جريمة إسقاط الطائرة المدنية الماليزية بصاروخ اوكراني
جورج حداد
مأساة طائرة "البوينغ ـ 777” المدنية الماليزية، التي كانت قادمة من امستردام باتجاه كوالا لامبور، والتي اسقطت في 17 حزيران الجاري فوق شرقي اوكرانيا على بعد 60 كلم عن الحدود الاوكرانية ـ الروسية. ولا تزال المأساة تحاط بالمزيد والمزيد من الاقاويل السياسية، والاحاجي، والافتراضات والاكاذيب المكشوفة.
مجرم الحرب بوروشينكو يكذب
وقد بدأت الاكاذيب منذ الساعات الاولى لسقوط الطائرة، حيث لم يكن يعرف شيء بعد، ولم يكن قد تم جمع الحطام والعثور على الصندوقين الأسودين، حيث تنطح الرئيس الاوكراني بيترو بوروشينكو للتأكيد: ان الطائرة قد تم اسقاطها من قبل "الانفصاليين!!!” الموالين لروسيا وبمساعدة روسيا! ولم يتوان عن الادعاء ان لديه صوراً من الاقمار الاصطناعية للمكان الذي أطلق منه الصاروخ الذي أصاب الطائرة، وصوراً لقواعد الصواريخ السمتية، وتسجيلات للمكالمات الهاتفية بين "الارهابيين!!!”. وهذه المعلومات كلها كانت لدى بوروشينكو بعد أقل من ساعة على سقوط الطائرة. ولا ضرورة لأن يكون المرء خبيراً حتى يتساءل: هل هذه "المعلومات” كانت محضرة سلفا، قبل سقوط الطائرة، ام انها "معلومات” كاذبة تم الاعلان عنها ثم "تركيبها” لاحقاً؟ هذا ما سيتضح في مجرى التحقيقات. ولكن تصريحات بوروشينكو اصبحت ممسكا حقيقيا عليه، بأنه شريك في اسقاط الطائرة، وفي التغطية على الفاعلين الحقيقيين، وتوجيه الاتهام جزافا الى دولة عظمى، عضو في مجلس الامن الدولي، هي روسيا. وهو اتهام سيكون بوروشينكو مسؤولا عن كل تبعاته.
وفي أعقاب تصريحات بوروشينكو عديمة المسؤولية، ثارت زوبعة اعلامية ـ سياسية منسقة من الاتهامات الكاذبة الموجهة الى روسيا و”الانفصاليين!!!” الموالين لها. وكل ذلك كان يثير عدة تساؤلات رئيسية، لا يمكن، بدون الاجابة عليها، القيام بأي تحقيق جدي حول مقتل الـ295 شخصا الذين كانوا على متن الطائرة.
البروباغندا الاميركية في العمل
ان المعلومات وحيدة الجانب واخفاء الوقائع هي منذ زمن بعيد ماركة مسجلة لآلة البروباغندا الاميركية، ولكن مهما حاولوا اقناع الرأي العام بـ”جرائمية الارهابيين في شرق اوكرانيا، وروسيا”، فإن هذه الاتهامات الكليشيهية لا تستند الى اية وقائع او براهين. والامر ببساطة لا يخرج عن دائرة الاستمرار في شن الحرب الاعلامية العدوانية ضد روسيا، المستمرة منذ اشهر. ولهذا يوجد عدة وقائع ينبغي تعدادها، اذا كان المرء يريد حقا ان يدرك ماذا يجري:
حرف الطائرة عن مسارها المعتاد
ـ1ـ ان المراقبين الجويين الأوكرانيين (air traffic controllers) قد حرفوا الطائرة المنكوبة نحو الشمال والى مستوى أدنى من خط سيرها المعتاد ووجهوها نحو مناطق القتال. وحسب معطيات نشرها الموقع الخاص بمتابعة الرحلات الجوية (flightaware)، فإن "البوينغ” المنكوبة لم تطر في خط سيرها المعتاد من امستردام الى كوالا ـ لامبور. ان المراقبين الجويين الاوكرانيين، الذين كانوا يوجهون سير الطائرة فوق اوكرانيا، ولسبب غير معروف، قد حرفوها نحو الشمال بخط سير يتجه رأسا نحو المنطقة، التي كانت تجري فيها في الأيام الاخيرة معارك ضارية بين جيش كييف والمتطوعين الشعبيين المدافعين عن مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك. وحسب رأي الخبراء فإن خط سير الطائرة يتم ادخاله في الكومبيوتر الخاص بالطيران منذ انطلاق الطائرة، أي في هذه المناسبة منذ انطلاقها من امستردام. ويمكن تعديل هذا الخط استثنائيا في المكان المحدد، فقط في حال وجود عواصف شديدة. فلماذا جرى تغيير خط سير الطائرة؟ وبالإضافة الى ذلك فإن "البوينغ ـ 777” كان ينبغي ان تطير على ارتفاع 600 10 متر، وهو ما أكده نائب رئيس شركة Malaysia Airlines هايب غورتير. وايضا لأسباب غير معروفة فإن المراقبين الجويين الاوكرانيين قد دفعوا الطيار لان يطير على ارتفاع، ادنى من المقرر بكثير، يبلغ 10050 مترا. وحسب رأي الخبراء في وزارة الدفاع الروسية، فاذا جرى التحقيق فقط من جانب سلطات كييف، فإن المعطيات حول تعديل خط سير الطائرة يمكن اخفاؤها، او اتلافها، او تزويرها. ان جميع التسجيلات على الارض للمكالمات بين المراقبين الجويين وبين الطيار قد تم وضع اليد عليها من قبل الاجهزة الخاصة الاوكرانية وحتى الآن لم تقدم الى أي طرف آخر. والرئيس الاميركي اوباما، وجميع القادة الاوروبيين اللاحقين به، يحاولون بأي شكل كان ان "ينسوا” مسألة تبديل خط سير الطائرة.
صواريخ "بوك” الاوكرانية كانت هناك
ـ2ـ لعبة الكشاتبين بصواريخ "بوك”: لقد اعلنت السلطات الرسمية في كييف، تقريبا فور وقوع الكارثة، ان طائرة "البوينغ” اسقطت بواسطة صاروخ "بوك”، الذي يمكن ان يصل الى طائرة على هذا الارتفاع. والاحتمال الاول الذي طرحته كييف هو ان "الانفصاليين!!!” كانوا قد استولوا على قاعدة صاروخ "بوك” من الجيش الاوكراني، واستخدموها لاسقاط الطائرة. ولكن القوات العسكرية الرسمية الموجودة في المنطقة قامت على الفور بتكذيب استيلاء "الانفصاليين!!!” على صواريخ "بوك”. كما ان الثوار في ما يسمى "نوفوروسيا” (روسيا الجديدة) اعلنوا رسميا واكثر من مرة انهم لا يمتلكون اي قاعدة لصاروخ "بوك”. وحسب رأي الخبراء العسكريين الروس، فإن تحريك واستخدام مثل هذه المنظومة الصاروخية المعقدة، يحتاج الى اختصاصيين مدربين بشكل ممتاز، وهو ما لا يتوفر لدى الثوار الذين هم متطوعون شعبيون. ومع انفضاح كذبته المفبركة، بدأ بوروشينكو يردح بأغنية جديدة تقول: اذا كان "الارهابيون!!!” لا يملكون صواريخ "بوك”، فهذا يعني ان الروس زودوهم بها لكي يسقطوا الطائرة. وهذا الاحتمال اخذ يردده بأسى وزير الخارجية الاميركي جون كيري ايضا. ويقول الخبراء انه ليس من الممكن ان تمر مثل هذه القاعدة الصاروخية من دولة الى اخرى بدون ان يتم اكتشافها من قبل الطيران او الرادارات المختصة او الاقمار الاصطناعية. وقد أعلن الكرملين رسميا ان صواريخ "بوك” لم تعبر من روسيا الى اوكرانيا. كما تبين ان القوات المسلحة الاوكرانية تمتلك 27 قاعدة صاروخية من طراز "بوك”، ولا احد يدري لماذا كانت هذه القواعد منتشرة في مقاطعة دونيتسك قبل ايام من اسقاط الطائرة الماليزية. أليس من المحتمل ان يكون أعطي الامر لها بأن تسقط الطائرة المنكوبة. ان المدافعين عن كييف في الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي يتجنبون ان يذكروا ذلك. ولكن اجهزة الرقابة الروسية كانت قد سجلت تشغيل رادارات صواريخ "بوك” الاوكرانية في يوم وقوع الكارثة. وفي شبكة التواصل الاجتماعي ذكر مخبر، قدم نفسه على انه اسباني يعمل لصالح اوكرانيا، انه قبل دقائق من الكارثة ظهرت على الشاشات الى جانب "البوينغ” طائرتان حربيتان...
فبركة تسجيلات مزورة:
وكما سبق وذكرنا، فإن بوروشينكو اعلن فور وقوع الكارثة انه توجد لديه تسجيلات لـ”الانفصاليين!!!”، تبرهن انهم هم الذين أسقطوا الطائرة. وبعد يوم من ذلك نشر على الانترنت تسجيل، يتحدث فيه ثوار اوكرانيون عن سقوط طائرة. وقد أجرى متخصصون روس في تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات تحليلا للتسجيل المنشور، فتبين لهم انه مركب من ثلاثة تسجيلات مختلفة، ولكن في منتصفه فإن المزورين قد ارتكبوا هفوة، وهي انهم لم يمحوا التاريخ الذي صنع فيه التسجيل، وهو يعود الى يوم قبل وقوع الكارثة. وهذه المعلومة لم يجر نشرها في وسائل الاعلام الموالية لأميركا. بل ان الوزير كيري اعلن انه بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية فإن هذا التسجيل هو أصلي...
ومثل هذه الكذبة المفبركة بشكل سيء حاولت كييف ان تنشر ايضا تسجيل فيديو لقاعدة صاروخية من طراز "بوك”، زعم انها هي ذاتها التي تم استخدامها من قبل "الانفصاليين!!!”، والتي بعد تنفيذ "المهمة” توجهت نحو روسيا. ولكن الكذبة انفضحت بسرعة، لان تسجيل الفيديو الذي تظهر فيه القاعدة الصاروخية، تبين فورا انه مصور قبل خمسة ايام من مأساة "البوينغ”، وتظهر فيه اللافتات في شوارع مدينة اخرى في شرق اوكرانيا، لم يكن المتطوعون الشعبيون موجودين فيها ابدا. وتظهر في الفيديو المفبرك قاعدة صواريخ "بوك” اوكرانية، كان يتم تحريكها باتجاه الجنوب نحو منطقة العمليات العسكرية.
الصندوقان الاسودان:
ان الصندوقين الاسودين للطائرة المنكوبة، اللذين يمكن ان يلقيا الضوء على ما حدث على متن الطائرة في الدقائق الاخيرة قبل سقوطها، قد اصبحا هما ايضا مادة للافتراضات المتعارضة. في البدء قيل ان المتطوعين الشعبيين قد وجدوهما. ولكن المتطوعين انفسهم نفوا ذلك. وبدأ البحث من جديد، في الموقع الذي سقطت فيه بقايا الطائرة. ثم تأكد ان الصندوقين قد تم العثور عليهما فعلاً، ولكن المتطوعين الشعبيين رفضوا تسليمهما الى سلطات كييف وأصروا على تسليمهما فقط الى المراقبين الدوليين.
لا يحترمون حتى جثامين الضحايا:
ولم تسلم جثامين الضحايا أيضا من التلاعب السياسي البشع لسلطات كييف واسيادها في واشنطن. ففي الوقت الذي ظل فيه ممثلو المتطوعين الشعبيين لمدة اربعة ايام متواصلة يناشدون الفرق الدولية وممثلي ماليزيا ان يصلوا بأسرع وقت الى موقع الكارثة، لأنه بسبب الجو الحار فإن الجثث تتحلل بسرعة، ويمكن ان تنتشر اوبئة. ولكن كييف اعلنت ان "الانفصاليين!!!” يمتنعون عن السماح للمراقبين بالوصول الى المكان؛ اما الناطقون الرسميون باسم واشنطن فأظهروا قدرا اكبر من "الذكاء” إذ دعوا روسيا الى "اجبار” المتطوعين الشعبيين الاوكرانيين المعارضين لحكومة كييف الفاشستية على السماح بوصول فرق المراقبين الدوليين الى مكان الكارثة. في حين ان روسيا كانت منذ الساعات الاولى للكارثة تلح على ارسال المراقبين الدوليين الى المكان. وفي الحقيقة وصل فريق المراقبين الدوليين الى المكان بعد اربعة ايام من الكارثة وبدأ العمل بحماية المتطوعين الشعبيين انفسهم. اما سلطات كييف فأعلنت انها لا تضمن سلامة المراقبين بوجود "المجرمين” اي المتطوعين الشعبيين.
بوروشينكو يتابع الكذب
وبالرغم من ان بوروشينكو، الذي هو دستوريا القائد الاعلى للقوات المسلحة، اعلن ـ لأجل الدعاية الخارجية على الطريقة الاميركية ـ عن وقف اطلاق النار في دائرة قطرها 40 كيلومترا في موقع الكارثة، فإن الطائرات الحربية والقاذفات الثقيلة الاوكرانية استمرت ليلا ونهارا في قصف مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك، مما اخر بشكل جدي عمل المراقبين الدوليين.
روسيا تسأل والغرب يصمت صمت القبور
وكان نائب وزير الدفاع الروسي اناطولي انطونوف قد وجه في 19 تموز الجاري 10 اسئلة الى سلطات كييف (تم تجاهلها في وسائل الاعلام الغربية) وهي:
ـ1ـ لقد حددت سلطات كييف فورا المتهمين بالكارثة، وهم طبعا المتطوعون الشعبيون بنظرها. فعلى مَا استندت هذه الاتهامات؟
ـ2ـ هل يمكن لسلطات كييف ان توضح بالتفصيل لماذا تم استقدام منظومات صواريخ "بوك” الى منطقة العمليات القتالية، مع العلم ان المتطوعين الشعبيين لا يمتلكون سلاح طيران؟
ـ3ـ ما هي الاسباب التي تجعل سلطات كييف لا تفعل شيئا لاجل تشكيل لجنة دولية للتحقيق؟
ـ4ـ هل ان ممثلي القوات المسلحة الاوكرانية مستعدين لان يعرضوا امام خبراء دوليين الوثائق المتعلقة بوجود صواريخ "جو ـ جو” و”ارض ـ جو” في مجموعات الدفاع الجوي الاوكرانية قبل ووقت وقوع الكارثة؟
ـ5ـ هل ستقدم للجنة رقابة دولية الوثائق المتعلقة بحركة طيران القوات الجوية الاوكرانية في يوم وقوع الكارثة؟
ـ6ـ لماذا قام المراقبون الجويون الاوكرانيون بحرف خط طيران الطائرة المنكوبة نحو الشمال، اي نحو المناطق التي كانت فيها سلطات كييف تشن عمليتها الحربية ضد الشعب في جنوب شرق البلاد؟
ـ7ـ لماذا لم يكن قد منع بشكل تام الطيران المدني فوق المدى الجوي لمنطقة القتال؟
ـ8ـ هل يمكن لسلطات كييف الرسمية ان تعلق على الاعلان الذي نشر باسم مراقب جوي اسباني مزعوم، والذي جاء فيه ان "البوينغ” كانت ترافقها طائرتان حربيتان اوكرانيتان؟
ـ9ـ لماذا بدأت اجهزة الامن الاوكرانية العمل على معطيات الرادارات الاوكرانية وتسجيلات مكالمات المراقبين الجويين الاوكرانيين مع طاقم "البوينغ”، بدون حضور الممثلين الدوليين؟
ـ10ـ كيف استفادت كييف الرسمية من دروس الكارثة المشابهة التي حلت بطائرة "تو ـ 154” الروسية فوق البحر الاسود (في تشرين الاول 2001)؟ فحينذاك ظلت كييف الرسمية حتى اللحظة الاخيرة تنفي اي مسؤولية لها في اسقاط الطائرة، الى ان كشف التحقيق براهين قاطعة عن مسؤولية الجيش الاوكراني عن اسقاط الطائرة!
ولا تزال كييف وحماتها الاميركيون والاوروبيون يمتنعون عن الاجابة عن هذه الاسئلة، ويعملون لتأخير وعرقلة التحقيق الدولي في الجريمة.