kayhan.ir

رمز الخبر: 40999
تأريخ النشر : 2016June29 - 19:30

هل يبدِّل أردوغان أولوياته أم يواصل مغامراته؟


أشرف الصباغ

تتزايد الانطباعات والتحليلات والتوقعات بإمكانية أن يتفادى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مصيرا سياسيا مأساويا.

هذه الانطباعات والتوقعات ترى أن القدر يهدي أردوغان الكثير من الهدايا والعطايا والظروف التي تدعوه لتبديل أولوياته، والركون إلى المنطق السليم في تحقيق مصالح تركيا كدولة كبرى لها مصالح مع الجميع، ومع جيرانها على وجه التحديد.

إن العمليات الإرهابية التي وقعت في تركيا خلال الأشهر الماضية لم تدفع أردوغان إلى التفكير المنطقي في التعامل مع الداخل والخارج الإقليمي والدولي، وظلت السلطات التركية تسير على نهج عدواني طوال الوقت، وكأنها تستند إلى مبررات قوية في معاداة الجميع. وفي نهاية المطاف نجحت أنقرة في تطبيع الأمور مع إسرائيل، ربما عبر وساطات يهمها إعادة توجيه المسار بين كل من تل أبيب وأنقرة في ظل ظروف أردوغان الداخلية السيئة من جهة، وتورطه أكثر فأكثر في الأزمات الإقليمية كطرف وليس كدولة كبرى قادرة على ضبط الأمور عبر مشاركات إقليمية مع الجيران.

وفي الحقيقة، لم يكن أردوغان هو الطرف الوحيد الذي يحتاج إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فالأخيرة بحاجة ماسة هي الأخرى لشرعنة أعمالها في غزة، ومحاولة امتلاك أوراق إقليمية تحسبا لتحولات أو تغييرات قد تشهدها المنطقة على المديين المتوسط والبعيد. ومع ذلك، فتطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، ورغم التطمينات التركية للفلسطينيين، إلا أن هذا التطبيع سيسفر عن نتائج لصالح إسرائيل بالدرجة الأولي، وبصرف النظر عن تلاعب الطرف التركي بالتصريحات والتطمينات.

وإذا كان أردوغان قد أرسل برسالة التهنئة لموسكو في العيد الوطني للبلاد، فالكرملين اعتبر ذلك إجراء بروتوكوليا محضا. وفي الوقت نفسه كانت القنوات الدبلوماسية تعمل بنشاط، والوسطاء من أذربيجان وكازاخستان، وربما تل أبيب، يعملون أيضا عبر قنواتهم التي أسفرت عن رسالة أردوغان بالأسف على إسقاط القاذفة الروسية، والاعتذار عن مقتل أحد طياريها. وهو ما رأته القيادة الروسية خطوة أولية جيدة لتنفيذ بقية الإجراءات المترتبة على ذلك من أجل البدء في السير على طريق تطبيع العلاقات بين موسكو وأنقرة.

من الواضح أن الظروف والأقدار تؤجل النهاية السياسية للرئيس التركي الذي أصبح يعاني من مشاكل وأزمات تطول الداخل بقوة، وتنعكس على علاقة أنقرة بمحيطها الإقليمي والدولي. أي أن كل الظروف المحيطة تعمل لصالح أردوغان وتمنحه "قبلة الحياة" واحدة تلو الأخرى. وربما يكون الحادث الإرهابي الذي وقع في مطار إسطنبول الدولي، ورغم مأساويته وتداعياته السلبية على سياسات أردوغان المغامِرة، إلا أنه يعتبر أحد الفرص النادرة لدفع أردوغان إلى إعادة التفكير واللجوء إلى المنطق السليم، والتخلي عن الطموحات السياسية والإمبراطورية الساذجة التي عفا عليها الزمن.

لقد أعرب الرئيس التركي، بعد العملية الإرهابية في مطار إسطنبول، عن أمله بأن يكون الهجوم الذي استهدف "المطار" منعطفا ونقطة مفصلية لبدء مكافحة مشتركة "بقيادة الغرب" للإرهاب في كل أنحاء العالم. المدهش هنا أن اللباقة السياسية ما زالت تخاصم أردوغان. فالإرهاب لم يعد يعرف شرقا أو غربا، ولم يعد حتى يعرف حلفاءه المباشرين وغير المباشرين، وأصبح يوجه ضرباته حتى إلى الذين دعموه في السابق، ويدعمونه حتى الآن. ومع ذلك فالرئيس التركي يرى ضرورة "مكافحة الإرهاب المشتركة بقيادة الغرب"!

إن كل الظروف تلعب لصالح أردوغان، بينما هو يحاول دفع الأمور في اتجاهات أخرى، ملبيا بذلك أهداف من راهنوا على حدته واندفاعه وتصلبه، وقصر نظر سياساته. وإذا كان رئيس حكومته ووزير خارجيته يعملان على تطبيع العلاقات مع كافة الدول التي أفسد أردوغان علاقات تركيا معها، فلا أحد يعرف على ماذا يراهن الرئيس التركي بتصريحاته الحادة والساذجة، وربما التآمرية. وبالتالي، فهناك مخاوف كثيرة من أن يستغل أردوغان الحادث الإرهابي في مطار إسطنبول لا لكي يغيِّر أولوياته ويلتزم بتحقيق مصالح تركيا، وإنما لكي يزيد من مغامراته التي باتت تثير قلق الشرق والغرب، والجيران بالدرجة الأولي.

لقد وصل الإرهاب إلى المطارات التركية، ما سيؤثر حتما على قطاعات واسعة من الاقتصاد التركي، وبالذات على السياحة، ويضع تركيا ضمن الدول التي تشكل خطرا على حياة مواطني الدول الأخرى. وهناك مراقبون يعتقدون أن أردوغان اعترف ولأول مرة بأن تنظيم داعش الإرهابي وراء هذه العملية، آملين بأن يبدأ ببناء سياسات ما في هذا الاتجاه، ويكف عن توزيع الاتهامات يمينا ويسارا، ومحليا وإقليما ودوليا. وهو ما يلقي بالكرة في ملعب أنقرة التي أصبحت تعاني من مشاكل كثيرة بسبب المغامرات السياسية المتهورة لقادتها.