امن الأردن ولبنان من أمن سوريا والعراق
سركيس ابو زيد
الأردن مرةً أخرى، يعود إلى واجهة الحدث من جديد، ومن بوابة الهجمات الإرهابية. لكن هذه المرة كان الهجوم مختلفاً فلم يأت من الداخل الأردني، وإنما أتى من الحدود الشمالية مع سوريا. فقد بادل الإسلاميون على الجبهة الجنوبية السورية التسهيلات الأردنية المعطاة لهم، بهجوم انتحاري هو الأعنف الذي تشهده البلاد منذ سنوات. وهو في الوقت نفسه يُعتبر الأول من نوعه على الأردن، انطلاقاً من الأراضي السورية منذ بداية الحرب فيها العام 2011.
مسؤول عسكري أردني أكد أن العملية الإرهابية وقعت قبالة مدخل مخيم للاجئين السوريين في منطقة الرقبان، شمال شرق المملكة، قرب الحدود مع سوريا والعراق، عن طريق سيارة مفخخة استهدفت موقعا عسكريا متقدما لخدمات اللاجئين السوريين، وقد أسفرت عن مقتل 6 من أفراد الجيش والأجهزة الأمنية وإصابة 14 آخرين.
رد الفعل الأردني على هذا الهجوم جاء سريعاً حيث صدر على مستويين:
-مستوى سياسي: عبر إعلان عمّان "وقف إنشاء مخيمات جديدة للاجئين السوريين على أراضيها" وتأكيد الملك عبدالله الثاني أن بلاده ستضرب بيد من حديد كل من يعتدي أو يُحاول المس بأمنها".
-مستوى عسكري: فقد أعلن الجيش الأردني المناطق الحدودية مع سوريا والعراق "مناطق عسكرية مغلقة".
أوساط مراقبة ترى أن هناك تناميا ملحوظا داخل الأردن للتنظيمات الإسلامية المتطرفة والخلايا النائمة الموزعة بين "داعش" و"النصرة"، وبالتالي، فإن تزايد هذه العمليات الارهابية لا يتعلق فقط بعوامل داخلية، وإنما يعود الى تصاعد المواجهة مع "داعش" في سوريا والعراق. ومع اقتراب وصول الجيش السوري إلى الرقة والعراقي إلى الموصل، فإن التنظيمات الإرهابية ستسعى منطقياً إلى تعويض خسائرها في معاقلها عبر إحداث عمليات إرهابية في مناطق جديدة يكون الأردن أحد أقوى المرشحين لمثل هذه المواجهة. ما أدى بدوره الى تنامي المخاوف من أن يكون هذا الهجوم مقدمة لاختراق أمني كبير من قبل التنظيم التكفيري للمملكة الهاشمية، التي تشهد منذ فترة نمواً للجماعات المرتبطة بالسلفية الجهادية، لا سيما في المناطق الحدودية. (إربد القريبة من الحدود السورية والزرقاء ومعان القريبتان من الحدود العراقية).
ولا ننسى هنا أن الأردن تعرض خلال الفترة الماضية لهجمات عدة وبفترات متفاوتة، كحادثة الهجوم الإرهابي الذي استهدف مكتبًا للمخابرات في مخيم البقعة الفلسطيني، والذي أدى إلى مقتل 5 من رجال المخابرات بينهم 3 ضباط. وقبله بأشهر قامت قوات النخبة الأردنية الخاصة بعملية في مدينة إربد استهدفت مجموعة إسلامية متطرفة على صلة بتنظيم "داعش"، ودارت اشتباكات عنيفة لمدة 12 ساعة انتهت الى قتل وتوقيف كل أعضاء المجموعة التي كانت تخطط للاعتداء على أهداف مدنيّة وعسكرية داخل المملكة.
داعش يضرب في الاردن
وما ينطبق على المناطق الحدودية الأردنية – السورية، ينطبق أيضاً على لبنان الذي له مساحات حدودية واسعة وطويلة مع سورية. من هنا عبرت أوساط عربية بأن الأردن ولبنان مرشحان للالتحاق بالانهيارات العبثية في العراق وسوريا حكومة وشعباً، نظاماً ومعارضة، طوائف وإتنيات. لكن البلدين يقاومان الرياح الصفراء، كلٌ وفق إمكاناته، فالأردن المستقر سياسياً عبر حكم وحكومة يحظيان بثقة الشعب أو غالبيته، استطاع الصمود أمام عواصف عاتية. فثمة وعي لدى الأردنيين بتلازم وجودهم مع الاستقرار السياسي، خصوصاً أن لبلدهم أطول حدود مع "إسرائيل"، هذا الاستقرار هو الذي يتولى التوازن بين علاقته بمجلس التعاون الخليجي وضغوط الجوار الجغرافي العراقي والسوري .
أما في لبنان فإنه يفتقد إلى استقرار الحكم، الذي تحكمه طبقة سياسية ضيقة الأفق وغارقة في التناقضات، لكون معظمها من قيادات الحرب الأهلية، ومن تقليد سيء يربط الزعامة السياسية بالتبعية لمراكز قوى إقليمية ودولية، لذلك تعجز هذه الطبقة عن انتخاب رئيس للجمهورية وتبعث الشلل في البرلمان والحكومة، وهي تعرض يومياً بلا خجل فسادها أو حمايتها لفاسدين.
وإذا كانت قوى الأمن الأردنية تهتم بكشف الخلايا النائمة، فلدى لبنان ما هو أبعد من خلايا تكشفها أجهزته يومياً. فثمة قواعد للإرهاب في التلال الفاصلة بين جبال لبنان الشرقية والقلمون السوري. حيث يخوض لبنان حرباً مع الإرهاب على الرغم من سلطته المفككة والمنقسمة بين تأييد النظام السوري ومعارضته.
يُضاف على ذلك مسألة اللاجئين (السوريين والفلسطينيين) التي يعاني منها الأردن ولبنان حيث يقاومان، واللجوء السوري بدوره يقاوم استخدامه لإلحاق الأذى بمضيفيه. فالضحية الخائفة يُراد لها أن تكون أداة للتخويف في أوروبا كما في البلاد العربية الشقيقة، لأن عودة السوريين إلى ديارهم شبه مستحيلة ومخيماتهم في الأردن ولبنان تشبه أحوال المخيمات الفلسطينية عام 1953.
أوساط سياسية في بيروت ترى أن الحديث عن ضمانات إقليمية ودولية لعدم انفجار الوضع الداخلي لا يمكن الركون إليه في الفترة المقبلة، وما يحصل من مقدمات أمنية في الأردن يجب أن يثير الكثير من المخاوف، فالأردن كما لبنان دولة لجوء، والعبث الأمني يُؤشر الى تداعيات على نطاق واسع هناك، ما يشرّع الباب أمام الأسئلة الصعبة لبنانياً: إذا ما تم رفع المظلة الأمنية" عن الأردن فلماذا تبقى فوق لبنان؟ وإذا سقطت الضمانات المعطاة للحفاظ على وضع أمني ممسوك لكبح جماح الهجرة الجماعية السورية من الأردن الى الغرب، ما الذي يمنع ان تسقط على الساحة اللبنانية؟ أيدي اللبنانيين على قلوبهم لأن الرعايتين الدولية والعربية للبنان تتراجع وتضعف.
وهنا نسأل ما الحل، وكيف؟
ثمة حاجة هنا لمقاربة شجاعة أردنية - لبنانية لفيض اللجوء تُحافظ على الإنسان السوري داخل بلده وخارجه، وتعتبر الأمر هدفاً استراتيجياً يعلو على الأهداف السياسية العابرة في منطقة صارت مركزاً للصراع العالمي. فهناك حوالى 5 ملايين لاجئ خارج سوريا، يتحمّل الأردن ولبنان حوالى نصفهم، لذلك يحق لهما إعلاء المشكلة على أي مشكلة أخرى تحفل بها عناوين الصراع في المنطقة، لأن الوقت ليس في مصلحة البلدين ولا في مصلحة اللاجئين السوريين.
لبنان والأردن في مهب احداث امنية خطيرة. اذا تمكنت قوى الممانعة والمقاومة حسم المعركة في سوريا وخاصة في حلب تم ابعاد شبح الحرب الاهلية عن الأردن ولبنان. والا دخل لبنان والأردن في نفق الفوضى المنتشرة في سوريا والعراق .