه يزداد خبرة في الميدان ويستعين بأسلحة متطورة وهنا طبعا تصبح الاخبار غير سارة للاسرائيليي .
اسرائيل:فشل وارباك وقلق
يأتي التقدير الذي أورده ديختر بعد فشل الرهانات والتقديرات السابقة التي كان يتم تبنيها في إسرائيل منذ انطلاقة الاحداث في سوريا. في البداية كان الرهان على سقوط الرئيس الاسد، واستبداله بنظام معاد لحزب الله ومحور المقاومة الامر الذي يُمكِّن إسرائيل من التخلص من خطره بل وصل الرهان في حينه الى حد الكلام عن اجتثاث حزب الله واستعادة إسرائيل احلامها وأطماعها في الساحة اللبنانية.
في مرحلة تالية، بعد فشل الرهان على سقوط الرئيس الاسد، تم التراجع إلى سقف الرهان على استنزاف حزب الله، بما يؤدي إلى اضعافه، ويفسح المجال امام إسرائيل لتوسيع نطاق اعتداءاتها على الساحة اللبنانية. لكن التقدير المذكور الذي قدَّمه ديختر، وقبله العديد من الخبراء والشخصيات ذات الصلة، يكشف مرة جديدة عن خيبة الرهانات الإسرائيلية.
يكشف التوصيف الذي أدلى به ديختر، مع ما سبقه من مواقف مشابهة، عن أن إسرائيل أدركت وبدأت تتلمس مفاعيل المشاركة الواسعة لحزب الله، لجهة رفع مستوى التأهيل العسكري لكوادر ومقاتلي حزب الله، عبر الخوض في معارك قاسية وفي ساحة تتحرك فيها جيوش لدول اقليمية وعظمى.
في السياق نفسه، يلفت رئيس مجلس الامن القومي السابق، اللواء يعقوب عميدرور، إلى هذه المسألة بالقول أن إسرائيل "لم يسبق لها مطلقا أن واجهت في الميدان تنظيما يملك خبرة قتالية كالتي يملكها حزب الله بعد تدخله في سوريا». وهذا المفهوم لا ينطبق فقط على ما أسماه «المقاتلين النظاميين»، بل يشمل ايضا "رجال الاحتياط" (يقصد التعبئة العامة). وبلغ الامر بعميدرور أن حذَّر من أن حزب الله بعد مشاركاته الواسعة في سوريا "سيصبح جوزة من الصعب جدا كسرها".
انطلاقا من هذه الخلفية، يمكن ايضا فهم ما أدلى به ديختر، عندما أوضح موقفه بالقول أن حزب الله "لم يعد عبارة عن منظومة من النشطاء.. وانما يتشكل من ألوية، ويملك أسلحة ذكية". وفي الاطار نفسه، يندرج ايضا ما حذَّر منه ديختر بالقول أن "سوريا تحولت إلى ساحة تدريب جيدة" لمقاتلي حزب الله، مؤكدا بأن أية جولة قتال اضافية مع حزب الله، لاحقا، ستكون مختلفة عما عهدناه، ونحن نستعد لذلك"، وصولاً إلى توصيفه بأنه "التهديد الاكبر" على إسرائيل.
فيما يتعلق بالساحة السورية، يقر ديختر بفشل التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية ازاء مستقبل النظام والرئيس الاسد، كما فشلت الاستخبارات العربية والغربية بحسب تعبيره. يكشف هذا الاعتراف عن أن المسار الذي سلكته التطورات أتى مخالفاً للرهانات الإسرائيلية والغربية، على الاقل في جانب رئيس منه يتصل بتطويق المقاومة.. وتفكيك محورها، والقضاء عليها..
ويكشف اقرار ديختر بعجز إسرائيل عن استشراف مسار التطورات السورية، عن أن مؤسسة صناعة القرار في إسرائيل، تشهد حالة من الارباك حول الخيارات الواجب اعتمادها سواء من موقع المبادرة، أو حتى من موقع بناء الجهوزية للتطورات اللاحقة.. ولم يكتف ديختر بالعموميات، بل أسهب مدققاً بالقول هناك نقاش في إسرائيل، حول المرحلة التي تمر بها الاحداث في سوريا، وتوصيفها "هل ما زلنا في البداية، أو في النهاية، أو في بداية النهاية". مع ذلك، ما يستحق التوقف عنده، هو ان القراءة الإسرائيلية لمستقبل سوريا ترى أنها تتجه كي تكون أكثر فوضوية، وتحت هذا السقف من الصعب توقع الوضع الذي ستؤول اليه.. ويبدو من خلال كلام ديختر أن هناك تفاوتًا في تقدير مفاعيل مآلات الساحة السورية، خاصة وأن أية صيغة تنطوي على فرص وتهديدات كامنة وفعلية.. لكن القدر المتيقن هو أن ما جرى ويجري، يساهم في اضعاف اعدائها التقليديين، لبنان (حزب الله)، ايران وسوريا.. واوضح ديختر مكمن المصلحة الإسرائيلية بالقول "كلما أصبح الوضع أكثر تشرذما كلما ضعف التهديد ضدنا".