صواريخ قطاع غزة!
ثريا عاصي
عندما تقرأ في كتب التاريخ عن احتلال الجزائر في القرن التاسع عشر وعن غلاظة الجنرال الفرنسي بيجو، وعن همجية سلطة النازيين في ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية وأثنائها، الذين أرادوا، ولم يتفردوا في الأمر، تطهير أوروبا من اليهود والغجر ومن ذوي العاهات الجسدية والعقلية، عندما تقرأ عن مجزرة سطيف في الجزائر وعن فظاعة الجرائم التي ارتكبها الجيش الفرنسي أثناء حرب التحرير الجزائرية، عندما ترجع إلى بعض ما نشر عن حرب فيتنام.. عندما تستذكر هذا كله او شيئا منه، تفهم الذهنية التي تملي على المستعمرين الإسرائيليين تصرفاتهم وسياساتهم تجاه الفلسطينيين وتفهم أيضا أسباب وقوف دول غربية إلى جانبهم، رغم انها متقدمة ديمقراطية يتشدق قادتها بالكلام في كل ذكرى، عن حقوق الإنسان!
لماذا تشن دولة المستعمرين الإسرائيليين وهي بالمناسبة دولة نووية، تمتلك في ترسانتها أحدث أنواع السلاح، حربا على قطاع غزة؟! للتذكير فقط، مساحة القطاع تساوي 350 كلم مربع تقريبا، فطول القطاع يبلغ 35 كلم وعرضه 10 كلم. يستخدم المستعمرون المحتلون مدافعهم وطائراتهم وبوارجهم وأقمار المرقابة، والقنابل الذكية والفوسفورية وقنابل أخرى محشوة بذخائر غير تقليدية؟
يزعم الإسرائيليون أن سبب الهجوم على قطاع غزة هو أن حماس إختطفت ثلاثة إسرائيليين في الضفة الغربية. ولكن حماس نفت التهمة. لا ننسى أن الفلسطسنيين في الضفة تعرضوا نتيجة لهذه الحادثة، لعقاب جماعي أظهر المستعمرون خلاله إنحطاطهم الأخلاقي ودمويتهم. قتل الجنود الإسرائيليون أربعة عشر فلسطينيا وهدموا منزلين أو أكثر. لا تسل عن انتهاك حرمات المنازل وترويع سكانها والعبث بأثاثها وعن مئات المعتقلين. حتى الصبية والأولاد لم ينجوا من الإعتقال ومن المثول أمام المحققين العسكريين. وكأن هذا ليس كافيا. إختطف إسرائيليون صبيا فلسطينيا وأحرقوه. رأينا على شبكة التواصل الكثير من المشاهد المنفرة المرعبة، التي بدا فيها الجندي الإٍسرائيلي وهو يمسك بالطفل الفلسطيني لا إنسانياً، كمثل الوحش الكاسر عندما يمسك بفريسته!
هذه قصة الإسرائيليين الثلاثة الذين اختطفوا وقتلوا. بدأت في الضفة الغربية حيث فـُرض على جميع الفلسطينيين أن يدفعوا ثمنا غاليا "دية” مقابل نفس ثلاثة إسرائيليين، يظن المستعمرون أن اثنين من الفلسطينيين أقدما على اختطافهم وقتلهم. لم تنته القصة في الضفة الغربية. ها هي تتواصل في قطاع غزة. أرقام القتلى تتزايد ساعة بعد ساعة. الموت في كل دار والدمار يكاد أن يكون شاملا. هل يـُعقل أن يكون ذلك كله إنتقاما للإسرائيليين الثلاثة. أين سيتوقف الإنتقام ؟لست أدري إذا كانت الدول الغربية، المتقدمة صاحبة الحضارة الغربية، "المسيحية ـ اليهودية” بحسب المصطلح الذي يتداوله المحافظون الجدد أو المسيحيون الصهاينة. هذه الدول كمثل الولايات المتحدة الاميركية والحكومتين الفرنسية والبريطانية، لا تستطيع أن تبرر دعمها للمستعمرين الإٍسرائيليين في الحرب الإجرامية الحالية على قطاع غزة، بغير الإنقياد للعصبية "أيها المستعمر أنصر أخاك المستعمر على ظلم المستعمَرين”! أعتقد بالمناسبة، أنه من المحتمل أن نكون حيال ولادة حضارة جديدة، إسلامية ـ يهودية، الأصح أن نقول وهابية ـ صهيونية، يتطوع الإسلاميون الصهاينة بدور الرديف فيها. كيف تعلل الدول الغربية مواقفها لا سيما أن المستعمرين الإسرائيليين هم الذين بادروا إلى الإغارة على قطاع غزة، وان إطلاق الصواريخ من الجانب الفلسطيني جاء ردا على القصف الجوي. وبالتالي لولا الغارات الجوية لما أطلقت الصواريخ ! بل نستطيع القول ان المستعمرين كانوا يعرفون أن الفلسطينيين سيدافعون عن أنفسهم بواسطة هذه الصواريخ.
ينبني عليه أن الإسرائيليين إستفزوا الفلسطينيين، وانهم كانوا على يقين من أن الدول الغربية الآنفة الذكر سوف تدعمهم في عدوانهم وتبرر سفك دماء الفلسطينيين وإجبار الأخيرين على العيش بلا مأوى، تحت ذريعة أن بعض الصواريخ أطلقت باتجاه الأرض المحتلة ردا على القصف الجوي والبري والبحري. بمعنى آخر أن ما يريده المستعمرون الإسرائيليون وحلفاؤهم في الغرب هو أن لا يطلق الفلسطينيون الصواريخ عندما تغير الطائرات الإسرائيلية عليهم. مجمل القول، الغاية من الحرب على قطاع عزة هي نزع السلاح، بدءا بالصواريخ.
إن الرأي العام الدولي الذي ضلله الإعلام وأوهنه رأس المال، لن يحرك ساكنا أمام حمام الدم في القطاع. إستنادا إليه من المحتمل أن يشجع ذلك المستعمرين الإسرائيليين على تكرار مجازرهم في لبنان، بحجة أن فيه مقاومين، كمثل المقاومين الفلسطينيين في قطاع غزة، لديهم صواريخ بكميات أكبر يمكنهم أن يطالوا بواسطتها مواقع كثيرة في فلسطين المحتلة.
الإشكال هنا، هو أن المستعمرين الإسرائيليين حاولوا وفشلوا في الماضي، أكثر من مرة في قطاع غزة، وفي لبنان أيضا، في الوصول إلى الغاية التي لمحنا إليها أعلاه وهي نزع السلاح من المقاومة. من المرجح أن حصيلة عدوانهم على قطاع غزة لن تكون مختلفة عن السابق، أي قتل العشرات والتسبب في جرح وإعاقة المئات من المدنيين. بالإضافة إلى إحداث دمار على نطاق واسع في المنازل والبنى التحتية. أما على الصعيد العسكري فأنهم لن يتمكنوا من تبديل المعطيات الموجودة أصلا.
يجدر التذكير هنا بأن صواريخ قطاع غزة، ولبنان، صناعة سورية وإيرانية. ينجم عنه أن منابع الصواريخ هي في هذين البلدين. أغلب الظن أن خطة المستعمرين تقضي فيما تقضي بالعمل على تجفيف هذه المنابع. لا شك أن الخطة نفسها تلحظ أيضا توفير الظروف اللازمة من أجل إشغال المقاومة بقصد منعها من إستخدام الصواريخ التي بحوزتها ضد مواقع العدو الإسرائيلي. من البديهي أن تتضمن الخطة المذكورة أيضا توظيف جميع العوامل التي يمكنها ان تساعد على قطع الطريق التي تصل بين مصدر هذه الصواريخ من جهة وبين المقاومين الذين يتصدون للمستعمرين من جهة ثانية.
إنطلاقا من هذه المعطيات مجتمعة يمكننا الإستنتاج بأن إنتاج الصواريخ وتزويد المقاومة بها هو لب المشكلة التي تعترض تصفية القضية الفلسطينية وبسط الهيمنة الاستعمارية "من المحيط إلى الخليج الفارسي ". من البديهي أن الإسرائيليين لن يستطيعوا حلها بأنفسهم. بالتالي ليس مستبعدا، أن يكون قصدهم من وراء استفزازاتهم وحروبهم ومجازرهم المروعة، هو إقحام حلف الأطلسي ومشيخات الخليح الفارسي، في تنفيذ خطة تجفيف منابع الصواريخ، وتحريم المقاومة.