أسلحة روسية يخشاها حلف الناتو
جورج حداد
وحلف شمالي الاطلسي (وأحد اقوى اعضائه الذي شن حروبا لم يشارك فيها الحلف) قد انتصر على اعداء، كان يوجد لديهم أنظمة دفاع جوي متقادمة، ولم يكن يوجد لديهم قوات مسلحة جوية، وكانوا يمتلكون قدرات هجومية ضعيفة.
ولهذا ليس من الواضح كيف سيحارب الناتو بشكل مجد ضد خصم لديه العزم التام والاستعداد الجيد، ويمتلك ما يكفي من التكنولوجيا العسكرية المعاصرة. ان الاحداث الاخيرة في اوكرانيا قد ضاعفت احتمالات الصدام المباشر مع روسيا. وهاكم بعض انواع الاسلحة الروسية التي ينبغي على الناتو ان يخشاها، اذا تعرضت الدبلوماسية للفشل.
الصاروخ الباليستي "اسكندر”:
في السنوات الاخيرة من الحرب الباردة طور الاتحاد السوفياتي الصواريخ الباليستية ذات المدى القريب، المزودة بالرؤوس غير النووية، والقادرة على ان توجه ضربات بدقة عالية جدا الى القواعد العسكرية الجوية وقطاعات تجمع الجيوش المعادية في عمق خط جبهة الناتو المعادية. وقد تمثل الرد الاميركي على هذه الصواريخ بأنظمة الدفاع المضادة للصواريخ في مسرح العمليات الحربية. ولكن هذه الانظمة، وكما اثبتت حروب الخليج، لم يكن في مقدورها ان توقف الضربات السوفاتية الاولى.
ومنذ ثمانينيات القرن الماضي تم ادخال تحسينات جدية على انظمة الدفاع المضادة للصواريخ، ولكن في مقابل ذلك أدخلت التحسينات على الصواريخ الروسية ايضا. فمنظومة الصاروخ "اسكندر ـ M” صار مداها المجدي يبلغ 400 كلم. وهذا الصاروخ يمكن ان يحمل رأسا قتاليا يبلغ وزنه 700 كلغ من مختلف انواع المتفجرات، ولا تزيد امكانية الانحراف عن نقطة الهدف المحددة الخمسة الامتار. وبفعل هذه الخصائص، فإن هذه المنظومة الصاروخية تمثل خطرا مميتا للمطارات، والقواعد الخلفية والبنى التحتية الثابتة في المؤخرة على امتداد خط المواجهة. ومع الاخذ بالاعتبار ان حدود روسيا مع الناتو هي ذات منعرجات كثيرة، وارتفاعات وانخفاضات كبيرة، فإن العسكريين الروس لديهم القدرة على تشكيل تهديد لجميع الاهداف الموجودة في عمق اوروبا.
ويمكن اعادة توجيه صاروخ "اسكندر” خلال الطيران، واستخدامه ضد اهداف متحركة (بما في ذلك ضد السفن). ويتضمن الصاروخ نظاما للمناورة بهدف تجنب الاصطدام بجسم غير مرغوب، وهذا ما يجعل من الصعب اصابته بالصواريخ المضادة للصواريخ. وباختصار فإن "اسكندر” يمكن ان يفعل بقوات الناتو، ما اعتادت قوات الناتو ان تفعله بالاخرين.
ان صواريخ "اسكندر” تمثل عبئا ثقيلا لنظام الصواريخ المضادة للصواريخ الناتوية، كما بالنسبة للقوات الجوية للحلف. واذا تمت موضعة صواريخ "اسكندر” في مقاطعة كالينينغراد على الحدود مع بولونيا، فإنها تشكل تهديدا مباشرا لمختلف الاهداف العسكرية والسياسية في العديد من بلدان الناتو.
ومن ثم فإنه من المتوقع، في بداية اي نزاع محتمل، ان يركز الناتو ضرباته ضد قواعد الاطلاق المتحركة لصواريخ "اسكندر”. وفي كل الاحوال فإن الناتو عليه ان يتوقع ضربات الصواريخ الباليستية قريبة المدى لدى تطور النزاع. ولتوجيه ضربات ناجحة ضد منظومات "اسكندر” ينبغي منذ بداية النزاع تحقيق سيطرة جوية تامة في مسرح العمليات العسكرية.
طائرةFlanker SU-27 وتحديثاتها:
لقد صممت طائرات SU-27 السوفياتية كرد على طائرات F-15 الاميركية، وانضمت اولى الطائرات من هذا النوع الى القوات الجوية السوفياتية سنة 1985. والطائرات من عائلة SU-27 تمتلك من خصائص المقاسات، مدى الطيران، السرعة وقدرة المناورة، ما يجعل هذه الآلة منصة قاتلة فريدة. وطائرة SU-27 بأطوالها وملامحها المهيبة تبدو جميلة جدا، ولكن منظرها كلها يوحي كم هي خطيرة.
طائرة
ويوجد في القوات المسلحة الجوية الروسية مئات الطائرات من نوع SU-27 من مختلف التعديلات. والجزء الاكبر من الطائرة يمتلك مرونة مذهلة للتكيف مع التحديث، ولهذا فإن المشترين المتطلبين يفضلون غالبا هذه الطائرة المقاتلة. ومن عائلة SU-27 توجد المقاتلة متعددة الاهداف SU-30، والمقاتلة التابعة لحاملة الطائرات SU-33، والمقاتلة ـ القاذفة SU-34، والمقاتلة المصممة لتحقيق التفوق الجوي SU-35، بالاضافة الى عدة نسخ معدلة صينية.
وحتى الان لم تلتق SU-27 في قتال مباشر مع الطائرات الحديثة من الجيل 4 او الجيل 4.5؛ ولم تشارك في مواجهة جوية مع الطائرات من طراز F-22. ومع ذلك فهي تمثل مصدر قلق جدي للطيارين على الطائرات الغربية من طراز Eagle، Viper، Typhoon و Raptor. وقد وضعت في القوات الجوية الروسية التكتيكات الخاصة باستخدام طائرات SU-27 في القتال مع المقاتلات المعادية من طراز الشبح (ستيلت) المتطورة. وهي تتمتع بأفضلية القدرة المتفوقة على المناورة، الامر الذي يسمح لها بالنجاة بعد الضربة الصاروخية الاولى. وعلاوة على ذلك، فإنSU-27 هي راسخة وسريعة، بما يجعلها قادرة على توجيه ضربة قوية، ومن ثم الاختفاء، قبل ان تصل اليها مقاتلات الناتو.
منظومة الصواريخ السمتية S-400:
ان كل طريقة خوض الحرب من قبل الغرب تستند على التوصل الى تحقيق التفوق الجوي. ومنذ وقت طويل لم تواجه قوات الناتو مسائل المنظومات الحديثة والفعالة للدفاع الجوي. وخلال هذه الفترة فإن كلفة الطائرات المقاتلة ـ القاذفة للناتو قد تضاعفت عدة مرات، ما جعل مجرد خسارة طائرة واحدة فقط تكاد تبدو وكأنها كارثة مالية وطنية.
هناك ثلاثة انواع من صواريخ (سام) S-400، وكل نوع منها مخصص لتدمير الاهداف على مسافات مختلفة. والصاروخ الابعد مدى يدمر الهدف على بعد 400 كلم، اما الصواريخ ذات المدى القريب فقد تم تطوير قدراتها كي تدمر الاهداف فائقة السرعة والقدرة على المناورة. ويمكن استخدام S-400 لتدمير الصواريخ الباليستية المعادية، مع انه من غير المرجح ان الناتو يمكن ان يستخدم مثل هذه الصواريخ. ويعتبر نظام الاستشعار في صواريخ S-400 فعالا بشكل استثنائي، ولا سيما ان روسيا قادرة على انشاء مناطق دفاعية منسقة، مع استخدام صواريخ S-400 في جميع مسارح النزاع تقريبا. واذا قامت روسيا بنشر صواريخ S-400 في منطقة كالينينغراد، فإن نشاط القوات الجوية للناتو في اقصى عمق اوروبا سيكون معرضا للخطر.
وبالتنسيق مع صواريخ "اسكندر” وطائرات SU-27، فإن صواريخ S-400 قادرة ان تصعّب الى اقصى حد فعاليات القوات الجوية للناتو منذ الايام الاولى للنزاع. ان انظمة الاستشعار الروسية (الارضية والجوية) تتفوق كثيرا على جميع الاعداء الذين حاربت ضدهم بلدان حلف الناتو في الـ25 سنة الماضية. ولدى روسيا انظمة متعددة لضرب الاهداف المعادية التي تطير على ارتفاع منخفض جدا يصل الى 5 امتار، بينما نظام "باتريوت” الاميركي لا يستطيع اصابة اهداف تطير على ارتفاع ادنى من 60 مترا.
وعلى اقل تقدير، فمنذ الايام الاولى للحرب تستطيع صواريخ S-400 بالتنسيق مع الانظمة المرتبطة بها، ان تضيق الخناق على القدرات الجوية للناتو، وان تضعف احدى الحلقات الرئيسية في الفن العسكري الغربي.
الغواصات من طراز Akula:
في زمن الحرب الباردة، صنعت لقوات الناتو أنظمة فعالة جدا لحرب الغواصات، بما في ذلك طائرات، غواصات هجومية، محطات رادار ثابتة وسفن سطحية. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي انخفض الخطر من جانب الغواصات الروسية، ما ادى في نهاية المطاف الى اضعاف قدرات الناتو في حرب الغواصات. وتحتفظ جيوش الناتو بامكانيات معينة لخوض مثل هذه الحرب، ولكنها لم تعد تمتلك مثل الموارد التي كانت تمتلكها خلال الحرب الباردة.
وفي الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي، بنى الاتحاد السوفياتي وروسيا 15 غواصة من طراز Akula (كما تسمى في لائحة الناتو، وهي التصميم الروسي 971 المسمى "ششوكا ـ ب”)، وتسع منها لا تزال تعمل في اطار الاسطول الحربي. وكانت تلك غواصات سرية للغاية وصعبة الاكتشاف، في عداد الاسطول الحربي السوفياتي في حينه. وقد قام المهندسون الروس بادخال تحسينات على تلك الغواصات عن طريق استخدام تكنولوجيات اضافية لتخفيض الضجيج. وبالتأكيد، فإن اهم ما في الامر ان غواصات "ششوكا ـ ب” تحمل على متنها كمية هائلة من الاسلحة، بما فيها الطوربيدات والصواريخ المجنحة. وهذه الصواريخ المجنحة قادرة على تدمير اهداف بحرية، وكذلك اهداف برية، بما في ذلك قسم كبير من خطوط الدفاع الساحلية لبلدان الناتو التي اصبحت مهددة.
ان الغواصات الافضل لدى الناتو يمكنها ملاحقة وتدمير "ششوكا ـ ب”. ولكن السرعة العالية لهذه الغواصة تجعل من الصعب تحقيق هذه المهمة. وبالرغم من ان حلف شمالي الاطلسي يمكنه ان يغرق هذه الغواصات الروسية، الا انها من جهتها قادرة على التسبب في خسائر فادحة للعدو، قبل ان تغرق الى الابد في قاع البحر. ان غواصات "ششوكا” قادرة على تدمير حاملات الطائرات والتسبب بخسائر هائلة للاهداف البرية.
وخلال خمس سنوات من تطوير التكنولوجيا الديزل ـ كهربائية يمكن استبدال الغواصات من طراز Akula لتحل محلها الغواصات من طراز التصميم 677 المسماة "لادا”. ولكن حتى الان لا تزال الخصائص الشبحية والتسلح الهائل لغواصات "ششوكا” تمثل تهديدا كبيرا ليس فقط للسفن الناتوية، بل وللاهداف البرية الناتوية ايضا.
الوحدات الخاصة:
خلال الحرب الباردة عملت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على تشكيل الوحدات الخاصة، بالاساس كقوات مساعدة، تقوم بتقديم الدعم للجيوش العاملة التقليدية. ولكن في الوقت نفسه فإن السوفيات توسعوا في تفسير مهمات الوحدات الخاصة اكثر مما فعل الناتو. فالوحدات الخاصة (وهذه تسمية عامة للقوات المكلفة بمهمات خاصة والتي تنتسب الى مختلف اقسام القوات المسلحة) يتوجب عليها ان تنفذ عمليات هجومية، تشمل بالدرجة الاولى القيام بفعاليات تخريبية في خطوط وعقد المواصلات، وتحضر الظروف لهجوم القوات الرئيسية وحتى زرع الرعب في اوساط السكان.
وعلى غرار مختلف مكونات القوات المسلحة الروسية، فإن جيش الوحدات الخاصة قد ضعف كثيرا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. ولكن الجيش الروسي، مسلحا بتجربة حرب العصابات الشيشانية، قد اعاد بناء بل وطور الامكانيات القتالية لقوات الانزال والتخريب والوحدات الخاصة. ومن هذه القطعات والوحدات قامت موسكو بتشكيل اداة عسكرية ـ سياسية مرعبة، قادرة على القيام بمهماتها في مختلف قطاعات العمل العسكري. وهذه الاعادة لبناء الوحدات الخاصة ترافقت مع توسيع نطاق الوحدات الخاصة الغربية في اطار مكافحة الارهاب. واحيانا قامت الوحدات الخاصة الروسية والناتوية بمناورات تدريبية مشتركة بهدف تحسين فعاليتها.
بوتين في محادثة ودية مع احد رجال الوحدات الخاصة
وفي الحالة الراهنة فإن الوحدات الخاصة الروسية تمثل مشكلة جدية للغرب على مختلف الصعد القتالية.
وفي حال ظهور اي نزاع فإن الوحدات الخاصة الروسية يمكنها ان تعمل في كل مراحل النزاع، كما جرى في الازمة الاوكرانية. واذا مثلا بدأت حرب بين روسيا وأحد بلدان البلطيق بسبب النزاعات الحدودية، فإن الوحدات الخاصة الروسية ستكون بلا شك في المقدمة. واذا بدأت حرب شاملة، فإن الغواصات وغيرها من وسائط النقل ستزرع الوحدات الخاصة الروسية التي ستشن هجماتها في عمق خطوط الدفاع الناتوية.
ان الوحدات الخاصة الروسية ليست "سلاحا” بالمعنى التكنولوجي للكلمة، بل هي الوسيلة الاكثر فعالية في الترسانة العسكرية الروسية. وهي ستضطلع بدور هام في اي نزاع مع الناتو. ويمكن ان يحدث ذلك حتى قبل ان يدرك حلف الناتو ان النزاع قد بدأ.