هل سنشاهد استفتاءات حول المجالس العربية على غرار البريطاني؟
اثارت نتائج الاستفتاء البريطاني بخروج البلاد من الاتحاد الاوروبي حالة من الهلع في معظم الاسواق المالية العالمية، والغربية منها خاصة، ولكنها اثارت في الوقت نفسه شهية بعض العرب لاجراء استفتاءات مماثلة، للبقاء او المغادرة، في ثلاث منظمات اقليمية رئيسية، وهي الجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الاسلامي وذلك بحسب المقال الذي نشره رئيس تحرير صحيفة راي اليوم عبد الباري عطوان.
ويشير الكاتب الى ان المنطقة العربية لا تعرف ثقافة الاستفتاءات الشفافة والحرة، وان كانت عرفت بعض انماطها السياسية المقننة، والمعروفة نتائجها مسبقا، والتي كانت تاتي لتأكيد استمرار رئيس الجمهورية في قمة السلطة، او للمصادقة على الدساتير التي تتغير وتتناسخ، بين الحين والآخر.
ويشير عطوان الى ان ظاهرة الاستفتاءات "المعلبة”، قد تراجعت قليلا في المرحلة الاخيرة، وبعد انتفاضات "الربيع العربي” العفوية في بعض البلدان، ونجاحها في تغيير انظمة بعضها بمساعدة تدخلات عسكرية خارجية مباشرة (ليبيا) او غير مباشرة، ولكنه ظل تراجعا محصورا في الشكل ونتيجة الاخراج وطرق التسويق، وظلت النتائج النهائية المقصودة كما هي، وكذلك حال المشاركات الشعبية التي اتسمت بالفتور في معظم الحالات، والاستفتاء الاخير على الدستور المصري، احد ابرز الامثالة في هذا الصدد.
ويستبعد رئيس تحرير صحيفة راي اليوم حصول اي استفتاء شعبي عربي على بقاء الجامعة العربية، او البقاء فيها تحديدا، بعد ان تفككت وتلاشت اهميتها، وانخفضت شعبيتها الى الحضيض، في السنوات العشرين الماضية، بفعل سيطرة وسطوة المال الخليجي عليها، وتراجع دور الدول المركزية سياسيا واقتصاديا، وتدمير العراق بفعل التآمر العربي والاحتلال الاميركي، وتفاقم الازمة السورية والحرب في اليمن، وتأجيج الصراع الطائفي.
ويتباع قائلا ان الاهتمام الشعبي العربي بهذه المنظمة الاقليمية الهرمة الفاسدة، ومؤسساتها المنبثقة عنها، بات محدودا جدا، ان لم يكن منعدما، حتى ان القمة العربية المقبلة لم تجد دولة تستضيفها، بعد اعتذار المغرب، و”تطوع″ موريتانيا "مكرهة”، لهذه المهمة الصعبة، بعد استجداءات الامانة العامة للجامعة، وبعض الدول الخليجية التي تريد عقدها لاسبابها، وتأييد حروبها في سوريا واليمن وليبيا.
ويضيف عطوان: ما يقال عن الجامعة العربية ينطبق على منظمة التعاون الاسلامي التي تحولت الى "ادارة” في وزارة الخارجية السعودية، وتقاعد "مريح” ومجز″ لامنائها العامين، وبعض كبار الموظفين فيها، ولم يكن مفاجئا بالنسبة الينا على الاقل، ان يتراجع امينها العام الدكتور اياد مدني عن خطوته "التطبيعية” بزيارة مقر السلطة في رام الله، والصلاة في المسجد الاقصى، خوفا من مواجهة تبعات هذه الزيارة السياسية، في ظل حالة الغضب المتأججة في الاراضي العربية المحتلة حاليا، تجنبا لما تعرض له وزير خارجية مصر الاسبق السيد احمد ماهر من الضرب بالاحذية في قلب المسجد الاقصى، قبل بضع سنوات عندما قام بزيارة تطبيعية مماثلة، وهذا هو السبب نفسه الذي دفع بالدكتور نبيل العربي، امين عام الجامعة الحالي، لالغاء زيارة مماثلة قبل ثلاثة اسابيع.
ويرى عطوان ان ما ينطبق على حال الاستفتاء حول مستقبل هاتين المنظمتين، ينطبق بصورة او بأخرى على مجلس التعاون الخليجي ايضا ، خاصة بعد "تغريدات” وردت على حساب نائب رئيس مجلس الشورى العماني الاسبق اسحق سالم السيابي، قال فيها "انه يتمنى اجراء استفتاء شعبي في دول مجلس التعاون الخليجي كما جرى في بريطانيا يوم الخميس الماضي” حول مستقبل هذا المجلس، وفعاليته، والبقاء فيه، من عدمه، واثارت العديد من علامات الاستفهام، وكانت بمثابة القاء حجر كبير في بركة "راكدة”، او بالاحرى فجرت "لغما” في منطقة محظور الاقتراب منها.
مجلس التعاون، تأسس عام 1981، ورغم "تسويقه” للشعوب الخليجية، والعرب، والعالم، على انه الصيغة الاقرب للاتحاد الاوروبي، او النسخة الخليجية منه، بسبب التقارب والتشابه بين معظم، ان لم يكن كل، شعوبه سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، حيث الكثير من القواسم المشتركة، الا انه لم يحقق معظم اهدافه، وابرزها العملة الخليجية الموحدة، وجواز السفر الموحد، والامن المشترك، والجيش الخليجي الموحد، والبنك المركزي الموحد، والقائمة تطول. هذا فضلا عن فشله في تسوية الملفات الاقليمية .
وينوه رئيس تحرير صحيفة راي اليوم الى ان الخليجيين "متكتمون” ولا يميلون الى الثرثرة السياسية والاعلامية مثل بعض نظرائهم من عرب الشمال، خاصة اذا كانوا داخل دائرة الحكم او خارجها ويقول: لكن تغريدات السيابي ربما تؤشر، او بالاحرى تؤكد، ما يدور حاليا في دهاليز مجلس التعاون من همسات حول رغبة سلطنة عمان الانسحاب من المجلس تدريجيا، وهي رغبة انعكست في تخفيف التزاماتها تجاهه، وتقليص مشاركتها في فعالياته، والمثل الابرز في هذا الصدد رفض مشاركتها في التحالف الذي تقوده السعودية ويخوض الحرب الحالية في اليمن، واستضافتها للمفاوضات السرية بين ايران والولايات المتحدة حول المنشآت النووية الايرانية، واعتراضها قبل بضعة اعوام على اقتراح سعودي بتحويل المجلس الى اتحاد خليجي، ومن المفارقة ان دور سلطنة عمان هذا يتطابق مع موقف بريطانيا في "تذويب” هوية الدول الاعضاء الوطنية لمصلحة الهوية الاوروبية الجامعة، ونقل الاتحاد الاوروبي من تكتل اقتصادي الى تكتل سياسي ايضا، وجعل البرلمان الاوروبي بروكسل هو السلطة التشريعية الاعلى، الى جانب رفضها التخلي عن الجنيه الاسترليني لمصلحة "اليورو”، وتوقيع اتفاق "الشنغن”، ولعل كون سلطنة عمان ثاني دولة عربية ترحب بنتائج الاستفتاء البريطاني بعد الامارات، يوحي بهذا التوجه.
ويشير الكاتب الى ان الخلافات الحدودية الخليجية ما زالت في اوجها بين معظم الدول الاعضاء، ولعل اقلها بين السلطنة "المتمردة” والشقيق الاكبر السعودية، فهناك خلافات بين السعودية والكويت على حقلي الوفرة والخفجي للنفط والغاز في المنطقة "المحايدة”، وبين الامارات والسعودية حول حقل "الشيبة” وشريط العيديد، وبين البحرين والسعودية حول حقل "السبلة” وكمية انتاجه، اما الخلافات القطرية السعودية فهي معروفة، والنار تحت الرماد، وليس هذا وقت النفخ فيها، وان كان من المحتم ان شهر العسل الحالي لن يطول كثيرا.
ويختم عطوان بالتاكيد على ان الدول العربية في الخليج الفارسي لا تؤمن بالاستفتاءات، ولها طرقها الخاصة في التعبير عن مواقفها ويقول : الاستفتاء البريطاني تسونامي كبير ضرب اوروبا والغرب جميعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وسيصل حتما الى العالم العربي، عاجلا او آجلا.. وخاصة في منطقة الخليج (الفارسي)، اليست بريطانيا "المُعزّب الاول”؟