وتبقى دماء شهداء المقاومة أصدق وأقوى من اساطيل الدول الكبرى
شارل أبي نادر -
بعد ان اتخذ حزب الله القرار الاستراتيجي بالمواجهة الاستباقية للإرهاب خارج لبنان، حيث رأى واكتشف واستنتج ان هكذا خطر تجب مواجهته قبل أن يقترب ويصبح تهديدا مباشرا فتصعب السيطرة عليه حينها، لم يصدف أن مر يوم دون أن يسقط له شهيد أو اكثر في أحد الميادين الملتهبة والتي تشهد اعنف المعارك والمواجهات الدموية.
طبعا، هذه الدماء الزكية التي تسقط في الساحات البعيدة هي غالية وعزيزة على اهالي وعائلات ومجتمع هؤلاء الشهداء الابطال، وهي غالية على قيادة المقاومة وعلى مؤسساتها المختلفة، فهي دماء رجال وشبان وفتيان نذروا انفسهم لخدمة قضية مقدسة، اسموها "الدفاع المقدس"، وتسابقوا لتنفيذ مهامّ هذا الدفاع غير آبهين بمستوى الخطر المرتفع الذي يرافق هذه المعارك حيث تخاض اعنفها واشرسها في تاريخ الشرق والعالم ربما، وحيث تستعمل اكثر ترسانات الاسلحة تطورا وفتكا ودقة وقدرة تدميرية.
يخوض هؤلاء الابطال تلك المعارك بشغف ولهفة وعن قناعة تامة والتزام صادق في الوقت الذي لأغلبهم كامل الارتباطات العائلية والاجتماعية والمهنية والتعليمية التي تتطلب وقتا وجهدا وعملا ضخما، وتستدعي الاهتمام والمتابعة المتواصلين.
ما يميز هذه الدماء انها تتفوق في الرؤية البعيدة والاستراتيجية عن دول ومجموعات عديدة، دأبت دائما على انتقاد المقاومة بسبب تدخّلها خارج الحدود حيث اعتبرته مناقضا للسياق الطبيعي وخارج منطق سيادة الدولة وقرارها، لتكتشف لاحقا تلك الدول والمجموعات، وبعد تمدد هذا الارهاب امام اعينها ووصوله الى عقر دارها، وبعد ان توسع في المكان والزمان والاسلوب، صوابية هذا القرار وضرورته، فتدخلت على وجه السرعة وبالقدر المتوافق مع الظروف الدولية المؤاتية وبالطريقة المناسبة استنادا للوقائع الميدانية والديبلوماسية، وزجّت بوحدات عسكرية في امكنة حساسة محاولة حجز مكان لها، تتمكن من خلاله التأثير على ساحة الصراع ومواجهة الارهاب، اقله بالقدر الذي تستطيع فيه حماية امنها ومصالحها، في معركة استباقية اعترفت مرغمة بضرورتها وبوجوب الاسراع في خوضها.
دماء الشهداء اقوى من الاساطيل
الفارق بين استراتيجية المقاومة واستراتيجية تلك الدول والمجموعات، هو ان الاولى يحرّكها الصدق والالتزام والعفوية والثبات، والثانية تحركها المصالح والتحالفات الآنية، الاولى تمثل نبض مجتمعها بالكامل، رجالا ونساء، كهولا وشبابا وفتيان واطفالًا، والثانية لا تنتمي لمجتمعها ،بل تمثل اصحاب القرار فقط ولا تعبر الا عن قلة قليلة من القادة والمسؤولين.
الاولى ثابتة لانها تعبر عن مجتمع مؤمن، يرى في معركته امتدادا طبيعيا لصراع وجودي طالما طبع تاريخه وثقافته، صراع الحق ضد الباطل، صراع الخير ضد الشر، صراع الكرامة ضد الذل، صراع الانسانية ضد الظلم والقهر، والثانية متحركة، متقلبة، تتغير تبعا للظروف والمعطيات، تعبر عن مجتمع مادي لا يقيم وزنا للمبادئ والقيم، يذهب حيث يمكن ان يعقد صفقة او يشترك في مشروع، حيث يمكن ان يستفيد من تجارة رابحة من نفط او من طاقة باسعار مناسبة، حيث يمكن ان يعرض سلاحا ويجرّبه ويروّج له ويبيعه، حيث يمكن ان يسوق لعتاد او لبضاعة... وحيث يمكن ان يؤسس لتفاهمات او لاتفاقيات تستدعيها خصوصيات مجتمعه وامنه ومصالحه.
واخيرا... قد تنتهي الحرب على اتفاقات وتفاهمات، وقد يستمر الصراع طويلا ويبقى مجتمع المقاومة فترة طويلة يعيش زمن الحرب وضغوطها المختلفة، وسيستمر المعترضون اصحاب النظرة المحدودة او اصحاب النوايا السيئة والبغيضة على معارضتهم وانتقادهم، ولكن لن يستطيع احد ان يمحي صورة هؤلاء الشهداء الصادقين الذين قاوموا وواجهوا الارهاب بصدورهم حين انسحب الكبار، وحين انتظر الآخرون منطق التسويات وانخراط الارهابيين في دائرة الاعتدال، رأى هؤلاء الرجال عبثية هذا الانتظار فوقفوا وحدهم وقاتلوا واستشهدوا، وها هم اليوم وسيبقون دائما، في نظر التاريخ والحق ابطالا وكبارا ورجال.