أيهـا السفهـــاء.. مـن غـــزة لـن تنالـــوا..
أحمد الشرقاوي
قبل الخوض في متاهات العدوان على غزة، أتمنى على المقاومة الشريفة بكل فصائلها المجاهدة في القطاع، أن لا تضيع فرصة هذه الحرب الإقليمية والدولية العدوانية على شعبنا الحبيب في غزة، والتي تهدف إلى نزع سلاح مقاومته الباسلة، وتفكيك تنظيماتها، وإنهائها بالمرة، لأن من يوجد اليوم في أزمة لا حل عسكري لها، هو ‘النتن ياهو’ وحلفائه من الصهاينة العرب، وأن حماس بتفعيل خيار المواجهة نصرها الله من حيث لم تكن تحتسب، وأن كل أوراق اللعبة اليوم هي بيد المجاهدين المرابطين في الأنفاق تحت الأرض، فيما العالم قائم على قدم وساق يحاول بالخديعة شراء تهدئة بوعود كاذبة.. فلا تهدروا هذا النصر الإلهي العظيم وتشتروا به ثمنا ظرفيا قليلا..
سألني أحد الأصدقاء الأوروبيين: "لماذا لا يهتم محور المقاومة بالجانب الإعلامي والتعبوي والتنظيمي لإطلاق إحتجاجات على مستوى العالم العربي تضامنا مع غزة؟”.. قلت: محور المقاومة ليس من مهامه نفخ الروح في شارع عربي أصبح يعيش كالمسحور، فاقدا للذاكرة والوعي بسبب هشاشة الثقافة التي حقن بها في المدرسة وتم ترسيخها في لا وعيه كعقيدة من خلال التضليل الإعلامي (إلا من رحم الله).
هذا الواقع، أنتج مواطنا عربيا هشا ثقافيا، سهل الإقناع والإختراق، ما مكن الغرب من تفجيره من الداخل على مستوى "الهــوية” إبتداءا، خصوصا بعد موجة العولمة الكاسحة وثورة المعلومات السيالة على الشبكات العنكبوتية على مدار الساعة، فلم يجد من بديل يتمترس خلفه سوى الإديولوجيا المتطرفة، إعتقادا منه أنها تقدم الفهم الصحيح للدين.. وبسبب الإديولوجيا تحديدا، إنقسم الشارع العربي اليوم حول غزة.
والإنسان العربي (إلا من رحم الله حتى لا نعمم)، لم يفقد هويته بثوابتها الدينية والقومية والوطنية فحسب، بل فقد إنسانيته أيضا، ولم يعد يهب لنجدة "غزة” ولو من باب إنساني كما تفعل شعوب الغرب اليوم في إنقلاب للصورة يطرح أكثر من سؤال عن وجود ومصير هذه الأمة "العربية” مستقبلا.
وإذا كانت الأنظمة الفاسدة والمستبدة التي تحكم الشعوب العربية هي اليوم متضامنة مع "إسرائيل” لسحق شعب غزة، بل ومنها من وضع الملايير على طاولة "النتن ياهو” لينجز المهمة التي عجزت عنها مصر عسكريا، فإن موقف الشعوب يثير الشفقة، ويؤكد أن العرب لا يستحقون العيش بكرامة، لأنهم ببساطة ولدوا في بيئة ملوثة بالظلم والفساد والدجل والنفاق، وتربوا على يد رعاة جهلة، واعتادوا العيش باستسلام مع طقوس العبودية ومشاعر الذل وأحاسيس الإهانة، وبالتالي، إعطائهم الحرية والكرامة هو كمن يعطي لحم الخنزير للرضيع.
لم تكن المقاومة يوما في تاريخ الشعوب أغلبية، بل أقلية تمتح من ثقافة مغايرة لثقافة العموم وشواد الأمة من السفهاء والجهلة، ولها غاية سامية وأهداف نبيلة تكرس نفسها لتحقيقها، وتهب في سبيل ذلك الغالي والنفيس قربانا لرضوان الله تعالى.. وهذا طريق شاق لا يسلكه إلا من آثر دار البقاء على دار الفناء ووضع روحه بين يديه في إنتظار أن يأذن صاحب الأمر بفضل الشهادة.. وهذا الإصرار على الموت من أجل العدالة والكرامة هو الذي جعل من المقاومة ثقافة حياة بكل ما تعنيه الحياة من جمال ومحبة و إحترام، لأن الله جمال ومحبة، وبالإحترام يكون الإنسان جميلا ومحبوبا عند الله.
و بخلاف "الثورة” التي يسعى أصحابها للسلطة والثروة، لا ترغب المقاومة لا بسلطة ولا بثروة، والذين يحاربونها اليوم من العربان إنما يحاربون الله ورسوله والمؤمنون الذين يدودون عن آخر معقل تبقى لهذه الأمة في فلسطين.. ألا وهو ‘غـــزة’ بعد أن ضاعت الضفة وتهودت القدس فتحولت إلا مجرد ذكرى.
إنظروا إلى ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز وهو يخاطب قيادة بلاده العسكرية نهاية الأسبوع الأول من هذا الشهر، فيقول: "أن بلادنا هي بلاد الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين منطلق الإسلام منطلق العروبة (..). ودولتها قامت على الشريعة الإسلامية وهذا مبدأها منذ زمن وليس اليوم (…). بلد الإسلام والعقيدة الإسلامية بلاد المسلمين ككل قبلة المسلمين بلاد العرب ونسأل الله عز وجل أن يعيننا على القيام بواجبنا جميعاً”.
فأين الواجب الإسلامي والعربي الذي يتحدث عنه هذا المخبول تجاه غزة؟.. أليست مملكة الظلام هي من مولت قتل شعب غزة العربي المسلم السني، وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها لنزع سلاح المقاومة خوفا على أمن "إسرائيل”؟.. تماما كما فعلت في سورية التي أنفقت في سبيل تدميرها 100 مليار دولار ولم تفلح، وها هي تعيد الكرة في العراق وغيرها… وتاريخ تآمرها الأسود أصبح معروفا اليوم للجميع وموثق بالشواهد التي لا يرقى إليها الشك.
عندما نتهم العرب بالجهل فنحن لا نظلمهم بدليل أن "الجهل” أصبحت له دكتوراة فخرية توزعها أعرق جامعاتهم، لأنه عندما تقرر جامعة ‘الأزهر’ الذي لم يعد "شريفا”، وبإجماع مجلس الجامعة منح ملك السعودية الجاهل الأمي ‘عبد الله بن بعد العزيز’ دكتواره فخرية، تقديراً لجهوده في "خدمة الدعوة الإسلامية”، فهذا منتهى النفاق والإنحطاط الأخلاقي. لأن من منحوه الدكتوراة الفخرية، مجرم كبير معروف تحديدا بتخريبه للإسلام وتآمره على العرب والمسلمين من خلال نشر الفكر التكفيري وتمويل الإرهاب وزرع الفتن لتفتيت الأمة وإنهاء خطرها على "إسرائيل”..
فهل دولارات هذا الأمي الجاهل، أعمت بصيرة علماء الأزهر فبدلوا عقيدتهم وفق ما تشتهيه أهواء ‘السيسي’ في السياسة؟.. وماذا سيقولون لربهم غدا بعد أن خانوا الأمانة العلمية التي يحملونها في صدورهم؟..
ونذكر جميعا، وبسخرية مقززة، كيف أن "أبو متعب” منح "جائزة الشيخ زايد للكتاب” بالإمارات، فتوج بلقب شخصية العام الثقافية للعام 2014 في نيسان/أبريل من العام الحالي، وذلك لـ”إسهاماته الثقافية والإنسانية” (؟؟؟).. فعن أي "عرب” يتحدث الطيبون؟..
وعلى ذكر "السيسي” صاحب مبادرة سحق ‘حماس’ التي طبخها مع "النتن ياهو” فعارضها السلطان ‘أردوغان’، ثم قامت قيامة مصر ضد تركيا التي تعمل على سحب المبادرة من يدها لتتولاها بمعية قطر، لدرجة أن ‘أردوغان’ إتهم علانية "السيسي” بأنه "طاغية عمل مع إسرائيل ضد المصالح الفلسطينية”، وعارض المبادرة المصرية جملة وتفصيلا.
وحتى لا نضيع في التفاصيل، دعونا نتحدث عن المفيد، فـ’السيسي’ كما ‘أردوغان’ لهما قواسم مشتركة كثيرة، لعل أهمها أن الرجلين من عرق يهودي أصبح معروفا اليوم للجميع، وأنهما يتسابقان ويتنافسان في خدمة "إسرائيل” لسحق المقاومة، لكنهما يختلفان في السياسة لجهة مصير حماس كحركة سياسية بعد نزع سلاحها.. هذا هو الخلاف الوحيد بين الرجلين.
وإذا كان الطاغية ‘السيسي’ يريد أن يستعيد، من حيث الواجهة الكاذبة الخادعة، دور مصر "العروبي” من بوابة فلسطين وعلى حساب المقاومة التي يعتبرها حركة "إرهابية” في غزة، فإن ‘أردوغان’ بدوره يبحث له عن مكاسب سياسية تتيحها له اليوم الورقة الفلسطينية في معركة الإنتخابات الرئاسية التي يخوض غمارها أمام منافس ضعيف يبدو مهزوما وفق ما تعطيه إستطلاعات الرأي.
لكن الأخطر من اللعبة السياسية المكشوفة، هو أن يكون المنافق ‘أردوغان’ شريكا في الدم الفلسطيني ثم يعلو المنابر ليتهم "إسرائيل” بإرتكاب جرائم حرب في غزة ضد الفلسطينيين الآمنين، في إستنساخ لذات الموقف القديم الذي انتقد فيه ‘شيمون بيريز’ وإتهمه بإرهاب الدولة وإرتكاب جرائم حرب في غزة وغادر القاعة في موقف مسرحي مثير.. هذه الواقعة، جعلت العالم العربي "الغبي” يعتبر ‘أردوغان’ المخلص الجديد، ومنهم من ذهب حد إقتراح مبايعته "خليفة للمسلمين”، وهو المسلم "المعتدل” المنفتح على الغرب والناجح سياسيا وإقتصاديا.. غير أن هذا الوهم سقط في سورية وإنكشفت حقيقة ‘أردوغان’ اليهودي الصهيوني الإنتهازي الحقود على العرب والمسلمين، ويريد الإنتقام منهم لأنهم أسقطوا إمبراطورية جده في الباب العالي بـ’الأستانة’ عندما تحالفوا مع بريطانيا وفرنسا لإسقاط "الخلافة”.
وها هي وكالة أنباء "جيهان” التركية تكشف أن لاعب كرة القدم الدولى السابق، النائب المستقل فى البرلمان التركى حالياً ‘خاقان شكور’، فجر مفاجأة من العيار الثقيل أحدثت دوياً داخل قاعة البرلمان ولدى الرأى العام قبل أسبوع فى تركيا، بسبب استجواب تقدم به إلى البرلمان بشأن الادعاءات التى أُثيرت مؤخراً حول تزويد تركيا لإسرائيل بالوقود اللازم لطائراتها الحربية. وقد تبين أن الوقود الذي يأتي من كردستان العراق عبر تركيا يصدر كوقود خاص بالطائرات الإسرائيلية. ما يؤشر إلى أن ‘أردوغان’ كان على علم بالمؤامرة قبل أن تبدأ وساهم فيها بما طلب منه ليكون شريكا كاملا في الدم الفلسطيني.
هذا هو حال تجار الدم في المنطقة اليوم، والمغفلون من الشعوب العربية هم آخر من يهتم.. لذلك، المقاومة لا تعول اليوم على نصرة أحد بعد أن إنقلبت المفاهيم وسقطت الثوابت وضاعت الأخلاق، ولم يعد لها غير الله وشعبها ومحو المقاومة وشرفاء الأمة الذين تتمزق قلوبهم ألما على ما يحدث لغزة والحال الذي آلت إليه الأمة بسبب فساد حكامها وعمالتهم وخيانتهم لربهم ودينهم وشعوبهم.
ما نخشاه اليوم، هو أن ينجح ‘محمود عباس’ في فرض شروط تعجيزية على المقاومة ودفعها للقبول بالمبادرة المصرية دون شروط مسبقة. لأن إسرائيل ترفض تدخل تركيا وقطر في الموضوع، وأمريكا تصر على أن تكون مصر هي صاحبة المبادرة بحكم الجوار وإدارتها لمعبر رفح، وتتحدث عن رفع جزئي لا كلي للحصار مع نزع سلاح المقاومة لضمان أمن "إسرائيل”، وهو ما يعني العودة لما قبل الحرب، وهذا مستحيل، لأن إسرائيل هي التي توجد اليوم في ورطة لا المقاومة التي إنتصرت إستراتيجيا من دون أن تخوض حربا حقيقية حتى الآن مع الجيش الصهيوني، باستثناء بعض المفاجآت التي أرعبت العدو.
هذا الوضع جعل قضية غزة تأخذ بعدا إقليميا ودوليا، والوزير ‘كيري’ نفسه إعترف اليوم أن حل القضية يتطلب إجماعا عربيا وإقليميا، وهو ما يعني أن سورية وإيران وحزب الله لهما رأي يحترم، باعتبارهم شركاء في الحرب لا مناصرين فقط.. هذا يعني أن الأمر سيأخذ بعض الوقت، وهو ما يصب في مصلحة المقاومة ولا يخدم مصلحة "إسرائيل” التي تتعرض لإستنزاف كبير متواصل، ورعب يسكن قلوب الصهاينة بما أنهم أحرص الناس على الحياة ولو في حضيرة الخنازير.
وأمس كشفت مصادر لـ’الأخبار’ من داخل الوفد المفاوض المشترك بين "حماس” و”الجهاد الإسلامي”، أن عباس فرض شروطاً تعجيزية على الحركتين، بينها ضرورة الموافقة على المبادرة المصرية بلا شروط لإنهاء الأزمة. ورأت المصادر أن أبو مازن بتشدده في ضرورة الموافقة على المبادرة المصرية تأكيد إضافي على دوره في صياغتها، كما كشفت صحيفة ‘هآرتس’ العبرية، "وهو ما يؤكد سعيه إلى القضاء على الحركتين معا” الأمر الذي يتناغم مع الإستراتيجيا الصهيونية والأمريكية بالتمام والكمال. وبالتالي، هذا عميل آخر لا يهمه من فلسطين غير مصالحه ومصالح العصابة الفاسدة التي تشاركه السلطة التي برغم إستماتتها لعدم إندلاع إنتفاظة ثالثة، إلا أن الشارع في الضفة وعرب 48 بدأ ينتفض بشكل يومي نصرة لإخوانهم في غزة، والأمور تتطور بتطور المواجهة في الميدان.
وإسمعوا أيضا لتصريح سفير "فلسطين” في منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ‘إبراهيم خريشة’، وهو يصرح للإعلام اليوم دون خجل أو حياء فيقول بالحرف: "كل صاروخ يطلق ضد إسرائيل هو جريمة ضد الإنسانية”.. فهل يرجى من مثل هؤلاء أن يدافعوا عن فلسطين المنكوبة؟..
لقد سقطت الأقنعة وانكشفت الأمور كما هي على حقيقتها لا كما كانت تبدو لبعض المغفلين، وآن الآوان لتكون هذه الحرب مناسبة لإنهاء دور السلطة من خلال الإنتفاضة الثالثة على كيان الإحتلال وأدواته، لأنه إذا إتحد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وأراضي 48، فحتما سينتهي هذا السرطان المسمى "إسرائيل” من فلسطين وجسد الأمة.
أيها الأحرار الشرفاء في فلسطين.. هذه فرصتكم، وهذا موعدكم مع التاريخ، فاقلبوا الطاولة على الجميع، وارفعوا سقف مطالبكم إلى الأقصى، لأن من يريد الأمن من اليهود الصهاينة عليه أن يبحث عنه في الوطن الذي قدم منه.. بعيدا عن فلسطين.