بغداد: بين رفض السبهان والاحتفاء بانصار الله!
ـ عادل الجبوري
كان الحراك السياسي في العاصمة العراقية بغداد ملفتا ومثيرا في بعض جوانبه، لسبب بسيط تمثل في ان بعض ما تضمنه انطوى على صراحة ووضوح بدرجة اكبر من اي وقت مضى، ناهيك عن الجدل والسجال الذي احدثه بين بعض الفرقاء ارتباطا بتقاطع المواقف والتوجهات واختلاف المشاريع والاجندات.
فبعد سلسلة من الانتقادات الحادة واللاذعة التي تعرضت لها وزارة الخارجية العراقية طيلة شهور من قبل اوساط ومحافل سياسية وشعبية مختلفة، بسبب عدم اتخاذها موقفًا قويًا وحازمًا وصريحًا حيال تجاوزات واساءات السفير السعودي في العراق ثامر السبهان، اصدرت بيانا واضحا، اكدت فيه ان الاخير بات شخصا غير مرغوب فيه، وطالبت السلطات السعودية استبداله بسفير اخر.
خطوة الخارجية العراقية الجريئة، حظيت بترحيب وارتياح مساحات واسعة من الجو السياسي والشعبي العام في العراق، في الوقت الذي ابدت فيه قوى سياسية معينة، وتحديدا اتحاد القوى العراقية-ردود فعل غاضبة وسلبية، على اعتبار ان ضغوطات خارجية ارغمت الحكومة العراقية على اتخاذ مثل هذا الموقف ضدَّ سفير الرياض في بغداد.
اما الرياض فقد تعاطت بنوع من الهدوء مع المطلب الرسمي العراقي، رغم حملة انتقادات للعراق اطلقتها بعض وسائل الاعلام السعودية المقروءة والمرئية والالكترونية، لم يكن فيها شيء جديد خارج السياق الذي اعتادت عليه المنابر السياسية والاعلامية والدينية السعودية في تعاطيها مع الشأن السياسي العراقي. العراق يتخذ الموقف الاكثر وضوحا ...
رسميا لاحت اشارات سعودية بالتعاطي ايجابيا مع مطلب تغيير السفير السبهان، ولعل من بين ابرز الاشارات تسريب هوية الشخص المرشح ليحل محل السبهان، وهو عبد العزيز الشمروخي الشمري، الذي كان يشغل منصب الملحق العسكري في سفارة بلاده بالمانيا، ويبدو ان الرياض كانت متوقعة ومتحسبة لاستبدال السبهان، واختيارها لعبد العزيز الشمري -ان صح- فإنه يعكس قراءة من نوع خاص ذات بعد عشائري-قبلي، حيث ان هذا الاخير ينتمي الى قبيلة لها ثقل وحضور كبيران في العراق، في الوسطين السني والشيعي على السواء، ما يعني امكانية التواصل مع الفضاء السياسي والاجتماعي العراقي بإطاره الواسع بمرونة اكبر وبعيدا عن التشنجات والاحتقانات التي رافقت وجود السبهان في العراق لمدة ثمانية أشهر او اكثر، لكن يبقى الامر الاكثر اهمية من الالقاب والانتماءات القبلية والعشائرية، هو حقيقة التوجهات والسياسات السعودية حيال العراق، ومدى مراجعتها وتصحيح مساراتها الخاطئة، وتلك مهمة لا يمكن لأي سفير ان يقوم الا بجزء صغير منها.
وبعيدا عن التفاصيل واستشراف المستقبل، فإن مجرد طلب العراق رسميا من السعودية استبدال اول سفير عينته في بغداد بعد قطيعة ربع قرن، يعد ضربة سياسية ودبلوماسية موجعة للرياض، ورسالة مفادها "ان السعودية لم تحسن التعامل مع العراق، حتى بعد ان قررت استئناف العلاقات الدبلوماسية معه، وجنحت الى توسيع جدار عدم الثقة، بدلا من مد جسورها، وتفكيك عقد الماضي.
في الوقت نفسه، فإن بغداد كانت بحاجة لأن تكون واضحة وصريحة الى حدٍّ كبير، وتضع النقاط على الحروف، حتى لا تبدو وكأنها مستسلمة وخاضعة للأمر الواقع على عِلّاته، وبكل ما يرتبه من تبعات وآثار سلبية عليها.
وفي الجانب الاخر، فإن استقبال بغداد لوفد برلماني يمني، يمثل حركة انصار الله، جاء ليعزز حقيقة الوضوح الاكثر في المواقف والتوجهات، فقد ترأس الوفد المتحدث الرسمي باسم حركة انصار الله محمد عبد السلام، وعضوية كل من مهدي المشاط مدير مكتب زعيم الحركة، وشقيق زعيم الحركة النائب البرلماني يحيى بدر الدين الحوثي، اضافة الى ممثلي الحركة في مشاورات السلام التي جرت مؤخرا في دولة الكويت.
وسواء كان تزامن زيارة الوفد الحوثي اليمني للعراق مع طلب استبدال السفير السعودي مقصودا او غير مقصود، فإن الحدثين وبما يحمل كل واحد منهما من دلالات ومعان، شغلا الحيز الأكبر من الاهتمام-سلبا او ايجابا-وكان لا بد لأي مراقب ومحلل ان يتوقف عندهما معا.
ولعله لا يمكن بأي حال من الاحوال، تجاهل قراءة واقعية وموضوعية مفادها، انه مثلما ارادت بغداد ان توصل الى الرياض رسالة معينة حينما طلبت اخراج السبهان من العراق، فإنها حينما استقبلت وفد الحوثيين واحتفت به على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي، ارادت ان توصل رسالة لأكثر من طرف توضح حقيقة موقفها من مجمل الأزمة اليمنية، وتقول، ان الحل لا يتحقق عسكريا كما راهنت الرياض، وانما بشكل سياسي ودبلوماسي كما دعا اصحاب الحكمة والعقل، وكما اثبتت الوقائع والاحداث خلال العامين المنصرمين، واكثر من ذلك ارادت بغداد ان تقول في رسالتها، انها على استعداد ان تلعب دورا في صياغة وبلورة الحل السياسي الدبلوماسي في اليمن.
واللافت ان الاطراف والقوى والشخصيات التي اعترضت على طلب استبدال السفير السعودي، اعترضت هي نفسها على زيارة الوفد اليمني لبغداد، معتبرة أنه يأتي في خانة الاصطفافات والتحالفات الطائفية، وهذه نظرة قاصرة وضيقة لأنها تتجاهل وتقفز على الكثير من الحقائق الماثلة على الارض في عموم المشهد الاقليمي للمنطقة، لاسيما وان البحث عن الحلول والمعالجات العملية والواقعية، سواء للأزمة اليمنية او السورية او البحرينية... يقتضي اشراك كل القوى والاطراف المعنية، وفي اطار أراضٍ واسعة للحوار البناء.
ومن اي زاوية تعاملنا مع الامر، فإن العراق لا بد ان يكون حاضرا بقوة، لانه يمثل طرفا رئيسيا ومهما، ويمثل احد ابرز ساحات الحراك في المنطقة، وهو بمثابة الجبهة المتقدمة لمواجهة الارهاب الداعشي من جانب، ومن جانب آخر فإنه يعيش في مرحلة انتقال وتحول سياسي بدأ منذ ثلاثة عشر عاما ومازالت مستمرة، ومن جانب اخر فإنه بحكم جملة عوامل وظروف موضوعية يمكن ان يكون حلقة وصل ومحطة تقريب بين الفرقاء الاقليميين، لاختصار واختزال طرق ومسالك الحلول الطويلة والمتعثرة والشائكة، ولا شك ان وضوح المواقف والتوجهات، قد يبدو مزعجا وترافقه بعض المشكلات، بيد انه خيار لا مناص منه عند بعض المراحل والمنعطفات.